علي الهواري يكتب: هل الحجاب سبب غلاء الأسعار؟
قال الإعلامي إبراهيم عيسى، خلال تقديمه برنامج «حديث القاهرة» المذاع عبر فضائية «القاهرة والناس»، أن «البعض يروج في الوقت الحالي إلى أن سبب غلاء الأسعار هو رفع الحجاب وتبرج بعض السيدات مثلما يُقال، ولكن الحقيقة أن مصر لم تعرف الغلاء إلا بعد فرض الحجاب منذ نهايات السبعينيات وحتى الآن، حيث إن الغلاء زاد على العباد منذ أن دخل الحجاب في صورة أنه فرض إسلامي وليس فرض اجتماعي، اللي بيقول الحجاب لرفع الغلاء دي ناس مغفلة، لو ربطنا الغلاء في مصر بالحجاب، فالغلاء لم يظهر في مصر إلا بالحجاب».
وأضاف إبراهيم عيسى أن «المصريين في حالة إحباط اقتصادي ومع تلك الحالة يسهل تجنيد المواطن من خلال الترويج لفكرة أن الأزمة هي نقمة وغضب من الله على الشعب.
وتابع: «تيارات الإسلام السياسي تروج حاليًا بأن الأزمة الاقتصادية نتيجة البعد عن الدين»، مشيرًا إلى أن «التعامل مع الأزمة الاقتصادية على أنها نقمة من الله يصب في صالح تيارات الإسلام السياسي».
فما حقيقة ما ذكره إبراهيم عيسى، وهل هناك علاقة بين الذنوب والمعاصي وبين غلاء الأسعار والرزق؟، وهل خلع الحجاب من الذنوب والمعاصي التي يعاقب الله تعالى بها العباد؟، وهل الأزمة الاقتصادية نقمة من الله نتيجة البعد عن الدين؟، وهل الحجاب هو سبب غلاء الأسعار كما يزعم الأستاذ إبراهيم عيسى؟.
هناك إجماع من العلماء والفقهاء عبر الأزمنة والعصور على أن هناك علاقة بين ارتكاب الذنوب والمعاصي وبين جلب الرزق.
نشر مجمع البحوث الإسلامية عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي « فيسبوك» مقولة للإمام الغزالي – رحمه الله- يتحدث فيها عن البعد عن الله – عز وجل-.
وأوضح «المجمع» أن الإمام الغزالي يصف أمر البعد عن الله – سبحانه وتعالى- بأنه لن يثمر إلا علقما، مبينًا أن مواهب الذكاء والقوة والمعرفة تتحول كلها إلى نقم ومصائب.
وتابع أن السبب وراء ذلك كما ذكره الغزالي – رحمه الله – هو عدم نيل توفيق الله وحرمان بركته.
ويجمع العلماء على أن الذنوب والمعاصي تحرم العبد من الرزق لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن العبد ليحرم من رزق هيأ إليه بسبب المعصية"، فالرزق ليس مالا فقط بل يكون استجابة دعاء أو توفيق في اتخاذ قرار أو في الصحة أو زوجة صالحة، فالمعاصي تحرم العبد من نور العلم كأن يقرأ العبد القرآن الكريم ولا يتأثر به هذا سببه المعاصي وآخر يقرأه ويتأثر به ويعمل به، وقد تجد عالما لديه علم غزير ولكنه لا يستفاد منه وتجد أخلاقه وسلوكه غير مستقيمة.
والله - تعالى- يجري الأرزاق ويسوقها لعباده دون كد منهم ولا تعب تحقيقًا لكفالته بالرزق لكل الخلق، ثم إن الناس يتفاوتون بأعمالهم واجتهاداتهم في أساليبِ تحقيق الكسب فيتفاضلون بينهم بالتخطيط والتنفيذ ثم التحصيل؛ فمنهم من يغنم المال الوفير والخير الكثير، ومنهم من يُراوح قدرًا معينًا من المال يتكسبه نتيجة جهد زمني لصالح عمل فردي أو مؤسسي، فيُسمي الناس ذلك ضيقًا في الرزق وابتلاء من الله أو قدرًا محتومًا، والواقع أن أرزاق الله - عز وجل- مُوزعةٌ بين عباده بِحكمة وعدالة باللغتين مع تجنب أسباب ضيق الرزق.
