اللواء رأفت الشرقاوي يكتب: تقديم الأطفال قرابين لفتح الكنز المدفون
حب المال والبحث عن الثراء السريع الفاحش حلم يداعب الكثير من ضعاف النفوس، ودفعهم للقيام بأعمال الحفر والتنقيب عن الأثار، لم يكتف هؤلاء عند هذا الحد بل وصل الأمر إلى إراقة دماء الأبرياء من «الأطفال»، وقطف براءتهم من الدنيا، عن طريق ذبحهم على عتبات المقابر وتقديمهم قربانًا للجن اعتقادًا منهم أن بعد ذلك سيتم فك الرصد وفتح المقبرة، وأملا منهم فى الوصول إلى أكذوبتهم الكبرى وهى فتح المقبرة بمجرد اراقة الدماء عليها.
تقديم الأطفال قرابين لفتح الكنز المدفون
ولكن بعد ارتكابهم لهذه الجريمة الشنعاء يكتشفون واهمون، وانقادوا خلف الدجالين والمشعوذين، ولو فطنوا إلى العقل لظهرت أمامهم الحقيقة واضحة وضوح الشمس، بأن الدجال والمشعوذ كان أولى منهم بالوصول إلى الثروة، ولكنهم خسروا كل شئ، وقد يصل الأمر إلى فقد حياتهم فى بعض الأحيان، ومن ثم تتكشف الحقائق وبعدها يسقوطون فى قبضة رجال الأمن لينالوا عقابهم فى الدنيا والآخرة.
ومن أشهر الخزعبلات التى يطلبها الدجالين أو المشعوذين أو النصابين هو ذبح طفل صغير على بعد خطوات من المقبرة وتقديمه قربانًا للجن لفك ما يسمى (الرصد) الفرعوني، وسماح الجن لهم بفتحها ودخولهم المقبرة والعثور على الكنز المدفون وما بداخله من آثار.
وهناك العديد من القضايا التي أسقطتها الأجهزة الأمنية من هذا النوع، نتيجة تلك الحوادث فى عدة محافظات مثل: العثور على جثة طفلة داخل جوال وسط القمامة بقرية دشلوط التابعة لمركز ديروط بمحافظة أسيوط، على يد سيدتين من أقاربها كقربان لفتح مقبرة بها آثار بناء على ما أرشدهم لذلك الساحر والدجال والمشعوذ.
وواقعة أخرى فى القليوبية تمثلت في قيام شخص بقتل شقيقته الصغيرة، وفى سوهاج سائق توك توك قتل ابنة شقيقة المعاقة ذهنيًا بمساعدة زوجته لذات الغرض وتقديمها قربانا للجن، وفى قنا قام مزارع بقتل الطفلة «حليمة موسى» التى لم تبلغ من العمر 7 سنوات، للوصول إلى الكنز المدفون وفتح المقبرة واستخراج الآثار من داخلها، وفى الشرقية أب يقتل ابنه بعدما أوهمه دجالًا بذلك لفتح المقبرة، وفى الجيزة شهدت قرية غمازة قيام أب بقتل ابنته الكبرى ليتمكن من فتح مقبرة.
وفي سوهاج، تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط تشكيل عصابى مكون من 14 شخصًا، تخصص في التنقيب عن الأثار، وعثرت القوات أثناء ضبط المتهمين على جثة طفله لم تبلغ التاسعة من عمرها، مذبوحة، وتبين أنها ابنة أحد المتهمين، وفى حلوان واثناء قيام طليقة أحد الاشخاص بالقاء نظرة الوداع على ابنتها منى قبل دفنها شكت الزوجة فى سبب الوفاة وخاصة أن طليقها مشهور عنه تجارة الآثار حيث تأكد للأجهزة الامنية قيام الأب بذبح الطفلة وتقديمها قربانًا للجن لفتح إحدى المقابر والعثور على الآثار بداخلها.
فالإنسان من هؤلاء المجرمين، لم يرضى بما قسمه الله له، وتخفى كل منهم فى عباءة الشيطان وجروا وراء أوهامهم الخيالية والتي لا يصدقها عقل، وقتلوا أروحا بريئة غدرًا وظلمًا وعدونًا من أجل المال، والثراء الفاحش، ولم يضعوا نصب أعينهم قول الله عز وجل قال تعالى: «من قتل نفسًا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا»، (سورة المائدة، الآية 32).
