تقرير صادم من الفيفا يكشف إهدار الملايين على الساحرة المستديرة
في محاولة لتفسير السبب الحقيقي وراء صرف ملايين الدولارات على صناعة كرة القدم في مصر، خاصة في مواسم انتقالات اللاعبين بين الأندية، والتي وصلت إلى معدلات هي الأضخم من عقود طويلة، حصلت «النبأ» على تقرير صادر عن مؤسسة الفيفا حول انتقالات اللاعبين، والذي يكشف حجم الإنفاق داخل الأندية المصرية.
بيراميدز الأكثر إنفاقًا ثم الأهلي
وبحسب التقرير، فيأتي نادي بيراميدز على رأس القائمة متصدرًا، كأكثر نادي إفريقي إنفاقًا على الصفقات الخارجية فى العقد الماضى خلال الفترة الممتدة بين 2011 إلى 2020، رغم أن النادى ظهر قبل سنتين من نهاية العقد الماضى أي حوالي 14 سنة فقط.
فيما جاء النادى الأهلى ثانيًا والزمالك رابعًا، وبلغ مجموع إنفاق الأندية المصرية على الصفقات الخارجية 101 مليون دولار مقابل بيع عقود لاعبين بقيمة 111 مليون دولار، خلال تلك الفترة.
كما أن تقرير الفيفا نفسه، والذي صدر عام 2020، كشف أن نادى وادى دجلة الذى هبط لدورى الدرجة الثانية بنهاية الموسم الماضى، هو ثالث أكثر أندية إفريقيا إنفاقًا على الصفقات الخارجية في عام 2020، بينما حل سيراميكا كليوباترا في المركز التاسع في عام 2020 من حيث الإنفاق المالي.
في حين تصدر نادي بيراميدز المركز الأول من حيث الإنفاق المالي على الصفقات الخارجية، وجاء خلفه النادى الأهلى، وبلغ إجمالي إنفاق الأندية المصرية 10.8 مليون دولار مقابل بيع عقود لاعبين بحوالى 7.6 مليون دولار في عام 2020.
فيوتشر من الأكثر إنفاقًا أيضًا
ويُظهر تقرير الفيفا الذي صدر العام الماضي 2021، أنه في عام 2021، ظهر نادي فيوتشر والذي احتل المركز الثامن بين الأندية الإفريقية الأكثر إنفاقًا على الصفقات الخارجية، في حين تراجع بيراميدز للمركز الثانى فى غياب الأهلى والزمالك، وواصلت الأندية المصرية الخسائر فى الإنفاق، بعدما دفعت 6.3 مليون دولار للصفقات الخارجية التى استقطبتها، مقابل 4.9 مليون دولار باعت بها عقود لاعبين.
ورغم تحقيق النادي الأهلي إيرادات من بيع حقوقه الحصرية والجوائز الجماعية التي حققها فريق كرة القدم خلال الأعوام الثلاث الأخيرة، لكن ميزانيته حققت بعض الخسائر، ففي عام 2021، بلغت إيراداته حوالي 550 مليون جنيه، في حين بلغت مصروفاته نحو 660 مليون جنيه.
وكانت إدارة النادي الأهلي وضعت في الميزانية عام 2021، بندا ماليا بقيمة 107 ملايين جنيه فى الإيرادات تحت بند دعم الفرق الرياضية «رسم التحاق أعضاء النادى لأول مرة»، وهو ما أسهم فى تقليص خسارة الكرة من 227 مليون فى 2020 إلى 110 ملايين جنيه فى 2021، حسب التقارير التي نشرتها عدة صحف.
لكن نادي الزمالك كان حال أكثر صعوبة، إذ بلغت الإيرادات خلال آخر عامين أقل من 400 مليون جنيه، ففي عام 2020، بلغت الإيرادات حوالي 197 مليون جنيه، مقابل 196 مليون جنيه في 2021، في حين وصل حجم الإنفاق على فريق كرة القدم أكثر من 450 مليون جنيه فى 2020، وزاد 14 مليون جنيه تقريبًا فى 2021، لتصل الخسائر 268 مليون جنيه فى 2021، بعدما كانت 254 مليونًا فى 2020.
