"فوت علينا بكره يا سيد".. والريادة المصرية!
في كتابه الحُجة "شخصية مصر" أكد العبقري الفذُّ جمال حمدان، أن مصر تملك من المقومات الجغرافية والتاريخية والبشرية ما يضمن لها العبقرية والريادة، وهو ما جعلها موضع حسد الأمم والشعوب على الدوام.
والمُدهش، أنه لم يقتنع بعضٌ من العاملين بالجهاز الإداري للدولة، بتلك المقومات، التي تمتعت، ومازالت تتمتع بها مصر، والتي ضمنت لها الريادة علي الجانب الإيجابي، فأضافوا لها مقومات أخرى ضمنت لها الريادة كذلك علي الجانب السلبي.
كثيرةٌ تلك السلبيات التي تفنن في إبرازها بعضٌ من العاملين بالدولة، سواء كانوا مسئولين كبارًا أو صغارًا أو حتي مواطنين عاديين أساءوا لبلدهم بسلوكيات الفوضى والعبث واللامبالاة، وهو ما يجعلُ تطلعَ مصر لمصاف الدول المتقدمة أمرا بعيدَ المنال، بل ويجعلُ من يستشرفُ تلك الأمنية، يعضُ الأنامل من الغيظ مما يجري بأرض الكنانة، التي لم تكن أبدا فقيرة الإمكانات، ولكنَّ بعضا من أبنائها يفتقر إلى الوازع والضمير، ويحتاجُ إلى رقابة لصيقة، تُقوم اعوجاجه وتُعدل سلوكه، وإلا عمت بلواه، وتسللت إلى غيره، فعدوي البليد إلى الجليد سريعة، وساعتها لن يكون خاسرا سوي مصر، التي هي أنا وأنت وهم وهن، وغيرها من الضمائر!.
من تلك السلبيات التي لا تحتاج إلي كبير جهد للتخلص منها؛ لأن ظهورها بين الحين والحين مصدرُ قلق أزمة (وقوع) السيستم بالمصارف والبنوك المصرية، وغيرهما من الهيئات والمصالح الحكومية، مما يترتب عليه تعطيل العمليات المصرفية، وتأخير الخدمات عن المواطنين، وكثرة الزحام، وهو ما يؤكد أن تطلع مصر للتحول الرقمي شأن عديد من الدول، التي تقل عنا موارد وإمكانات سيظل حلما وأمنية بعيدة لن نبلغها حتى يلج الجملُ في سمِّ الخياط!.
إن أزمة وقوع السيستم ماهي إلا ترجمة لاختفاء الرقابة، وإهمال حق المواطن، الذي لا تنصلح أيٌّ دولة إلا بالاهتمام به ورعاية شئونه.
أما أن يظل المواطنُ خاصة البسيط صفرًا على الشمال في حسابات بعض المسئولين فتلك هي المشكلة!.
ومن تلك الصور، أيضا اختفاء اللوحات الإرشادية الكهربية، أو تعطلها معظم الوقت، إما لحاجتها إلى صيانة، أو لغياب المسئول عنها، أو (تزويغه) قبل انتهاء ساعات العمل، والنتيجة هى تعطيل مصالح الناس، ودوران كثير منهم وراء هدفه (كعب داير) دون جدوى، والمؤكد أنه لو توافرت تلك اللوحات الإرشادية لوفرت كثيرًا من جهد العاملين والمواطنين معًا.
ولأنه بالمثال يتضح المقال، أستأنس بالوضع في سكك حديد مصر، فرغم جهود الدولة لتطوير ذلك المرفق الحيوي، إلا أنه كثيرًا ما تتعطل به اللوحات الإرشادية، التي تشيرُ إلى أرصفة القطارات، وموعد قدومها وإقلاعها، وهو ما يجعلُ سفر الكثيرين عبر ذلك المرفق رحلة من العذاب، وماراثون من اللف والدوران.
ومن الصور أيضا، التي تؤكد هيمنة البيروقراطية والتعويق الإداري، اختفاء ختم النسر بالعديد من المصالح الحكومية؛ مما يؤدي إلى تعطيل تمرير كثير من الأوراق، بل ويبيحُ لكثير من الموظفين وبدمٍ بارد ترديد عبارة (فوت علينا بكره يا سيد).. تلك العبارة، التي تضطر (سي السيد) لأن يشد في شعره، من انتشار روح اللامبالاة، وعدم الاكتراث بقيمة الوقت، ضمانة ارتقاء الأمم.
إن غيابَ ختم النسر، والذي يتسبب في تعطيل مصالح الناس أزمة لا بد لها من حل، ولا بد لكل موظف من بديل يحل محله حال غيابه لإنجاز مصالح الناس.
وأخيرا أقول.. أبدا لم تكن مصر دولة فقيرة الإمكانات والموارد، لكنها تفتقر إلى الرقابة، التي تُعاقب المقصر وتُثيب المجتهد، كما أن بعضًا أو كثيرًا من العاملين بجهازها الإداري يفتقرون لوازعي الضمير والأخلاق، واللذين لغيابهما تتعطل مصالح الناس.
وهذا ما يجعلني أؤكد أنه متى توافرت مقومات: الرقابة، والضمير، والأخلاق فسيكون وصولنا لمصاف الدول المتقدمة أمرا في المستطاع!.