ونشير هنا إلى استخدام هؤلاء المجرمين لعدة طرق للبحث عن الآثاء، منهم من يقوم بأعمال الحفر والتنقيب عن الأثار باستخدام الأدوات اليديوة، ومنهم من يستخدم مادة الزئبق الأحمر وذلك لسهولة البحث عن الآثار، ومنهم من يستقدم أحد الدجالين من دول شمال إفريقيا يشتهر عنهم الدجل والشعوذة، ومنهم من يستخدم أجهزة الكشف الآثار الموجودة أسفل الأرض.
وفي شهر أغسطس الماضي، تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط أكبر مهرب لأجهزة الكشف الآثار، والمعادن النفيسة، وعثر بحوزته 25 جهازًا يتم استخدامهم لهذا الغرض، ومبلغ مالي قدره 12 مليون جنية.
بالتأكيد كل هذة الطرق غير قانونية أو شرعية، حيث يصل حجم تجارة الآثار في مصر إلى ٢٠ مليار دولار سنويًا، وكل هذه الأموال تُعد خسائر كبيرة على الدولة، بالإضافة إلى فقد قيمة تاريخية عظيمة لحضارة البلاد.
لكن القانون لم يترك ثغرة يحاول المجرمون الهروب منها، إلا ووضع لها نصًا قانونيًا حاسمًا، حيث ينص قانون الآثار المصرى رقم 117 لسنة 1983، والمعدل بالقانون رقم 91 لسنة 2018 على عقوبات رادعة لكل من تسول له نفسه أو يتجرأ على ارتكاب الجرائم التى من شأنها انتهاك حقوق الدولة بأعتبار أن الأثار المصرية ثروة قومية، وإرث حضارى، واجب حمايتها، والحفاظ عليها، واسترداد ما استولى عليه، وأن هذة الجريمة لا تسقط بالتقادم.
وقد فرق القانون فى العقوبات طبقًا لخطورتها كالتالي: فإن جريمة تهريب الأثار إلى الخارج مع علمه بذلك، ستكون العقوبة فيها السجن المؤبد والغرامة من مليون جنيه إلى عشرة ملايين جنيه، مع مصادرة الأجهزة والأدوات والآلات والسيارات المستخدمه فى ذلك.
بينما جريمة سرقة أثر مسجل أو معد للتسجيل، أو مستخرج من الحفريات الخاصة بالوزارة أو أعمال البعثات بالهيئات أو الجامعات المصرح لها بالتنقيب بقصد التهريب، ستكون العقوبة فيها السجن المؤبد أيضا، والغرامة من مليون جنيه حتى خمسة ملايين جنيه.
أما جريمة التنقيب عن الآثار بقصد التهريب أو إخفاء الأثر أو جزء منه بقصد التهريب، ستكون العقوبة فيها السجن المشدد، والمصادرة أيضا للأجهزة والأدوات والآلات والسيارات، وجريمة هدم أو إتلاف أو تشويه الآثار أو فصل جزء منها أو التنقيب عن الآثار دون ترخيص، ستكون العقوبة فيها السجن من ثلاث سنوات إلى سبعة سنوات، والغرامة من خمسمائة ألف جنيه، حتى مليون جنيه، وفى حالة كون الشخص من العاملين بوزارة الآثار تضاعف العقوبة وتصل إلى السجن المشدد، والغرامة حتى اتنين مليون جنيه.
وتكون العقوبة في جريمة تسويق أثر أو جزء من أثر مملوك للدولة، بالسجن المشدد، وغرامة من مليون جنيه حتى اتنين مليون جنيه، بينما تكون العقوبة في جريمة إخفاء أثر أو جزء منه مملوك للدولة أو متحصلا من جريمة، بالسجن حتى سبع سنوات، والغرامة من مليون جنيه حتى اتنين مليون جنيه والمصادرة.
بينما تكون العقوبة في جريمة نقل أثر دون ترخيص، أو نزعه من مكانه عمدًا أو تحويل منطقة أثرية إلى منطقة سكنية أو مزرعة أو مصنع أو مخزن أو زيف أثر بقصد الاحتيال، السجن من ثلاث سنوات حتى سبع سنوات، مع الغرامة من مائة ألف جنية حتى مليون جنيه، وفي جريمة وضع إعلانات أو لوحات دعاية أو إجراء نقوش أو دهانات أو إتلاف بطريق الخطأ أثر، تكون العقوبة الحبس سنة مع الغرامة من من عشرة آلاف جنية حتى خمسمائة الف جنيه، وتصل عقوبة تكوين تشكيل عصابي ولو فى الخارج لتهريب الآثار المصرية، إلى السجن المؤبد.
