استثمارى أم تعليمى؟ لغز إنفاق 2.6 مليار جنيه على الجامعات التكنولوجية وإهمال التعليم الفني
«الحيوى»: لم تكن هناك ثقة بين المستثمر الصناعى وبين مخرجات التعليم
طالب: أنا اتضحك علىَّ والدراسة بالجامعة التكنولوجية مش زى ما توقعت خالص
أستاذ جامعى: التجربة جيدة وكان لا بد أن تسبقها خطوات تثبت الاهتمام بالتعليم الفنى فعلًا لا قولًا
80% نسبة قبول الحاصلين على معهد متوسط بالجامعات التكنولوجية.. و20% للثانوية العامة والدبلومات
عضو هيئة تدريس: لا يُعقل أن يكون لدينا عجز وتهالك بالمدارس الفنية ثم نتحدث عن تطوير التعليم الجامعى
وائل كامل: بدون زيادة عدد المدارس الفنية يبدو الهدف من إنشاء الجامعات التكنولوجية استثماريا وليس تعليميا
التغيير هو النتيجة النهائية للتعلم الحقيقي، كلمات قالها الكاتب الأمريكي ليو بوسكاليا، قبل عدة سنوات، تكشف أهمية التعلم في إحداث التغيير، وسيرًا على هذا النهج، قررت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إحداث تغيير في التعليم الجامعي، للوصول إلى التغيير المنشود في جميع المجالات، من خلال تدشين كليات وجامعات جديدة في تخصصات جديدة، من بينها الجامعات التكنولوجية، التي من المُقرر أن تخدم برامجها الدراسية الصناعة بكل منطقة جغرافية، تم تدشين الجامعة فيها.
بدأت وزارة التعليم العالي تجربة الكليات التكنولوجية بجامعات القاهرة والدلتا وبني سويف التكنولوجية، ثم أعلنت تدشين 6 جامعات تكنولوجية أخرى بتكلفة بلغت مليارات الجنيهات، ولكن هناك تخوفات من لدى الكثير من أولياء الأمور والمختصين، أن يكون مصيرها الفشل، وأن لا تحقق الهدف المرجو منها، كحال الجامعات الأهلية وكليات الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات لعل أبرزها هل ستلقى الجامعات التكنولوجية مصير الجامعات الأهلية نفسه؟ وإلى أي مدى حققت جامعات القاهرة وبني سويف الهدف المرجو منهما؟ وكم تبلغ نسبة الإقبال عليها؟ وغيرها من التساؤلات..
قرار جمهوري
3 يونيو 2019 صدر قرار جمهوري رقم (72) لسنة 2019، لإنشاء 8 جامعات تكنولوجية، موزعة على مناطق الجمهورية، لإمداد سوق العمل الداخلي والخارجي بالفنيين المدربين والمؤهلين، ورفع مستوى خريجي التعليم الفني.
وانتهت الوزارة من تدشين 3 جامعات تكنولوجية (القاهرة- الدلتا بالمنوفية- بني سويف)، وبالفعل بدأت الدراسة بهم مع بدء العام الدراسي 2019-2020.
الجامعات التكنولوجية موجهة في المقام الأول لخريجي المعاهد المتوسطة، لاسيما وأن نسبة قبول الطلبة الحاصلين على شهادة المعاهد المتوسطة تبلغ 80% من إجمالي المقبولين، في حين أن نسبة قبول طلاب الثانوية العامة وطلاب الدبلومات الفنية الصناعية نظام الثلاث سنوات والخمس سنوات، بلغت 20%.
سوء إدارة
«الكلية كويسة جدًا، ولكن ما حدش يعتمد عليها بشكل كبير في الفهم، لأن علشان جديدة لسه المعيدين ما عندهمش كفاءة، أظن مع الوقت هتتحسن»، بهذه الكلمات وصف الطالب بالكلية التكنولوجية بالقاهرة، محمد عصام، وضع الدراسة بالكليات التكنولوجية.
وتابع «عصام»: «الحلو إن الكلية هتعلمك مهارات كتير بغض النظر عن اختلاف التخصص نفسه، وحتى اللغة كانت عقبة بالنسبة لي ولكن لما اتقبلت لقيت الدنيا سهلة واتعاملت عادي».
ورغم أن نسبة قبول الطلاب الحاصلين على معهد متوسط بالكلية التكنولوجية تصل 80%، إلا أن محمد عصام، يرى أن الدراسة ستكون أسهل للطلاب الحاصلين على الثانوية العامة، لاسيما الدراسة في قسم أطراف صناعية، والمرتبط أكثر بمجال الطب: «الكلية سهلة أكتر على طلاب الثانوية العامة، خصوصًا لو حد حابب يدخل قسم أطراف صناعية ودا له علاقة بالطب».
