أحمد عمران يكتب: كواليس رحلة «خُط الصعيد» من المنيا لمقبرة شقة البساتين
يبدو أن نهاية «القطيعي» كانت محسومة بالنسبة له، لأنه سلك طريقًا يسمى «اللي يروح ما يرجعش»، وتحول من شاب سويًا في بداية حياته بإحدى محافظات شمال الصعيد، إلي عنصر إجرامي شديد الخطورة، يشبه ما يطلق عليه «خُط الصعيد»، نظرا لتصرفاته والمستوى الإجرامي الفج الذي وصل إليه، بعد تورطه فى ارتكاب 23 جريمة ما بين (قتل وشروع فى قتل، وسلاح، ومخدرات وسرقات)، إضافة إلى أنه مطلوب ضبطه وإحضاره فى عدد 5 قضايا (قتل عمد، سلاح، مخدرات)، ومرورا بمحاصرته من قوات الشرطة بمسكنه في البساتين، وأعلان وزارة الداخلية عن مصرعه في تبادل إطلاق النار.. فما قصته؟!.
رحلة هروب خٌط الصعيد الجديد
تربى «القطيعي» الذي يبلغ من العمر 30 عاما، وترعرع وسط أسرة بسيطة بإحدى القرى بمحافظة المنيا في شمال صعيد مصر، وبعد أن أصبح شابا يافعا، تغيرت أحواله، وتبدلت من سويا مثل أقرانه، يجب أن يسلك مسلكا صحيحا في بداية العمر، إلى الانحراف والانجرار نحو طريق السوء، إذا سعى في الأرض فسادا، إلى أن ذاع صيته واشتهر في عالم الإجرام.
وأصبحت الجريمة بمثابة دم يجري في عروق «القطيعي»، بعدما تورط في العديد من الجرائم الجنائية وأصبح على رأس قائمة العناصر الإجرامية شديدة الخطورة المطلوبين أمنيًا، فالمطاردات تجوب حوله في كل مكان يخطوه، ولما شعر بتضيق الخناق عليه، وعلم بتنفيذ خطة «الكماشة» الأمنية لضبطه، فهرع إلى وسط الزراعات وأخذ يتنقل ليلا بين البلاد ألى أن اختفى عن أعين رجال الأمن وضمن خروجه من «كماشة الأمن».
وقف صاحب الثلاثين عاما ونظر خلفه وبدأ يلتقط أنفاسه، ثم جلس بإحدى الزراعات التي كان يأكل من خيراتها طول رحلة هربه، التي استمرت لعدة أيام، فجلس ليلتقط أنفاسه، واسترجع شريط ذكرياته حينما كان طفلا صغيرا يلهو مع الأطفال، ويلعب مع أقرانه، مرورا بدخوله المدرسة، وانحرافه عن التعليم، إضافة إلى سوء سلوكه مع تعلمه «التدخين» وتناوله المواد المخدرة بدء بـ«الحشيش»، ثم «الهيروين» حتى أصبح مدمنًا للمخدرات.
وبعد إدمانه للهيروين المخدر، فعل «القطيعي» مالا تحمد عقباه، من ارتكاب أفعال كل ما هو إجرامي، من أجل توفير جرعة مواد مخدرة يتجرعها، وتحولت حياته إلى جحيم بسبب الإدمان، فكان حينما يحتاج جرعة مخدر، ولا يجد معه ثمنها، كان يسرق لتوفير ثمنها، وانتشرت جرائم السرقة في بلدته، وازدادت بلاغات حوادث السرقة إلى مركز شرطة المنيا بمديرية أمن المنيا من أهالي دائرة المركز.
وتطورت أمور «القطيعي» في عالم الجريمة، فبعد أن كانت جرائمه تقتصر على السرقة فقط، التي أكدتها تحريات مباحث المركز أن «القطيعي» وراء كل جرائم السرقة التي كانت تحدث بدائرة المركز، ليحضر شخصًا إلى ديوان المركز مصابًا بجروح بالغة، وقرر بقيام شخص مجهول بالتعدي عليه، والشروع في قتله، والاستيلاء منه على أمواله تحت تهديد السلاح، توصلت التحريات في هذه الواقعة إلى أن «القطيعي» وراء ارتكابها أيضًا.