وبالنظر إلى العقوبات التى تم تشديدها بموجب القانون رقم 91 لسنة 2018 المعدل، نجد أن الدولة المصرية وضعت عقوبات رادعة على هذة الجرائم للقضاء عليها والحد منها، بل وتتبعها خارج البلاد لحين إعادتها إلى أرض الوطن، وقد تمثل ذلك فى زيارة السيد النائب العام المصرى المستشار حمادة الصاوي، إلى دولة فرنسا، وتم استرد عدد 124 قطعة أثار مصرية مسروقة ومهربة إلى الخارج، وشدد وقتها النائب العام فى بيان النيابة العامة على مكافحة جريمة تهريب الأثار خارج البلاد، واستردادها وملاحقة مرتكبيها على كافة المستويات باستخدام الأليات القانونية وسبل التعاون الدولى.
ويحضرنا فى هذا المقام العديد من الواقع التى تدخل فيها الدجالين والمشعوذين عندما اقنعوا أصحاب العقول الهاوية بأن نجاح عملية التنقيب لن تتم إلا بإراقة الدماء على أبواب المقابر أملا فى الوصول إليها، وقد اعتادوا على تسمية تلك الاثار بالمساخيط.
ولا ندعى إذا قولنا أن هذة التجارة ومن يعمل بها وويعمل على تهريبها يعد من قبيل الخيانة العظمى، ولنا هنا وقفة للقارئ بين موقف الجندى على الحدود الذى يحمى الأرض والعرض لإعلاء قيمة الوطن ويضحى بالغالي والنفيس، وموقف الشخص الذى يهرب آثار بلده وحضارتها من أجل حفنة من المال لن تسمن أو تغنى من جوع، فطالما نفسه قد دأبت على الطمع والجشع فلن يرتوى حتى إذا شرب ماء البحر بأكمله، فهذه نفس سارت خلف هواها وسبحان من قال «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها».
وفى هذا المقام نود الإشارة إلى الأرواح العديدة التى ازهقت أثناء التنقيب عن الأثار بعد انهيار أعمال الحفر عليهم، مثلما حدث بإحدى مدن صعيد مصر، عندما انهارت المقبرة على سيدة، وزوج ابنتها، عند التنقيب عن الأثار داخل مسكن السيدة وفاضت أرواحهما إلى البارئ، وهى على هذة المعصية فى حق بلادهم.
وهنا لا بد ان نعود إلى المرجعية الدينية، وهو فضيلة مفتى الجمهورية الد شوقى علام، الذى أشار إلى أن الآثار تعتبر من الأشياء التى تخص الشعب المصرى بأكمله، ولا تخص بعض منهم دون الآخر، حتى يتحقق نماء المجتمع وتقدمه.
النداء الأخير هنا للشعب المصرى، آثار بلدك تاريخ وحضارات من آلاف السنين، لا يساويها كنوز الدنيا، فمثلما ترك لنا أجدادنا هذة الحضارات، لا بد أن نسلمها لاحفادنا، ولا نقف عند ذلك فقط، فمصر تستحق منا جميعا أن نجعلها فى مصاف الأمم المتقدمة، ويحضرنى فى هذا المقام قول الرئيس عبدالفتاح السيسى: «نحن لا نقل عن أى دولة عظمى بأذن الله تعالى، ولكن أهم ما يعنينا هو وعى الشعب الذى سيقضى على كافة محاولات النيل من الدولة المصرية».
ختامًا، مصر الحديثة قد بدأ منذ عام 2014 عندما تولى الرئيس السيسي مقاليد الحكم فى البلاد، وبعد أن خرج جموع الشعب المصرى خلفه، ينادى بالتغير، بعد أن هوت الجماعة المحظورة بمصر، وكانت ترغب فى إشعالها بالحرب الأهلية، رغم وسطية الشعب المصرى، ومحبته لكل من كان على أرضه دون النظر إلى دين أو لون أو جنس أو عرق، ويكفى ان أكثر من ٥ ملايين عربى وإفريقى، وآسيوى، يعيشون على تراب هذا البلد، ويتمتع بنفس حقوق المواطن المصرى، تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر.