أسباب الارتفاع القياسي للدولار الأمريكي
متأثرًا بالتوقعات المتزايدة برفع حاد لأسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي، اخترق مؤشر الدولار الأمريكي مستوى 114 نقطة في 26 سبتمبر مسجلًا مستوى مرتفعًا جديدًا في العشرين عامًا الماضية.
وعلى خلفية الارتفاع الحاد في قيمة الدولار الأمريكي، تعرضت العملات الرئيسية الأخرى للسقوط حيث هبطت عملة اليورو إلى أدني مستوي لها في 20 عام وتراجع الجنيه الإسترليني لأدني مستوياته على الإطلاق في سوق تجارة العملات كما يتعرض دخل الأصول الخطرة في الولايات المتحدة للضغط وتراجع الدخل التشغيلي الخارجي للشركات، بالإضافة إلى ذلك، أدى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي أيضًا إلى تفاقم مخاطر الديون وتدفقات رأس المال الخارجة من الأسواق الناشئة.
أسباب الارتفاع القياسي للدولار الأمريكي
والسبب المباشر للارتفاع القياسي لمؤشر الدولار الأمريكي هو أن البنك الاحتياطي الفيدرالي بدأ دورة من الزيادات الحادة في أسعار الفائدة للحد من التضخم المرتفع، بالإضافة إلى ذلك، فإن الانتعاش الاقتصادي الأفضل في الولايات المتحدة وزيادة النفور من المخاطرة في السوق وضعف العملات غير الأمريكية هي أيضًا العوامل الدافعة للارتفاع الجديد للدولار الأمريكي.
أولًا: البنك الاحتياطي الفيدرالي يدخل في دورة من الزيادات الحادة في أسعار الفائدة
منذ عام 2022 رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة خمس مرات متتالية بما في ذلك ثلاثة بمقدار 75 نقطة أساس من أجل السيطرة على التضخم الذي بلغ مستوى قياسي هو الأعلي في 40 عامًا.
وصرح باول علنًا أن البنك الاحتياطي سيكافح بحزم ضد التضخم المرتفع، وأصدر إشارة متفائلة بأنه قد يستمر في رفع أسعار الفائدة حتي مارس 2023، في سياق ارتفاع أسعار الفائدة المستمر من قبل البنك الاحتياطي أصبحت فروق أسعار الفائدة قصيرة الأجل هي المحرك الرئيسي لتدفقات رأس المال، والتي بدورها تدفع مؤشر الدولار الأمريكي للارتفاع.
ثانيًا: أساسيات الاقتصاد الأمريكي أفضل من تلك الموجودة في منطقة اليورو
بفضل السياسات المالية والنقدية القوية، فإن احتواء التضخم والانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة كان أفضل من مثيلاتها في دول منطقة اليورو، مما نتج عنه اتجاه هبوطي واضح على عملة اليورو وعزز ارتفاع قيمة الدولار.
فيما يتعلق بالتضخم، تباطأ مستوي التضخم على أساس سنوي في الولايات المتحدة خلال شهر أغسطس ليقف عند 8.3% لثاني شهر على التوالي بينما سجل في يوليو قراءة عند 8.5% ليواصل تراجعه بعد أن وصل لأعلى مستوياته في 40 عام في شهر يونيو عند 9.1%، في المقابل، سجل التضخم في منطقة اليورو رقم مزودج في شهر سبتمبر عند 10% على أساس سنوي مستمرًا في ارتفاعه، الأمر الذي أثار المخاوف من تزايد خطر الركود في منطقة اليورو خاصة في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا حيث انخفضت مستويات التصنيع بشكل كبير.
ثالثًا: النفور من المخاطرة في السوق ساهم في ارتفاع الدولار
في بداية هذا العام تسبب الصراع بين روسيا وأوكرانيا في مخاطر جيوسياسية وارتفع الدولار في البداية، ولكن مع استمرار ارتفاع التضخم بدأت العديد من الدول دورة من رفع أسعار الفائدة ولكن دون تأثير يذكر.
لا يزال السوق قلقًا بشأن المخاطر السلبية للاقتصاد العالمي الناتجة عن رفع أسعار الفائدة مما زاد من النفور من المخاطرة في الأسواق، ونظرًا لطبيعة الملاذ الآمن للدولار الأمريكي والسيولة الكبيرة والعالية في سوق سندات الخزانة الأمريكية، تستخدم الدول السندات الأمريكية كأفضل خيار للاحتياطيات الرسمية، لذلك عندما تشتد تقلبات السوق وتشتد مخاطر التراجع الاقتصادي يختار المستثمرون من مختلف دول العالم الدولار للاستثمار لضمان سلامة واستقرار الأموال.
رابعًا: كانت العملات غير الأمريكية ضعيفة
أعطى ضعف العملات غير الأمريكية مثل اليورو والجنيه زخمًا صعوديًا لمؤشر الدولار، تظهر بيانات المسح ذات الصلة أن بنك جي بي مورجان يتوقع أنه بحلول ديسمبر سينخفض اليورو إلى 0.95 دولار أمريكي، ويتوقع أن ينخفض الجنيه بأكثر من 5% خلال نفس الفترة، في مؤشر الدولار الأمريكي يستحوذ اليورو مقابل الدولار الأمريكي على 57.6% لذا أدى ضعف اليورو أيضًا إلى ارتفاع مؤشر الدولار إلى حد كبير.