كما وردت معلومات من مصادر سرية إلى ضباط وحدة مباحث مركز شرطة المنيا، مفادها قيام «القطيعي» بمزاولة نشاط إجرامي جديد في مجال الاتجار بالمواد المخدرة، وذلك رغم مرواغاته المتكررة للإفلات من العديد من المأمورية الأمنية التي كانت تستهدفه، مرورا بجريمة القتل التي ارتكبها، وهروبه بعد ذلك متنقلا بين الزراعات، للابتعاده عن خطة «الكماشة الأمنية» التي وضعت لضبطه، واختفائه عن أعين رجال الأمن، وصولا إلى الانتهاء من استرجاع شريط ذكرياته ليصطدم بالواقع الذي يعيشه ووضع نفسه به.
أعاد «القطيعي» قواة وأخذ يفكر إلى أي وجه سيتجه، إلى أي مكان سيذهب، فكان شغله الشغل الإجابة على السؤالين: «أين أختبئ؟! وكيف؟!».. إلى أن راح يفكر في أن تكون المحروسة مخبئه، بدعوى أن سكان القاهرة (كل واحد في حاله)، وأيضا لا أحد يعرف الآخر إلا قليلا منهم، إضافة إلى «زدحمة القاهرة، وضمانه أنه لا أحد يسأله على أصله أو فصله»، فعد العدة من أجل ذلك، ونوى على الرحيل.
أحضر «القطيعي» كل أمواله الذي جمعها من العمليات الإجرامية داخل «جوال كبير»، والتقى بسائق سيارة ملاكي وطلب منه توصيله إلى القاهرة بأي ثمن بشرط وصوله في «أمان»، وأن يسير به بعيد عن أماكن الارتكازات الأمنية، فوافق السائق دون سؤاله لماذا كل ذلك؟!، فكان صاحب السيارة يعتبر أن هذا المشوار «لقطه» وثمنه سيعينه على إكمال المبلغ المطلوب لإجراء عملية ابنته.
استقل «القطيعي» السيارة مع السائق، وطلب منه توصيله إلى شارع فايدة كامل بمنطقة البساتين في جنوبي القاهرة، وتحركت به السيارة، ووصل إلى مقصده، فطلب من السائق أن ينتظر معه ويزيد من أجرة السيارة لحين جمع شقة سكنية يسكنها، وافق السائق ومرافقه حتى التقى بأحد السماسرة وأخبره بأنه يريد شراء شقة سكنية تمليك بغرض السكنه وبأي ثمن، وأخبؤه بأن «لفلوس حاضرة والدفع كاش».
اصطحب السمسار «القطيعي» والسائق إلى شقة سكنية كائنة بالطابق الخامس، أمام عمارة رقم 9 بشارع محمود الجزار، متفرع من شارع فايدة كامل بمنطقة البساتين، أعجبته وطلب إحضار صاحبها لكتابة عقد الشراء والبيع بمعرفة أحد المحامين، فحضر صاحب الشق ووقع على العقد، واستلم ثمن الشقة مبلغ مالي قدره 270 ألف جنيه، واعطى حساب سائق السيارة الذي أحضره من المنيا، ليعود السائق إلى بلدته لإجراء عملية ابنته.
حمل «القطيعي» جواله المعبئ بالأموال، وصعد به إلى الشقة، التي تحولت فيما بعد لمقبرة له، بعدما عاش بها لمدة شهرين كاملين، لم يراه أحدا من سكان الشارع، ولا أحد يعرف عنه شيئ، فكان يخرج في أوقات معينة متأخرة من الليل لشراء الهيروين المخدر، الذي كان يتعاطاه ويشتري كميات كبيرة حتى لا يتردد بكثيرة على تجار الكيف لشرائه، ظن أنه يعيش في أمان وأنه بعيدا عن أعين رجال الأمن.
لكن في المقابل، كان العميد أحمد شوقي زيدان، منذ انتقاله في حركة أغسطس الماضي من قطاع فرع بحث الجنوب بسوهاج، إلى رئاسة مباحث مديرية أمن المنياوي، قد أولى أليه اللواء أسامة عبد العظيم، مساعد وزير الداخلية لمديرية أمن المنيا؛ ملف «القطيعي»، وحمله مسؤولية وضع خطة أمنية لتحديد مكان اختباء هذا العنصر الإجرامي الخطير، وسرعة القبض عليه.
ونظرا لكفاءة «زيدان» رجل الأمن القوي الذي اشتهر بنجاحاته الأمنية السابقة في مكافحة الجريمة بقطاع الجنوب بمديرية أمن سوهاج، واتباعه لتنفيذ خطة وزارة الداخلية «بحذافيرها» الهادفة إلى مكافحة الجريمة بشتى صورها، استلم ملف «القطيعي» وأخذ الملف وجلس به في مكتبه يقرأ ولسان حاله يردد البيانات المدونة به، وعقله يفكر في وضع خطة أمنية محكمة لتحديد مكانه وضبطه.
