بوساطة أمريكية..
كيف نجح السيسي في سحب البساط من شركات الغاز البريطانية داخل قطاع غزة؟
على مدار 8 سنوات، حققت الإدارة المصرية نجاحات مدوية على مستوى ملف العلاقات الخارجية في سبيل عودة دور مصر الريادي في منطقة الشرق الأوسط، وتتوالى الأهداف التي تحرزها الدبلوماسية المصرية بقيادة وزير الخارجية السفير سامح شكري، وتحت لواء الرئيس عبد الفتاح السيسي، باتخاذ شوط طويل من المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية لإحياء ملف تطوير حقل مارين للغاز الطبيعي بساحل قطاع غزة بوساطة أمريكية.
واستغلت الخارجية المصرية التحسن الملحوظ في العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة عقب اللقاء الذي جمع الرئيس السيسي بنظيره الأمريكي جو بايدن للمرة الأولى في شهر يوليو الماضي بالمملكة العربية السعودية على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، وبالتزامن مع الاحتفال بمرور 100 عام على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؛ لفتح ملف إعمار غزة وتطوير حقل مارين.
وبهذا نجحت مصر في سحب البساط من الشركات البريطانية المطورة لحقول الغاز والبترول بفلسطين، خاصة شركة «بريتش جاز» التي أوكلت لها في السابق مهمة تطوير حقل غاز مارين؛ لتصبح الشركة المصرية القابضة للغازات «EGAS» رقمًا صعبًا في معادلة سيطرة الشركات العملاقة العاملة بالبترول في منطقة الشرق الأوسط.
وتصل تكلفة تطوير الحقل إلى نحو 1.4 مليار دولار، لا سيما أنّ عملية البدء في استخراج الغاز ستجري خلال أقل من 30 شهرًا بعد الحصول على الموافقة الإسرائيلية.
ضربة البداية
من جانبه يرى الدكتور رمضان أبوالعلا أستاذ هندسة البترول والطاقة بجامعة فاروس، أن أصل الموضوع وضربة البداية عندما عقدت مصر لقاءات ثلاثية مع قبرص واليونان لتطوير فكرة أن يكون هناك تعاون في منطقة شرق المتوسط وتوج ذلك الجهد بإنشاء ما يُسمى منتدى غاز شرق المتوسط.
وأضاف «رمضان» أن مصر أصبح لها ثقل سياسي في المنطقة وتوازن في السياسة الخارجية مع كل من إسرائيل وفلسطين، وبعد عقد عدة مصالحات أدى إلى أن مصر أصبحت محل ثقة لدى الطرفين، متابعًا: «مصر الدولة الوحيدة القادرة على تطوير حقل مارين لثقلها السياسي وخبرتها في مجال صناعة الغاز».
وعن فكرة سحب مصر البساط من الشركات البريطانية من الشرق الأوسط فيما يخص البترول والغاز، قال الدكتور رمضان أبوالعلا، في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، إن شركة بريتش جاز شركة عملاقة ولكن أصبح لها اهتمامات بالاكتشافات الضخمة التي تحقق منها عائدا ماديا كبيرا، وحقل مارين يُدر على مصر بمكاسب سياسية هائلة أكبر بكثير من العائد الاقتصادي والاستثماري.
وأكد «أبو العلا» أن الظروف السياسية والاقتصادية كانت مهيئة لكي تشارك مصر في تطوير هذا الحقل كونها المركز الرئيسي لمنتدى غاز شرق المتوسط وباعتبار السلطة الفلسطينية أحد أعضاء هذا المنتدى وهذا في إطار التعاون بين الدول الأعضاء، لأنه من أهم أهداف المنتدى تحقيق الفوائد المشتركة بين الأعضاء.
واستطرد أستاذ هندسة البترول والطاقة بجامعة فاروس حديثه لـ«النبأ» قائلًا: «لم تنظر مصر للعائد الاقتصادي بقدر نظرتها إلى التداعيات السياسية الإيجابية، الأموال ليست من أولويات مصر التي دفعت لقبول هذا العمل».