ويشير العلماء إلى أن الرزق غير محصور بالمالِ؛ بل يتعداهُ إلى الصحة، والعافية، والذرية، والاستقرار الأسري وغير ذلك الكثير مِن نعم الله - سبحانه وتعالى- التي لا يُحصيها عقلُ آدمي.
وفي تفسيرِ قوله - تعالى-: (لهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، يقولُ الإمام الطبري - رحمه الله-: "يُوسِّعُ رِزقَه وفَضلَه على من يَشاءُ من خَلقِه، ويَبسُطُ لَه، ويُكثِّر ماله ويُغنيه. ويَقدِر: أي ويَقتُر على من يَشاءُ مِنهم فيضيِّقُه ويُفقِره". فإن الله - تعالى- يحكم بِعلمه الواسع وحكمته بأن يوسع على من يشاءُ لعلمه بِمن يصلحه البسط في الرزقِ أو يفسده، ويقتر على من يشاء لعلمه بمن يصلِحهُ التَّقتيرُ عليهِ أو يُفسِدُه، وقد تكون السعةُ في الرزق جزاء على الإحسان للمسلِ ولغيرِ كما لا تكونُ ابتلاء وكذلك أمر التقتير، وقَد وَرَد في آيات الله وسنة الرسولِ -عليهِ الصلاةُ والسَلامُ- أسبابٌ ودلالاتٌ لِضيقِ الرزق، منها:
1. المعاصي والذنوب: فقَد يُحرمُ العبدُ رِزقًا مَكتوبًا لهُ بذنبٍ يأتيهِ أو معصِية يستَهينُ بِها، فعن ثوبانَ مولى رسولِ الله عن الرسولِ - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنَّ الرَّجلَ ليُحرمُ الرِّزقَ بالذَّنبِ يُصيبُه)؛ فإن العَبدُ يُحرَمُ الرِّزقَ جزاءً بِما ارتَكبَ من المعاصي والذُّنوبِ أو يُحرَمُ برَكتَه، فلا يأتيهِ رِزقَهُ إلا مُنغصًا مَنزوعَ البَرَكةِ.
2. حكمة الله في المفاضلة بين الناس في الرزق: قال - تعالى- (وَاَللَّه فَضَّلَ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض فِي الرِّزْق فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقهمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللَّه يَجْحَدُونَ)، وفي الآيةِ تِبيانُ اختِلافِ النَّاسِ في الأرزاقِ وتفاضُلِهم فيها فَمِنهم غنيُّ ومنهم فَقيرٌ، ثمَّ إنَّ الأغنياءَ لَم يؤدوا زكاةَ أموالِهم وصَدقاتِها فينتَفِعَ بِها الفُقَراءُ ليتساووا في الرِّزقِ، وفي ذلِكَ حِكمةٌ ربَّانيَّةٌ لِيُسالَ كُلُّ عَبدٍ عن رِزقِهِ وعن حُقوقِ النَّاسِ فيه.
3. الزنا: فعَن عبد الله عمر- رضِيَ اللهُ عنهُ -عن رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-أنَّه قال: (الزِّنا يورِثُ الفقرَ)، وقَد قُرِن الزِّنا بالفَقر في أكثَرِ من مَوضِعٍ في الأثَرِ لِما لهُ مِن فسادٍ للمُجتَمعاتِ وهَدمٍ لِبنيانها.
4. الربا والكَسبُ المُحرَم: عن عَمرو بن العاصِ رضِيَ الله عنهُ عن رَسولِ الله عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام أنَّهُ قال: (ما مِن قومٍ يَظهرُ فيهِمُ الرِّبا إلَّا أُخِذوا بالسَّنةِ وما مِن قومٍ يَظهرُ فيهم الرِّشا إلَّا أُخِذوا بالرُّعبِ). وقَد وَعَدَ الله المُتَعامِلينَ بالرِّبا بالفَقرِ والخَسارَةِ، فقالَ في كِتابِهِ العظيم: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ )؛ فيَمحَقُ اللهُ الرِّبا بأن يذهبَ بِهِ كلّه أو يذهب بِبَرَكَتِه وفي كِلاهُما فسادٌ في المالِ وذهابٌ للرِّزقِ.
5. نقص المكيال والميزان: ويَشهَدُ تاريخُ الأمَمِ الغابِرةِ على صِدقِ وبيِّنةِ هذا السَّببِ، وقَد أخبَرَ بِهذا رَسولُنا عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مُحذِّرًا أمَّتَهُ الفَقرَ والخَرابَ. روى عبد الله بن عُمر - رضى الله عنهما-: (أقبلَ علينا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ يا معشرَ المُهاجِرينَ خمسٌ إذا ابتُليتُمْ بِهِنَّ وأعوذُ باللَّهِ أن تدرِكوهنَّ لم نَقصُ المِكيالِ والمِيزان: ويَشهَدُ تاريخُ الأمَمِ الغابِرةِ على صِدقِ وبيِّنةِ هذا السَّببِ، وقَد أخبَرَ بِهذا رَسولُنا عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مُحذِّرًا أمَّتَهُ الفَقرَ والخَرابَ.
6. قطع الرحم: فصِلَةُ الرَّحمِ من الطَّاعاتِ الجالِبةِ للرِّزقِ والبركةِ وقطيعةُ الرَّحمِ مَفسَدةٌ وظُلمٌ ومعصيةٌ تستَدعي تعطيلَ الرِّزقِ ومَنعِه، عن أنس بن مالك رَضِيَ الله عنهُ أنَّ رَسولَ الله عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قال: (مَن أحَبَّ أنْ يُبسَطَ له في رزقِه ويُنسَأَ له في أجَلِه فلْيتَّقِ اللهَ ولْيصِلْ رحِمَه).
وهناك أسباب تمنع الرزق وتضيقه عليك، فقد ذكر أهل العلم عشرة أسبابٍ تحجب الرزقَ عن العبد، أو تمحق البركة منه، وفيما يأتي بيان البعض منها:
• تواكل العبد وعدم أخذه بأسباب الرزق والعمل لتحصيله.
• إتيان المعاصي والمحرّمات؛ وهي من أعظم أسباب حجب الرزق عن العباد.
• كفر النعم وازدراء ما رزق الله -تعالى- من عطايا.
• البخل وعدم حبّ الإنفاق والعطاء في سبيل الله تعالى.
• التهاون في بعض الأعمال التي تُوصف بأنّها شركٌ؛ كالحلف بغير الله، أوالذبح لغير الله، أو الاعتقاد بوجود نفعٍ أو ضرٍّ من الأموات، وما شابه ذلك.
• التقاعس عن إخراج مال الزكاة، فإنّ ذلك حجابٌ للغيث على الناس.
• تناسي فضل الله تعالى، ونسب الأفضال والعطايا إلى غيره من البشر.
• ترك بعض الواجبات والفرائض والانشغال عنها بطلب الرزق وتحصيله، فمن ينال من رزقٍ بترك الفرائض نزعت من البركة والخير.
• تساهل العبد في أكل المال الحرام؛ فإنّ المال الحرام غالبًا ما تُمحق منه البركة، ولا تحلّ إلّا بالطيّب الحلال من الرزق. عدم الاحتكام بأحكام القرآن الكريم، والاحتكام إلى سواه من شرائع وقوانين أهل الأرض
وحسب العلماء فإن المعاصي جميعا ـ سواء كانت في حق الله أو في حقوق العباد ـ من أسباب ضيق الرزق ونكد العيش، جاء في المسند وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
حتى وإن أنعم الله سبحانه على العاصي ببعض النعم ـ استدراجا له ـ فإنها لا تأتيه إلا منغصة منزوعة البركة بسبب ذنوبه ومخالفته.
يقول ابن القيم في كتابه الجواب الكافي: ومن عقوباتها ـ المعاصي ـ أنها تمحق بركة العمر وبركة الرزق وبركة العلم وبركة العمل وبركة الطاعة، وبالجملة أنها تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما محيت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء {الأعراف:96}. وقال تعالى: وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا {الجن:16}. وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وفي الحديث: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته، وإن الله جعل الروح والفرح في الرضاء واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط. انتهى.
ونشير إلى أن بر الوالدين وصلة الرحم ـ بصفة عامة ـ من أسباب الرزق، كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه.
وهناك الكثير من الأحاديث النبوية الصحيحة التي تربط بين الرزق وارتكاب الذنوب والمعاصي، منها على سبيل المثال وليس الحصر: عن ثوبانَ رضي الله عنه مولَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَزيد في العُمْر إلا البِر، ولا يردُّ القدَرَ إلاَّ الدُّعاء، وإنَّ الرجل ليُحرم الرِّزقَ بالذنب يُصيبه».
يقول الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الأسبق، أن أسباب ضيق الرزق ترجع إلى تواكل العبد وعدم أخذه بأسباب الرزق والعمل لتحصيله.
وأضاف أن من أسباب ضيق الرزق إتيان المعاصي والمحرمات، وهي من أعظم أسباب حجب الرزق عن العباد، وكفر النعم وازدراء ما رزق الله تعالى من عطايا، والبخل وعدم حب الإنفاق والعطاء في سبيل الله تعالى، والتصدق على الفقراء والمساكين وإخراج الزكاة.
وأشار إلى أن من أسباب ضيق الرزق التهاون في بعض الأعمال التي تُوصف بأنها شرك، كالحلف بغير الله، أوالذبح لغير الله، أو الاعتقاد بوجود نفع أو ضر من الأموات، وما شابه ذلك، بالإضافة إلى ترك بعض الواجبات والفرائض والانشغال عنها بطلب الرزق وتحصيله، فمن ينال من رزقٍ بترك الفرائض نزعت من البركة والخير.
وتابع: «من أهم أسباب ضيق الرزق تساهل العبد في أكل المال الحرام، فالمال الحرام غالبا ما تمحق منه البركة، ولا تحل إلا بالطيب الحلال من الرزق، وكذلك عدم الاحتكام بأحكام القرآن الكريم، والاحتكام إلى سواه من شرائع وقوانين أهل الأرض».
وعن الأشياء التي تجلب الرزق وتحقق البركة، قال: «تحقيق تقوى الله، عز وجل، بالقيام بالطاعات والعبادات، وتجنب الوقوع بالمنهيات والمحرمات، مستشهدا بقول الله تعالى: «وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ».
وأكد أن الصدق في البيع والشراء، مع بيان ما في السلعة من عيوبٍ إن كان فيها ذلك؛ يحقّق البركة، ويزيد الرزق، وكذلك دعاء الرزق، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، حيث إنهما متصلان بالله تعالى.
الاحتكار من الذنوب التي تؤدي إلى غلاء الأسعار
وهناك شبه إجماع من العلماء على أن احتكار الأغذية والسلع من المعاصي التي تؤدي إلى غلاء الأسعار.
وكما يقول الشيخ عبد الناصر بليح، نقيب الائمة والدعاة بوزارة الأوقاف، حذرنا الرسول صلي الله عليه وسلم من أمور تكون سببًا في الغلاء والجدب والقحط وكثرة الأمراض ومنها إشاعة الفاحشة والإعلان بها وعدم إخراج الزكاة وبخس الكيل والميزان والبعد منهج الله.. ينتج عن ذلك تفشي الأمراض والسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ومنع المطر والغيث وشدة الكراهية والبغضاء بين أفراد المجتمع..
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين! خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله بأن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله يتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم”(ابن ماجة واللفظ له ورواه البزار والبيهقي ).