تأثيرات قوة الدولار على الولايات المتحدة
أولًا: يجذب الدولار القوي الأموال المحلية للإيداع في المنتجات المالية عالية الأمان مثل الودائع المصرفية والسندات الأمريكية، مما يضغط على الأصول المحفوفة بالمخاطر وعائدات الأسهم.
ثانيًا: يساعد الدولار الأقوى على هدف البنك الاحتياطي الفيدرالي المتمثل في خفض التضخم، حيث يساعد على ضمان إبقاء التضخم المحلي في الولايات المتحدة تحت السيطرة عن طريق خفض أسعار السلع المستوردة، عندما ترتفع قيمة الدولار الأمريكي تنخفض أيضًا سعر المنتجات المستوردة للمقيمين.
أخيرًا: سيؤثر ارتفاع قيمة الدولار على الدخل التشغيلي الخارجي لبعض الشركات الأمريكية، مما يؤثر بدوره على سعر سهم الشركة، من ناحية يجعل الدولار القوي البضائع التي تصدرها الولايات المتحدة أكثر تكلفة ويفقدها الميزة السعرية، ولكن من ناحية أخرى سيقلل أيضًا من مبيعات الشركات الأمريكية، يقدر بنك كريدي سويس أن كل 8% إلى 10% ارتفاع للدولار سيؤدي إلى انخفاض بنسبة 1% في أرباح الشركات الأمريكية، في تقارير أرباح الأسهم الأمريكية الأخيرة انتشر تأثير أسعار الصرف إلى العديد من الصناعات، على سبيل المثال: تتوقع شركة جونسون آند جونسون أن ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي قد يؤثر على مبيعاتها هذا العام بمقدار 4 مليارات دولار، كما حذرت شركة آبل من أن تقلبات أسعار الصرف ستقلل من الإيرادات هذا الربع بنسبة 6%.
الآثار المترتبة على الأسواق الناشئة
أثار ارتفاع قيمة الدولار مخاوف من أزمات العملة في دول الأسواق الناشئة، خارجيًا أدى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي إلى الضغط على التجارة الخارجية والديون الخارجية لدول الأسواق الناشئة، مما أثر على دخل وتكاليف الدول وزاد من مخاطر التخلف عن سداد الديون، داخليًا يؤدي ارتفاع قيمة الدولار إلى مواجهة الاقتصادات الناشئة للتضخم المستورد والارتفاع السلبي في أسعار الفائدة وتدهور الأساسيات الاقتصادية وزيادة تقلبات الأسواق المالية.
أولا: الديون السيادية تحت الضغط
دفعت الزيادات الصارمة في أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الدولار إلى الارتفاع وضغطت أيضًا على اقتصادات الأسواق الناشئة التي يتعين عليها سداد الديون المقومة بالدولار، علي سبيل المثال: سريلانكا بصفتها الدولة الأولى التي تعلن إفلاسها بسبب "الإعسار" في عاصفة رفع أسعار الفائدة لديها دين حالي بالدولار يبلغ 51 مليار دولار وتضخم يصل إلى 39% واحتياطيات من النقد الأجنبي تبلغ 1.6 مليار دولار فقط.
بالإضافة إلى ذلك، على خلفية الصراع الروسي الأوكراني وارتفاع الدولار، تستمر احتمالية التخلف عن سداد ديون أوكرانيا السيادية في الازدياد، تسبب الصراع الروسي الأوكراني في فرار المستثمرين واقتراض أوكرانيا الديون الخارجية لتغطية عجز ميزانيتها، كما أدى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي إلى زيادة عبء سداد الديون الخارجية للبلاد مما زاد من الضغط على ديونها السيادية.
ثانيًا: تفاقم تدفقات رأس المال الخارجة
ستضطر البنوك المركزية لدول الأسواق الناشئة إلى رفع أسعار الفائدة لتسير على نهج الاحتياطي الفيدرالي لضمان القدرة التنافسية والحفاظ على استقرار العملة، ولكن سيؤدي رفع سعر الفائدة في تلك الدول إلى زيادة تكلفة الدين المحلي مما ينتج عنه هروب رأس المال وتقييد النمو الاقتصادي.
ثالثًا: زيادة العجز التجاري
يمكن أن يؤدي الدولار القوي إلى زيادة الضغوط التجارية في الاقتصادات الناشئة، فالعملة الحالية للدفع وتسوية التجارة الدولية هي الدولار الأمريكي، ويعتمد تطور العديد من الاقتصادات الناشئة إلى حد كبير على التجارة العالمية، وقد أدى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي والارتفاع الحاد في أسعار الموارد المقومة بالدولار الأمريكي إلى زيادة نفقات الصرف الأجنبي للدول التي تعتمد على استيراد الموارد مما أدى إلى زيادة العجز التجاري.