متاهة وانفراجة
«المشكلة الوحيدة إن أول لما دخلت كنت حاسس نفسي تايه، ودا علشان الدراسة بالإنجليزي، ولكن بعدين الدنيا ظبطت»، هكذا وصف الطالب بالكلية التكنولوجية بالقاهرة، محمد أحمد، تجربته بالدراسة بالكلية التكنولوجية بالقاهرة.
«محمد» كان يأمل أن يدرس بقسم الأطراف الصناعية إلا أنه لم يستطع، لاشتراط القسم أن يكون الطالب حاصلًا على شهادة الثانوية العامة، شعبة علمي علوم.
واقع صادم
لم يتفق محمد جمال الطالب بالجامعة التكنولوجية بالقاهرة، والذي يدرس البرمجة، مع زملائه، فإنه يرى أن الصورة التي كان يعتقدها عن الدراسة بالجامعة التكنولوجية، لم يجدها على أرض الواقع، ورغم ذلك لم يُنكر أن على الطالب جزءا كبيرا جدًا من مسؤولية تنمية مهاراته، وأنه باختلاف الأقسام لا بد أن لا يكتفي الطالب بما يحصل عليه من الكلية وحسب، بل لا بد أن يسعى لاكتساب المزيد من المهارات والخبرات، متابعًا: «أنا اتضحك عليَّ في الصورة اللي أخدتها عن الجامعة، والدراسة في الجامعة التكنولوجية مش زي ما توقعت خالص».
مساوئ وحكم ظالم
«اللي يحكم على الجامعات التكنولوجية بأنها وحشة أو حلوة يبقى كذاب، لأن ما حدش اتخرج منها لسه علشان نُحكم»، هكذا اعتبر الطالب بالفرقة الأولى قسم الميكاترونكس، محمد خالد، أن التجربة رغم أن بها مساوئ لا يُمكن الحُكم عليها الآن مطلقًا، والأفضل انتظار تخرج الدفعة الأولى للحكم نجاحها من عدمه.
الشهادة المهنية التي تعطيها الجامعة التكنولوجية بعتبرها الطلاب أحد المساوئ، ولم يقتصر الأمر على ذلك وحسب، ولكن قاعدة الرسوب في مادة واحدة يعني رسوب الطالب السنة كاملة، تشكل أزمة كبيرة أيضًا، بالنسبة لـ«خالد»، الذي يرى أنه خُدع في الصورة عن الدراسة بالجامعات التكنولوجية قبل الالتحاق بها، مضيفًا: «مساوئها كتير يعني الشهادة مهنية مش أكاديمية، غير أن السقوط في مادة معناه إني شيلت السنة كلها، مش زي باقي الجامعات السقوط في 3 مواد».
شهادات مهنية
وتمنح الجامعات التكنولوجيا درجات علمية عدة، وهي، الدبلوم العالي المهني في التكنولوجيا في التخصص، والبكالوريوس المهني في التكنولوجيا في التخصص، والماجستير المهني في التكنولوجيا في التخصص، والدكتوراه المهنية في التكنولوجيا في التخصص.
الدراسة بالجامعات التكنولوجية تستمر لمدة 4 سنوات، على أن يحصل الطالب في العامين الدراسين الأوليين على دبلوم مهني فوق متوسط، ويمكنه الاكتفاء به والعمل بتلك الشهادة، أو استكمال الدراسة عامين آخرين للحصول على درجة البكالوريوس المهني في التكنولوجيا.
تكلفات مليونية
ملايين عدة أنفقتها الدولة على الجامعات التكنولوجية الـ6 الجديدة المُقرر الدراسة بها العام المُقبل، بواقع 250.2 مليون جنيه لجامعة الغربية التكنولوجية، و459.2 مليون جنيه لجامعة السادس من أكتوبر التكنولوجية، في حين بلغت تكلفة إنشاء وتجهيز جامعة برج العرب 387.5 مليون جنيه، و570 مليون جنيه لجامعة شرق بورسعيد التكنولوجية، وبلغت تكلفة إنشاء وتجهيز جامعة أسيوط التكنولوجية 387.5 مليون جنيه، 543 مليون جنيه تكلفة إنشاء جامعة طيبة الجديدة التكنولوجية.
بداية ونجاح
«رغم أن عمر الجامعات التكنولوجية 3 سنوات فقط، إلا أننا نسير على طريق النجاح»، بهذه الكلمات بدأ مستشار وزير التعليم العالي والبحث العلمي للتعليم الفني، الدكتور أحمد الحيوي، حديثه عن الجامعات التكنولوجية.
ويرجع «الحيوي» استياء بعض الطلاب من التجربة، إلى أن هذا المسار من التعليم جديد لم يكن موجودا من قبل، وكان الأمر مقتصرا على المعاهد الفنية نظام العامين فقط، رغم أن البعض كان يكمل دراسة البكالوريوس ولكن بطرق غير مباشرة.
تدريبات عملية
الطامة الكُبرى أنه لم تكن هناك ثقة بين المستثمر الصناعي وبين مخرجات التعليم، إلا أن الجامعات التكنولوجية تسعى لخلقها؛ من خلال وضع الشريك التعليمي شريك صناعي أيضًا منذ بداية إنشاء الجامعة، وعليه فهو متواجد في جميع المراحل بدءًا من المجالس ومرورًا بتدريب الطلبة، وغيرها من المراحل، حسبما أكد الدكتور أحمد الحيوي.
المميز في مسار الدراسة عبر الجامعات التكنولوجية أنها قائمة على نسبة 60% تدريب عملي، و40% فقط دراسة نظرية أكاديمية، لم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، فبعض الجامعات التكنولوجية وقعت شراكة مع شركات في تخصصات الدراسة، مثلما حدث في جامعة الدلتا التكنولوجية، التي وقعت شراكة مع شركة المترو في إطار تخصص السكة الحديد.
جواز مرور
ويتابع، مستشار وزير التعليم العالي للتعليم الفني، بالتأكيد على أن الدولة تولي اهتماما كبيرا بالتعليم التكنولوجي بدليل صرف 2 مليار و600 مليون على إنشاء وتجهيز الجامعات التكنولوجية الـ6 الجديدة، مُضيفًا أن القارات الأوروبية نسبة العمر فيها تزداد وبالتالي يحتاجون إلى كفاءات وكوادر فنية، والوزارة تعمل على تخريج طالب لديه جميع المهارات ومعرفة بالمهام المكلف بها بشكل جيد، وهذا يعد جوازا مرورا له على الصناعة المحلية والدولية أيضًا، لاسيما وأن الطالب المصري ذكي جدًا، ولكنه دائمًا ينتظر الفرصة لاستغلال إمكانياته من خلال بيئة تعليمية مناسبة وعليه يستطيع الابتكار بصورة جيدة.
واختتم «الحيوي» حديثه بدعوة أولياء الأمور لزيارة هذه الجامعات والتواصل مع الطلاب الحالين على نوع التعليم المقدم، مُشيرًا إلى أن لديه فرصة الحصول على شهادة الدبلوم فقط بعد أول عامين والخروج لمجال العمل، وفي حالة أراد العودة استكمال الدراسة والحصول على البكالوريوس بعد عامين أو ثلاثة أعوام.
تطوير منقوص
«خطوة الجامعات التكنولوجية جيدة ولكن كان لا بد أن تسبقها خطوات تثبت الاهتمام بالتعليم الفني فعلًا لا قولًا، من خلال زيادة مدارس التعليم الفني لتتساوى في عددها مع عدد مدارس الثانوي العام»، بهذه الكلمات بدأ أستاذ التربية الموسيقية بجامعة حلوان، وائل كامل حديثه إلى «النبأ الوطني».
الأمر لا يجب أن يقتصر فقط على التوسع في أعداد مدارس التعليم الفني، ولكن لابد من التوسع في نوعياتها والعمل على تطوير جودتها، وبعد وجود أرضية صلبة من التعليم الفني بالمدارس، يكون البحث عن خطة عمل مرحلة تالية له وهي التعليم الجامعي المهني، بحسب وائل كامل.
سبوبة أم حقيقة؟
ويختتم «كامل» حديثه مع «النبأ الوطني»، قائلًا: "لا يُعقل أن يكون لدينا عجز بالمدارس الثانوية الفنية، بل ندرة وجودها بين محافظات مصر المختلفة، وتهالك بنيتها التحتية ثم نتحدث عن تطوير تعليم فني جامعي، دون توفير تعليم ثانوي فني ذي مستوى عال، مُؤكدًا أنه بدون تلك الخطوات يبدو أن الهدف من إنشاء الجامعات التكنولوجية هو مجرد هدف استثماري «سبوبة»، وليس تعليمي.