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلًا)، يعني: أهل المدينة والأنصار رضوان عليهم قبل أن يأتيهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتعاملون في البيع والشراء وكانوا أخبث الناس كيلًا أو من أخبث الناس في الكيل يعني: يطففون في الكيل والميزان ويبخسون الناس أشياءهم في ذلك.
فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم أنزل الله سبحانه وتعالى عليهم من القرآن فكان مما نزل: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (المطففين:1-3).
ذهب الشافعي وأحمد وجمهور العلماء على أن الاحتكار لا يكون إلا في الطعام لأنه قوت الناس ؛ ومنهم من وسعها كالإمام الشوكاني: وظاهر الاحتكار يحرم من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وغير ذلك وقال من وسع السلعة المحتكرة.
ويضيف: وارتفاع الأسعار حالة صعبة يجب بحثها ودراستها من حيث الأسباب والعلاج ولم يترك الإسلام هذه المشكلة دون حل بكونه جاء لحل كل مشاكل الإنسان، وقد بيّن الله سبحانه وتعالى الحكم الشرعي في قضية ارتفاع الأسعار من حيث الأسباب ومن حيث العلاج ومن حيث ما ينتج عنها لأن ذلك يترتب عليه آثار سلبية على الناس ويترتب على ذلك حالات غير مرغوب فيها في المجتمع، ولم يترك الشرع مسألة ارتفاع الأسعار للعقل أو اجتهادات غير شرعية أو اخذ علاجها من المبادئ الأخرى، فقد ينتج عن ذلك آثار سلبيه كبيرة على الناس خاصة وان الظلم الاقتصادي يشمل جميع أبناء المجتمع بخلاف الظلم السياسي الذي يقتصر على الواعين من أبناء الأمة.
وينبغي علي المسلمين أن بلجأوا إلي الله عز وجل في مثل هذه الحالات..
* التوبة والرجوع إلى الله:” وتوبوا إلي الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون”
*الاستغفار “فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يُرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا”( نوح /12)
* إخراج الزكاة والصدقة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال”( مسلم )أي: إن نقصت الصدقة المال عدديًا فإنها لن تنقصه بركة وزيادة في المستقبل، بل يخلف الله بدلها ويبارك له في ماله ووجد الكثير من الناس أثرًا عجيبًا للصدقة في بركة المال وزيادته.
*صلة الرحم قال صلى الله عليه وسلم:”من سره أن يبسط له في رزقه فليصل رحمه”(أبو داود).
*العناية بطلب البركة في المال قبل العناية بالكثرة، قال الله تعالى: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ”. الأعراف:96، والتقوى والدعاء بطلب البركة سبب لحصولها، وكذا الإكثار من قراءة سورة البقرة، وقال صلى الله عليه وسلم عنها: «اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة”( مسلم).
جاء في الأثر أن الناس في زمن الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – جاؤوا إليه وقالوا: نشتكي إليك غلاء اللحم فسعّره لنا، فقال: أرخصوه أنتم؟
فقالوا: نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين، ونحن أصحاب الحاجة فتقول: أرخصوه أنتم؟ فقالوا: وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال قولته الرائعة: اتركوه لهم.
بل إن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – يطرح بين أيدينا نظرية أخرى في مكافحة الغلاء، وهي إرخاص السلعة عبر إبدالها بسلعة أخرى؛ فعن رزين بن الأعرج مولى لآل العباس، قال: غلا علينا الزبيب بمكة، فكتبنا إلى علي بن أبي طالب بالكوفة أن الزبيب غلا علينا، فكتب أن أرخصوه بالتمر أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوافرًا في الحجاز وأسعاره رخيصة، فيقلّ الطلب على الزبيب فيرخص. وإن لم يرخص فالتمر خير بديل.
لقد كان في تاريخنا المشرق من أنواع إدارة الأزمات قبل أن يعرفه أهل الإدارة في العصر الحديث، ولما قامت الأزمة في عهد عمر -رضي الله عنه- في عام الرمادة، وحصل قحطٌ شديد وقل الطعام، ودام 9 أشهر. وسمي عام الرمادة؛ لأن الريح كانت تسفي ترابًا كالرماد، وقيل: لأن الأرض كانت سوداء مثل الرماد.