وعلم رئيس مباحث مديرية أمن المنيا من خلال دراسته لملف قضية «القطيعي» وبعدما قرأه ورقة تلو الأخرى، أنه عنصرا إجراميا شديد الخطورة، اسمه الحقيقي «م. ع. ع»، مواليد 1992 أي يبلغ من العمر 30 عامًا، وشهرته «القطيعي» مقيم بدائرة مركز المنيا.
وتبين أن «القطيعي» ذاع صيته فى عالم الإجرام وأصبح من أكثر العناصر الإجرامية شديدة الخطورة بمحافظة المنيا، سبق اتهامه فى 35 قضية وصادر بشأنه قرارات من النيابة العامة بالضبط والإحضار فى عدة قضايا متنوعة قتل ما بين شروع فى قتل والاتجار فى المواد المخدرة.
كما علم العميد أحمد شوقي زيدان من خلال الملف الأمني «للقطيعي» أنه عندما كانت قوات مباحث مركز شرطة المنيا، ورجال تنفيذ الأحكام تطارده وتلاحقه بين الحين والآخر؛ يلجأ للاختباء وسط الزراعات المتاخمة للمساكن والمزارع الصحراوية مترامية الأطراف، ليختفي بعد ذلك من البلدة، ثم تختفي أخباره وجرائمه، إلى أن توصلت تحريات المباحث إلى أن هذا العنصر الإجرامي شديد الخطورة ترك البلدة وهرب إلى خارج المحافظة.
من هنا، كرس «زيدان» كل وقته وجهده إلى إغلاق ملف «القطيعي»، وقرر أنه لن يترك هذا المجرم يسعى في الأرض فسادا ويخرب فيها، ويسفك الدماء، ويبعث الرعب في نفوس الأمنين من الناس.
وبدأ رئيس مباحث مديرية أمن المنيا في التحرك وعمليات البحث، والتحريات، وأسمى عمله في هذه القضية لمدة شهرين، حتى وصلته معلومة من مصدر سري مفادها مغادرة «القطيعي» محافظة المنيا، فكانت هذه المعلومة مهمة لتأكيدها تحرياته التي توصلت إلى فرار المتهم خارج المنيا، لكن كانت المعلومة الجديدة والأهم في نفس الوقت هي: (مكان اختباء)، فأخبره المصدر بأن المتهم اشترى شقة سكنية ويقطن بها في شارع محمود الجزار بمنطقة فايدة كامل بدائرة قسم شرطة البساتين بمديرية أمن القاهرة.
عمل العميد أحمد شوقي زيدان على المعلومة التحريات اللازمة، بالتنسيق مع ضباط وحدة مباحث قسم شرطة البساتين بمديرية أمن القاهرة، بقيادة المقدم محمد السيسي، وتمكنوا من تحديد مكان اختباء «القطيعي»، وتم تجهيز مأمورية لتنفيذ مهمة القبض على العنصر الإجرامي شديد الخطورة، زذلك بعد تقنين الإجراءات واستئذان النيابة العامة.
بعد تقنين الإجراءات تم توجيه مأمورية من مديرية أمن المنيا بقيادة العميد أحمد شوقي زيدان رئيس مباحث مديرية المنيا، بالتنسيق مع وحدة مباحث قسم شرطة البساتين بمديرية أمن القاهرة بقيادة المقدم محمد السيسي، وقطاع الأمن العام مدعمة بقوات خاصة وعناصر التدخل السريع، لاستهداف «القطيعي» وتنفيذ خطة الكماشة الأمنية التي وضعها «زيدان» لضبطه بمكان اختيائه بشارع محمود الجزار المتفرع من فايدة كامل بمنطقة البساتين، لكن لدى استشعار المتهم بتواجد القوات بالعقارة السكني الذي كان يقطنه بادر بإطلاق النيران تجاهها فبادلته القوات بالمثل وأسفر عن تبادل إطلاق النار مصرعه.
وعثر رجال الأمن بحوزة المتهم على (بندقية خرطوش، عدد من الطلقات لذات العيار، كمية من مخدر الهيروين)، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية، وتبين من خلال الكشف الجنائي على المتهم أنه سبق إداتهامه فى ارتكاب 23 قضية ما بين قتل وشروع فى قتل، وسلاح ومخدرات وسرقات ومطلوب ضبطه وإحضاره فى عدد 5 قضايا (قتل عمد، وسلاح ومخدرات)، وتم نقل الجثة إلى مشرحة المستشفى تحت تصرف نيابة حلوان الكلية، والتي تولت التحقيقات في القضية، وما زالت تحت قيد التحقيق.ِ