الدبلوماسية المتوازنة للرئيس السيسي مهدت الطريق للدبلوماسية الاقتصادية خلال الأعوام الماضية
عبر ثماني سنوات من تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية، عملت حكومات مصر المتتالية على توفير التمويلات التنموية الميسرة وسد الفجوة التمويلية للمشروعات وخطط التنمية، حيث استطاعت وزارة التعاون الدولي خلال تلك الفترة تكوين محفظة تعاون إنمائي ضخمة تتجاوز 26 مليار دولار مع العديد من شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين، لتمويل 338 مشروعا لتعزيز جهود الدولة في تحقيق أجندة التنمية المستدامة 2030.
إنجاز لم يكن ليتحقق إلا من خلال الدبلوماسية السياسية المتوازنة والرؤية الواضحة والقوية للقيادة السياسية للبلاد ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي مهد الطريق للدبلوماسية الاقتصادية التي انتهجتها الوزارة، حسب ما أكدته الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي في أحد تصريحاتها.
وحصلت مصر خلال العام الماضي 2021 فقط على تمويلات تخطت 10 مليارات دولار، حيث أوضحت الدكتورة رانيا المشاط خلال إطلاق التقرير السنوي للوزارة تحت عنوان "تعاون دولي فعال" في يناير الماضي؛ أن 8،7 مليار دولار خصصت لمختلف قطاعات الدولة التنموية، و1،5 مليار دولار للقطاع الخاص.. كما وصل إجمالي اتفاقيات التمويل التنموي خلال عامي 2020 و2021 إلى نحو 20 مليار دولار.
وأكدت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مجلس الوزراء في 16 مايو الماضي؛ أن التمويل التنموي يمثل فقط 25% من الدين الخارجي وأن جميعها تمويلات طويلة الأجل.
ولتحقيق المزيد من الفاعلية لهذه التمويلات والترويج لنتائجها، انتهجت وزارة التعاون الدولي مبادئ الدبلوماسية الاقتصادية؛ أولا بإطلاق منصة التعاون التنسيقي المشترك، حيث نسقت لقاءات بين شركاء التنمية والجهات الحكومية للمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وثانيا: بمطابقة التمويل التنموي مع أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة؛ والتي تستهدف تحقيق 17 هدفا بحلول عام 2030، وثالثا: سرد المشاركات الدولية للترويج للشراكات الناجحة والقصص التنموية.
وبذلك حققت الدبلوماسية الاقتصادية المصرية نجاحا ملهما لتصبح رائدة في مجال التعاون الإنمائي، والمشروعات المنفذة مع الشركاء الدوليين في قطاعات التنمية المختلفة.
وتقول وزيرة التعاون الدولي الدكتورة رانيا المشاط في كتابها "مبادئ الدبلوماسية الاقتصادية لتعزيز التعاون الدولي والتمويل الإنمائي" الذي أطلقته في يونيو من العام الماضي بالتعاون مع كلية لندن للاقتصاد إن الدبلوماسية الاقتصادية تقوم ببساطة على دمج المهارات الدبلوماسية مع الأدوات الاقتصادية لتحقيق أهداف الدولة، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو استراتيجية.
مطابقة التمويلات التنموية مع أهداف التنمية المستدامة
عملت وزارة التعاون الدولي على مطابقة التمويل التنموي مع أهداف التنمية المستدامة الـ17 التي أعلنتها الأمم المتحدة، فضلا عن عقد الاتفاقيات للحصول على القروض والمنح من شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين.
وعرضت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي نتائج مطابقة التمويلات التنموية مع أهداف التنمية المستدامة، والتي كشفت أن المحفظة الجارية لوزارة التعاون الدولي تضم 372 مشروعًا في مختلف قطاعات الدولة والقطاع الخاص بقيمة 26.5 مليار دولار، وأن أكثر أهداف التنمية المستدامة استحواذًا على التمويلات التنموية هو الهدف التاسع المتعلق بالبنية التحتية: الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية.
وأوضحت أن هذا الهدف تبلغ تمويلاته 5.9 مليار دولار تشكل 22.3% من إجمالي المحفظة الجارية، وثانيًا يأتي الهدف السادس: المياه النظيفة والنظافة الصحية بتمويلات قيمتها 5.3 مليار دولار تشكل 20.3% من المحفظة الجارية بواقع 37 مشروعًا في 88 موقعًا بمحافظات الجمهورية، وثالثًا الهدف السابع: طاقة نظيفة بأسعار معقولة 5.9 مليار دولار، لتنفيذ 32 مشروعًا في 61 موقعًا بمحافظات الجمهورية، تمثل 23.2% من إجمالي التمويلات التنموية.
أما الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة فهو المساواة بين الجنسين؛ وبينما لا تضم محفظة التعاون الإنمائي لوزارة التعاون الدولي سوى 13 مشروعًا موجهة بشكل مباشر لتحقيق الهدف الخامس بقيمة تمويلات 82 مليون دولار، تمثل 0.32% من إجمالي المحفظة، إلا أن الهدف يدخل من بين الأهداف الفرعية التي تسعى لتمكين المرأة والفتيات وتعزيز المساواة بين الجنسين في مختلف المشروعات القطاعية الأخرى، لذا تظهر أهداف المساواة بين الجنسين كجزء من أهداف 99 مشروعًا بقيمة تمويلات إنمائية قدرها 6.7 مليار دولار.
ولتحقيق الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالقضاء على الفقر، تضم المحفظة الجارية لوزارة التعاون الدولي تمويلات تنموية بقيمة 1.3 مليار دولار، لتنفيذ 18 مشروعًا في 31 موقعًا بمحافظات الجمهورية، ويستحوذ الهدف على 5.17% من إجمالي محفظة التمويلات التنموية الجارية.. بينما يبلغ حجم التمويلات التنموية الجارية لتنفيذ الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة: القضاء التام على الجوع نحو 486 مليون دولار، لتنفيذ 17 مشروعًا في 35 موقعًا بمحافظات الجمهورية، وتمثل التمويلات 1.89% من إجمالي المحفظة الجارية.
وتبلغ التمويلات التنموية الموجهة لتنفيذ الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالصحة الجيدة والرفاه 1.4 مليار دولار، لتنفيذ 32 مشروعًا في 95 موقعًا بمحافظات الجمهورية، ويستحوذ الهدف على 5.63% من إجمالي محفظة التمويلات التنموية الجارية.
وفى إطار دعم استراتيجية الدولة لتطوير التعليم تبلغ التمويلات التنموية الموجهة لتنفيذ الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة: التعليم الجيد، 2.36 مليار دولار، لتنفيذ 36 مشروعًا في 74 موقعًا بمحافظات الجمهورية، ويستحوذ الهدف على 9.2% من إجمالي محفظة التمويلات التنموية الجارية، إضافة إلى 43 مشروعا بقيمة 1.1 مليار دولار للمساهمة في الهدف الثامن "العمل اللائق ونمو الاقتصاد"، كذلك أطلقت من أجل تحقيق الهدف العاشر " الحد من أوجه عدم المساواة" مشروعات بقيمة 16 مليون دولار.
كما أعلن إطلاق 32 مشروعا بقيمة 5.1 مليار دولار للمساهمة في هدف مدن ومجتمعات محلية مستدامة؛ وهو الهدف الحادي عشر من أهداف التنمية المستدامة، وللهدف الثاني عشر "الاستهلاك والإنتاج" أطلقت ثمانية مشروعات بقيمة 8.45 مليون دولار.
ولتحقيق هدف "العمل المناخي" الثالث عشر؛ أطلق 12 مشروعا بقيمة 365 مليون دولار، ومشروع واحد بقيمة 27.0 مليون دولار للمساهمة في هدف "الحياة تحت الماء" الرابع عشر، إضافة إلى ثمانية مشروعات بقيمة 15 مليون دولار للمساهمة في هدف "الحياة في البر" وهو الهدف الخامس عشر.
كذلك طابقت الوزارة التمويل التنموي مع أهداف التنمية المستدامة بإطلاق 30 مشروعا بقيمة 240 مليون دولار للمساهمة في الهدف السادس عشر "السلام والعدل والمؤسسات القوية"، وللهدف السابع عشر والأخير" عقد الشراكات لتحقيق الأهداف" أطلقت 5 مشروعات بقيمة 7.19 مليون دولار.
ويرجع إطلاق الأهداف الأممية للتنمية المستدامة إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 سبتمبر2015 الذي أورد 17 هدفا للتنمية المستدامة.
وفي مطلع يناير من العام 2016؛ أدرجت هذه الأهداف في خطة التنمية المستدامة العالمية لعام 2030، ومن ثم سارعت مصر لإطلاق الأجندة الوطنية "رؤية مصر 2030" في فبراير 2016. وتستند رؤية مصر 2030 لمبادئ "التنمية المستدامة الشاملة" و"التنمية الإقليمية المتوازنة"، وتعكس الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة: البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، والبعد البيئي.
وقررت الدولة في مطلع عام 2018 تحديث أجندتها للتنمية المستدامة بمشاركة مختلف الوزارات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني بالاستعانة بعدد من أرفع الخبراء في مختلف المجالات، وذلك لمواكبة التغييرات التي طرأت على السياق المحلي والإقليمي والعالمي.. واهتم الإصدار الثاني لرؤية مصر 2030 بأن تصبح رؤية ملهمة تشرح كيف ستخدم المساهمة المصرية الأجندة الأممية، وكيف سيخدم ذلك السياق العالمي.
مصر إحدى أكبر دول العمليات للبنوك التنموية متعددة الأطراف
تستند العلاقات الوطيدة بين مصر وشركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين إلى قوة الاقتصاد المصري والصياغة الجيدة للمشروعات، حسب ما أكدته الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي، لذا سُجلت مصر كأكبر دولة عمليات للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية حاليا، واستثمر البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية منذ بدء عمله في مصر خلال 2012، أكثر من 8.7 مليار يورو دعمت تنفيذ 145 مشروعا، أكثر من 76% منها للقطاع الخاص، وجاءت مصر على رأس قائمة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية كأكبر دولة عمليات على مستوى منطقة جنوب وشرق البحر المتوسط خلال عامي 2020 و2021، كما كانت مصر أكبر دولة عمليات في عامي 2018 و2019.
كما بلغت محفظة مشروعات بنك الاستثمار الأوروبي في مصر نحو 7 مليارات يورو على مدار السنوات السبع الأخيرة، ووجه نصفها للقطاع الخاص والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والنصف الآخر للبنية التحتية.
وسجل حجم محفظة التعاون التنموي الجارية بين وزارة التعاون الدولي والبنك الدولي نحو 6.5 مليار دولار في العديد من القطاعات التنموية، ليمثل أكبر شركاء التنمية في مجال القروض بنسبة 30% تليه الصناديق العربية بنسبة 17%؛ حيث تعد المملكة العربية السعودية أكبر شركاء التنمية في مجال المنح بنسبة 51%، ثم الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 17%، ثم الاتحاد الأوروبي بنسبة 12%.
وعقدت مصر اتفاقيات بقيمة مليار دولار مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة لاستيراد السلع الأساسية كالبترول ومشتقاته، والقمح وغيرها من السلع التموينية.
المساواة بين الجنسين والتحول الأخضر
شهد قطاع الطاقة المتجددة إصلاحات غير مسبوقة، مما دفع مؤسسات التمويل الدولية لتوفير 4 مليارات دولار لتمويل مشروع بنبان للطاقة الشمسية الذي يعد أحد أكبر المحطات في العالم، بمشاركة مؤسسات مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ومؤسسات التمويل الدولية.
وفي ضوء استعداد مصر لاستضافة لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول المناخ COP27، عززت الحكومة مباحثاتها مع شركاء التنمية لتعزيز جهود التمويل المختلط والتمويلات المبتكرة التي تفتح المجال لمشاركة القطاع الخاص في تمويل المشروعات الصديقة للبيئة التي تعزز التحول الأخضر.
ويبلغ حجم محفظة التعاون الدولي مع المؤسسات الدولية لتحقيق أهداف التكيف والتخفيف من آثار التغيرات المناخية 11 مليار دولار، وتتفق تلك المخصصات مع رؤية مصر للتحول إلى الاقتصاد الأخضر، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
كما تضم المحفظة الجارية لوزارة التعاون الدولي 13 مشروعًا بقيمة 78 مليون دولار لتحقيق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة: المساواة بين الجنسين، بينما تضم المحفظة الجارية 8 مشروعات بقيمة 33 مليون دولار في إطار الهدف العاشر: الحد من أوجه عدم المساواة، ويبرز هدف تمكين المرأة كهدف فرعي في نحو 99 مشروعًا ضمن المحفظة الجارية للوزارة بقيمة 6.7 مليار دولار.
تعزيز دور القطاع الخاص وتمكين الشباب
حصل القطاع الخاص على تمويلات بنحو 4.7 مليار دولار خلال عامي 2020 و2021 فقط من مؤسسات التمويل الدولية في شكل خطوط ائتمان للبنوك التجارية لإعادة إقراضها للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومساهمات في الشركات، فضلا عن إصدار السندات الخضراء، وكذلك تمويلات لتنفيذ مشروعات تنموية.
وأوضحت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي أن التمويلات التنموية التي حصل عليها القطاع الخاص ظهر مردودها في العديد من المشروعات التنموية الإيجابية، وتعزيز الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، من بينها تنفيذ الميناء الجاف بمدينة السادس من أكتوبر، ومشروع محطة معالجة مياه بحر البقر والجبل الأصفر، ومشروعات الطاقة المتجددة.
وأشارت إلى أن هذه المشروعات تعزز جهود الدولة لتحقيق التحول إلى الاقتصاد الأخضر، فضلا عن مشروعات الأمن الغذائي ومن بينها مشروعات صوامع تخزين القمح التي تم تنفيذ جزء منها بتمويلات تنموية فضلا عن الاستعانة بالدعم الفني والتكنولوجيا من شركاء التنمية.
على صعيد آخر، تضم المحفظة الجارية لوزارة التعاون الدولي 67 مشروعًا ذي صلة بالشباب بقيمة 3.9 مليار دولار، في قطاعات التحول الرقمي والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والتعليم وبناء القدرات وريادة الأعمال والحماية الاجتماعية والبحث العلمي.