فقام عمر بعمل هذه التدابير:
أولًا: حث الناس على كثرة الصلاة والدعاء واللجوء إلى الله، وكان يصلي بالناس العشاء، ثم يخرج حتى يدخل بيته، فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي الأنقاب –أطراف المدينة – فيطوف عليها ويقول في السحر: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي.
ويقول: اللهم لا تهلكنا بالسنين –يعني القحط- وارفع عنا البلاء، يردد هذه الكلمة.
ثانيًا: كتب إلى عماله على الأمصار طالبًا الإغاثة، وفي رسالته إلى عمرو بن العاص -والي مصر-، بعث إليه: “يا غوثاه! يا غوثاه! أنت ومن معك ومن قبلك فيما أنت فيه، ونحن فيما نحن فيه”. فأرسل إليه عمرو بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدقيق والدهن، وبعث إليه بخمسة آلاف كساء. وهكذا أرسل إلى سعد بن أبي وقاص، فأرسل له بثلاثة آلاف بعير تحمل الدقيق، وبعث إليه بثلاثة آلاف عباءة. وإلى والي الشام، فأرسل إليه بألفي بعير تحمل الدقيق، ونحو ذلك مما حصل من مواساة المسلمين لبعضهم؛ لأن هذه الأمة واحدة. فإذا مسّ بعضها شدّة، تداعى الباقي لها، جسدٌ واحد.
ثالثًا: أحس عمر بمعاناة الناس، قال أنس -رضي الله عنه-: كان بطن عمر يقرقر عام الرمادة، وكان يأكل الزيت، ولا يأكل السمن. فقرقر بطنه فنقرها بأصبعيه، وقال: تقرقر، إنه ليس لكِ عندنا غيره حتى يُحيا الناس -أي: يأتي الله بالحياة والمطر الذي يغيث به الأرض-.
وقال أسلم: كنا نقول: لو لم يرفع الله المَحْلَ عام الرمادة؛ لظننّا أن عمر يموت همًا بأمر المسلمين. ثم يقوم -رضي الله عنه- بوعظ الناس وينادي: أيها الناس، استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، وسلوه من فضله، واستسقوا سقيا رحمة.
وطلب الناس من العباس عم النبي عليه -الصلاة والسلام- الرجل الصالح، وأقرب الحاضرين إلى النبي عليه -الصلاة والسلام- أن يخرج؛ ليستسقي لهم؛ استشفاعًا بدعاء الرجل الصالح من آل البيت، وكان العباس حيًا، فلم يطلبوا من ميت ولم يطلبوا شيئًا لا يقدر عليه الحي، وخرج العباس يدعو الله، فدعا ودعا، وبكى، فاستجاب الله ونزل الغيث.
خلع الحجاب وغلاء الأسعار
أكد الأزهر الشريف أن حجاب المرأة فرض عين على كل مسلمةٍ بالغةٍ عاقلةٍ، أقرَّته مصادر التشريع الإسلامي بنص القرآن وإجماع فقهاء المسلمين.
وأوضح الأزهر، في منشور عبر صفحته الرسمية على «فيسبوك»، أن «ما يُتداول من محاولة لنفي فرضيَّة الحجاب وتصويره أنه عادة أو عرفٌ انتشر بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم- هو رأي شخصي يرفضه الأزهر؛ لأنه مخالف لما أجمع عليه المسلمون منذ خمسة عشر قرنًا من الزمان».
وأضاف أن «هذا الرأي يفتح الباب لتمييع الثوابت الدينية، كما أن التفلت من أحكام الشريعة، وما استقر عليه علماء الأمة بدعوى (الحرية في فَهم النص) هو منهج علمي فاسد».
ويحسم فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، حكم ارتداء الحجاب وخلعه، وذلك من خلال فيديو سابق له قال فيه: «إن الحجاب بمعنى غطاء الرأس والشعر أمر لكل نساء المسلمين وذكر في القرآن الكريم، وأجمعت الأمة عليه».