وفيما يتعلق بحصول الجانبين المصري والفلسطيني على موافقة شفهية من الجانب الإسرائيلي، أكد «أبو العلا» أن الموافقة الشفهية دون الكتابية لا تمنع البدء في التطوير لوجود اتفاقية ترسيم حدود بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وشهد التوقيع عليها كل من أمريكا وروسيا ومصر.
حماية الثروات
والتقط أطراف الحديث الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، موضحا أن ملف تطوير حقل غاز مارين أُعيد طرحه بعد نجاح مفاوضات ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان، معقبًا: «ليس جهد اليوم ولكن جهود سنوات طويلة لكن التفاصيل كلها لم تخرج على الملأ، فهناك اتصالات تمت على أعلى مستوى بين مصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية وانتهت بالوصول إلى اتفاق حقيقي بين الأطراف الثلاثة».
وأكد أستاذ العلوم السياسية، أن رسالة القاهرة لإسرائيل ليست قضية حقل مارين لكن القضية الأساسية الحفاظ على ثروات الفلسطينيين وحرص مصر على حماية تلك الثروات من النهب الإسرائيلي.
وتابع: «أما الرسالة الثانية هي التحرك المصري تجاه السلطة الفلسطينية باعتبارها السلطة الفعلية وليس حماس، فحركة حماس حتى الآن تتحفظ على ما يجري وهناك تحفظات على موقفها ومصر تتحرك تجاه السلطة الفلسطينية، فالقاهرة تتعامل مع كافة الأطراف بتحرك مسؤول لإقناع كل الأطراف بضرورة الاستفادة».
وأكد «فهمي» أن الاستفادة لم تتوقف عند الفلسطينين فقط بل تصل الفائدة إلى دول الاتحاد الأوروبي لأن الأوروبيين عقدوا اتفاقا ثلاثيا بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي لاستيراد الغاز من إسرائيل على أن تقوم بعملية إسالة الغاز في محطة إدكو بدمياط ليتم تصديره مرة أخرى لأوروبا»، معقبًا: «أوروبا يمكن أن تساهم في إقناع حماس أن الغاز المستخرج يتم الاستفادة به».
وأشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن مصر تستخدم فكرة وجود أزمة كبرى في الطاقة والوقود بقطاع غزة ورام الله لإقناع الجانب الفلسطيني وحركة حماس.
وتابع: «مصر قطعت شوطا كبيرا جدًا، والكرة الآن أصبحت في ملعب حماس والجانب الإسرائيلي، وإسرائيل بلا أدنى شك تحتاج مصر كشريك وضامن، وبدون مصر إسرائيل لن توافق على الأمر برمته».
وحول غموض موقف حركة حماس من الصفقة، قال الدكتور طارق فهمي، إن الجانب الفلسطيني ممثل في رام الله وليس ممثلا في حركة حماس، مؤكدًا أن حماس لم ترد ردا إيجابيا لتسريع معدلات الاتفاق، وأنها تريد إقحام هذا الملف في ملفات أخرى، مثل صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار والتهدئة وما إلى ذلك.
وتابع: «مصر تريد أن تعبر بالمشاكل كلها، وجهود الدولة المصرية مهمة، وتجري الآن اتصالات ولقاءات نتمنى أن تكلل بالنجاح، وبالفعل القاهرة أقنعت إسرائيل وهم مرحبون بشكل كبير جدًا بجهود مصر لثقلها السياسي في المنطقة وهي الدولة المنخرطة في تهدئة الصراع».
وعن أهمية إجراء مصالحة تشمل كل الأطراف الفلسطينية، قال الدكتور طارق فهمي، إن الجزائر تسعى لعقد مصالحة بين الفلسطينيين ونتمنى أن تتم، متابعًا: «ولكن مصر الدولة العربية الوحيدة المؤهلة لإتمام المصالحة وجميع الفصائل الفلسطينية تدرك هذا».