الشروط السرية لصندوق النقد الدولي للموافقة على القرض الجديد
في أواخر شهر أغسطس الماضي، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أن المفاوضات بين مصر وصندوق النقد الدولي بشأن قرض جديد تصل مراحلها النهائية، فيما لم يقدم مدبولي المزيد من التفاصيل حول المفاوضات، لكن الدكتور محمد معيط وزير المالية، قال إن الحكومة لم تحدد حتى الآن قيمة القرض المتوقع الاتفاق عليه من صندوق النقد الدولي.
ومنذ شهرين، أعلن الصندوق أنه أجرى مناقشات مثمرة مع السلطات المصرية حول السياسات والإصلاحات الاقتصادية التي ستدعمها تسهيلات الصندوق في الفترة المقبلة، كما أن وفدًا من صندوق النقد الدولي، حصل على نسخة من وثيقة ملكية الدولة، التي تشجع مشاركة القطاع الخاص على الاستثمار، لكنهم لم يتحدثوا بشأنها حتى الآن.
وتأتي كل تلك التصريحات في الوقت الذي تواجه فيه العملة المحلية "الجنيه" ضغوطا متزايدة، وبعد أقل من شهرين على استقالة محافظ البنك المركزي طارق عامر، وهي خطوة يتوقع البعض أن تمهد الطريق أمام تخفيض جديد لقيمة الجنيه.
ويُعتقد أن السماح بسياسة سعر صرف مرنة هو أحد الشروط الرئيسية لصندوق النقد الدولي للموافقة على منح قرض جديد لمصر، والذي تحتاجه البلاد بشدة للحد من ضغوط التمويل الخارجي والتي جاءت في معظمها جراء تداعيات الحرب في أوكرانيا.
وكانت مصر دخلت في محادثات مع صندوق النقد الدولي في مارس كجزء من جهودها لتأمين الدعم المالي في أعقاب الصدمة الاقتصادية التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك تغيير بيئة أسعار الفائدة العالمية مع اتجاه العديد من الدول المتقدمة، بما في ذلك الولايات المتحدة، لرفع أسعار الفائدة.
هذا إلى جانب الاتجاه لتجنب المخاطرة في الأسواق المالية العالمية. ولم يقدم أي من الجانبين علنا أية تفاصيل حول تلك المباحثات أو حجم التمويل الذي تتفاوض مصر من أجله.
وبحسب ما نُشر في بعض التقارير، فإن الشروط التي يُريد صندوق النقد أن يربطها بالبرنامج الجديد، تتمثل في اتخاذ خطوات "حاسمة" بشأن الإصلاحات المالية والهيكلية.
وطالب صندوق النقد الدولي البنك المركزي المصري بوقف برامج القروض المدعومة وتوحيد أسعار الفائدة، وأطلق البنك المركزي العديد من مبادرات التمويل المدعوم منخفض الفائدة على مدى الأعوام القليلة الماضية، والتي تسمح للبنوك التجارية بتوفير التمويل منخفض التكلفة لقطاعات السياحة، والشركات الصغيرة والمتوسطة، والقطاع الصناعي والزراعي، والتمويل العقاري. ويقوم البنك المركزي بتمويل تلك القروض، فيما يتم توزيعها من خلال البنوك المملوكة للدولة وتضمنها وزارة المالية.
الحكومة ترفض بعض مقترحات الصندوق
ورفضت الحكومة المقترح المقدم من صندوق النقد الدولي بتوحيد أسعار الفائدة ووقف المبادرات المدعومة منخفضة الفائدة، في حين أن تلك القروض تهدف لتعزيز النمو الاقتصادي ولن تؤثر على الأوضاع المالية للبلاد.
لكن يبدو أن الحكومة غير عازمة على تنفيذ كل اشتراطات الصندوق، إذ وفقًا لما ذكره علي المصيلحي وزير التموين، فإن الوقت غير مناسب للمساس بملف دعم الخبز.. وصندوق النقد الدولي يتفهم مثل هذه الأمور".
وأضاف الوزير، أن صندوق النقد لديه بعد آخر في كيفية الحفاظ على الأمن والسلم المجتمعي حتى لا يحدث عدم استقرار بسبب إجراءات معينة.
وعلقت الحكومة خططها لإصلاح منظومة الخبز التي يحصل من خلالها أكثر من 60 مليون شخص على الخبز المدعم، وسط ارتفاع أسعار الغذاء. ومن المقرر أن تصل مخصصات دعم الخبز في العام المالي الحالي إلى 55 مليار جنيه.
تعويم الجنيه غير متوقع
إلى ذلك، علق الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادي، بأن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تعمل في إطارها الصحيح، لكن معظم التوقعات تصب في أن القرض سيكون مع بدايات العام المقبل، وليس قبل ذلك.
وأضاف، أن رئيس الوزراء غير متخصص في الاقتصاد، وقد يكون أخطأ في تقدير التوقيت، لأن المفاوضات الحكومية مع الصندوق ما تزال في إطار الاشتراطات التي طلبها الصندوق الخاصة بسعر صرف مرن، وتقليل فاتورة الدعم وغيرها من تلك الإجراءات، وحتى الآن المفاوضات تُجرى مع مسئولي وزارة المالية، والبنك المركزي المصري.
وتابع "عبده"، أن أحد أسباب إقالة محافظ البنك المركزي السابق طارق عامر، هو عدم قدرته على التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وتعامله غير اللائق أحيانًا مع مسئولي صندوق النقد، لذا كان لا بد من تغييره.
وأشار إلى أن المطلب الأبرز للصندوق هو تحرير سعر صرف الجنيه والمطالبة بأن تكون سياسة صرف الجنيه مرنة، وغير مقيدة من جانب البنك المركزي المصري، لكنه يبدو من غير المتوقع أن يعمل البنك المركزي بنظام الصدمة مثلما حدث في التعويم الأول، حيث من المرجح أن يظل انخفاض الجنيه بقيمة قرشين أو ثلاثة وحتى نهاية العام، ومن المحتمل أن يصل سعره في نهاية العام إلى حوالي 21 جنيهًا.
الأمور غير واضحة
من جهته، قال الدكتور عمرو يوسف، الخبير الاقتصادي، إن زيادة أمدّ مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي قد تُثير الكثير من الأسئلة خاصة وأنه يبدو أن تلك المفاوضات لا تزال غير نهائية.
وأضاف، أنه يبدو أيضًا أن تأخير المفاوضات ليس له نتيجة مؤثرة على ما تصنعه مصر من برامج وقرارات استنادا إلى ما تتحصل عليه مصر الآن نتيجة تصدير الغاز الطبيعي والذي تجاوز حاجز الـ 6 مليارات دولار سنويًا، ويستهدف ضعف هذا المبلغ في المستقبل، مع زيادة متوقعة في إيرادات قناة السويس لتستهدف أكثر من 8 مليارات دولار فضلا عن استهداف التجارة والتصنيع المحلي ومشروع الوصول إلى حلم المائة مليار دولار، إضافة إلى ما يشغل بال الإدارة المصرية من أهمية تحقيق المخزون الاستراتيجي لبعض السلع الأساسية والضرورية.
وأشار "يوسف"، إلى أن أزمة سياسة الصرف المرن الذي يشترطه الصندوق لتنفيذ القرض تبدو صعبة في الوقت الحالي، وتبدو الأمور غير واضحة، كما أنه لا بد من التأكيد على أمر الشروط والتفاوض ما زال في جعبة المتفاوضين داخل أروقة الغرف المغلقة والتي لم يعلن عنها الصندوق بشكل رسمي حتى اللحظة.