وأضاف الإمام الأكبر: «تصوير المرأة التي لا ترتدي الحجاب أنها خارجة عن الإسلام أمر لا يجوز ولكن حكمها أنها عاصية، فهي كبقية المعاصي، وهذه المعصية ليست من الكبائر، فترك الحجاب مثلًا أقل من الكذب».
ويقول الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن الحجاب فرض على المرأة، رغم أن لفظ الحجاب لم يرد فى القرآن فى الدلالة على غطاء جسم المرأة، منوهًا بأنه لم يقل عالم أنه ليس فرضًا ومن قال بذلك أنصاف هواة.
وأضاف أمين الفتوى في رده على منكري فرضية الحجاب، أن قوله تعالى: «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ»، يفسره بعض الناس على أن الخمر مجرد الغطاء ولا يقصد به غطاء الرأس، لافتًا إلى أن منكرى فرضية الحجاب لا يقتنعون بالآيات الواردة فى القرآن عن الحجاب والنقاش معهم غير مجدٍ.
وأوضح أن هناك اتفاقًا وإجماعًا بين علماء الأمة على فرضية الحجاب، متسائلًا: «من الذى قال بوجوب الصلاة ومن الذى قال بحرمة الخمر ومن الذى قال إن الوضوء يكون قبل الصلاة؟»، فقوله تعالى: «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ» وقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ» قد يقول عنها البعض أنها أمر إرشادى ولا يقصد به الوجوب، وقوله تعالى: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ" ظاهر الآية أن الوضوء بعد الصلاة وليس قبلها، فكل من وضح وشرح هذه الآيات هم العلماء واتفاقهم على أن الصلاة واجبة والخمر حرام والوضوء قبل الصلاة، فالإجماع ينقل الدليل الظنى من حيز الظنية إلى القطعية.
وأكد أن اتفاق العلماء هو الذى جعل أمر الحجاب للمرأة فرض وواجب، فالآيات والأحاديث اتفق علماء الأمة على دلالتها فلم يقل عالم واحد أن الحجاب ليس فرضًا، ولم يقل بعدم فرضية إلا هواة أو أقل من الهواة، ومع ذلك يتأثر بهم كثير من النساء، منوهًا بأن الحجاب من الواجبات وليس من أركان الإسلام وخلعه ليس من الكبائر وإنما يندرج تحت المعاصى.
وبعث أمين الفتوى، رسالة للنساء قائلا "إذا لم تقدرى على ارتداء الحجاب وقررت خلعه فادعى الله لكى بالهداية ولا تحاولى أن تجدى مبرر زائف لعدم فرضية الحجاب لتسكتى به ضميرك".
ويقول الدكتور على جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، إن خلع الحجاب إثم تحاسب عليه باتفاق علماء المسلمين ليس فيه خلاف لكن ليس كبيرة من الكبائر.
وأضاف «جمعة»، خلال لقاء ببرنامج «من مصر»، المذاع على شاشة قنا «cbc»، أن الخلاف قادم ليس من أهل العلم، وكل فقهاء المسلمين يرون حجاب المرأة.
ورفض على جمعة اعتبار خلع الحجاب كبيرة من الكبائر مؤكدًا أن خلع الحجاب إثم تحاسب عليه المرأة ولا يمكن أن ترتقي لمثل تارك الصلاة فهي كبيرة من الكبائر لأنها فريضة إسلامية خالصة وركن من أركان الإسلام الخمسة، وهي الصلاة والصيام والزكاة والحج مع الشهادتين، «لما واحدة تقولي أنا مش محجبة أو كانت محجبة وتركت الحجاب بعد أزمة أو مشكلة يبقى فعلت إثما تحاسب عليه».
وتساءل الدكتور على جمعة هل يمكن اعتبار إثم المرأة التي تترك الحجاب ندخلها الخسران المبين؟ مؤكدًا أنه لا يصح أن نطلق أحكاما ونخلط بين الكبائر والصغائر وهناك فرق في درجات الذنوب.