الإسماعيلى أيضًا يعيش أسوأ أيامه الكروية، حيث بلغت تكلفة نشاط كرة القدم فيه 110 ملايين جنيه مقابل إيرادات بقيمة 44 مليون جنيه، ليخرج فريق الكرة خاسرا 66 مليون جنيه فى 2021، فيما أعلن رئيس نادي الاتحاد السكندري محمد مصيلحي أن ميزانية فريق الكرة تصل إلى 70 مليون جنيه.
أسرار تحويل العمل التطوعي فى الأندية إلى «سبوبة»
وشهد الوسط الرياضي المصري، خلال السنوات القليلة الماضية، دخول عدد من رجال الأعمال والمستثمرين صناعة الكرة في مصر، ليشهد السوق ضخ عدد ضخم من الأموال داخل الدوري المصري الممتاز دون وجود أي مناخ قانوني آمن لتلك الاستثمارات أو حتى وضع قوانين ولوائح تنظمه.
إلى ذلك يقول الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، إن عملية الاستثمار في المجال الرياضي تحتاج إلى تهيئة القوانين والتشريعات الحكومية لبدء عملية ضخمة في مجالات الاستثمار.
ويضيف لـ«النبأ»، أن تجربة استثمار رجال الأعمال في الأندية لا يستطيع أحد الحكم عليها، لأن تجربة بيراميدز حتى الآن لا يمكن الحكم عليها، خاصة وأن عملية الشفافية والحوكمة لم تتم حتى الآن، مشيرًا إلى أن تجربة وادي دجلة مربحة حتى الآن.
كما يلفت «الإدريسي» إلى أن مسألة دعم الأندية العامة مثل الزمالك أو الإسماعيلي وغيرها من المؤسسات العامة من جانب وزارة الشباب والرياضة فكرة عقيمة ومكلفة للدولة، خاصة وأن الحكومة أولى بكل تلك الأموال التي تُصرف على تلك الأندية التي لا تعود بأي أرباح على الخزينة العامة للدولة.
ويقول، إن العاملين في المجال الرياضي ظلوا وراء مالك نادي بيراميدز حتى «طفش» من مصر، رغم أنه كان يضخ أموالا في الاقتصاد القومي، موضحًا أن العائد من الاستثمار الرياضي مربح جدًا، والذي يتحقق من عائدات الإعلانات والاستديوهات الرياضية والحقوق الحصرية للأندية وغيرها من المجالات الأخرى.
ويُتابع الخبير الاقتصادي، بأن طرح الأندية أمام المستثمرين فكرة ناجحة للغاية خاصة في ضوء معاناة بعض الأندية في تحقيق عوائد مادية وتحمل وزارة الشباب والرياضة الصرف عليها.
ويُشير إلى أنه يجب تحويل الأندية المصرية إلى شركات مساهمة تضمن حقوق الأعضاء والمساهمين فيها وتتيح لأكبر عدد من المواطنين الانضمام إليها وتوفير خدمات رياضية لهم، بدلًا من كونها باتت حكرًا على طبقة الأغنياء فقط في ضوء مصروفات الاشتراك فيها والتي تتجاوز النصف مليون جنيه في المتوسط وأحيانا تصل إلى أكثر من مليون في بعض الأندية.
وأنه إذا كانت الدولة راغبة في الحفاظ على الأندية وعلى الحقوق التاريخية والتاريخ الطويل للأندية يجب تحويلها إلى شركات، وعدم طرح فكرة بيعها مباشرة للمستثمرين، وفقًا لـ«الإدريسي»، لكن أن تظل تلك الأندية رهن بتبرعات وهبات من رجال الأعمال الذين يدخلون المجال الرياضي لأسباب كثيرة، ليس من بينها الاستثمار الرياضي.
تبرعات الأندية تخصم من الضرائب
ويوضح الخبير الاقتصادي، نقطة مهمة تتعلق بأن أي تبرع يقدمه رجل أعمال إلى الأندية العامة مثل الإسماعيلي أو الأهلي، يطلق عليه مسئولية مجتمعية، وبالتالي يتم خصمه من الوعاء الضريبي لرجل الأعمال، وذلك وفقًا لقوانين الضرائب، متابعًا: «يعني أي مساعدة مالية يقدمها رجل أعمال لنادي ما، تخصم من ضرائب شركاته».
وبحسب تصريحات سابقة لوزير المالية محمد معيط، فإن التبرعات المدفوعة لجهات حكومية ووحدات الإدارة المحلية وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، أيًا كان مقدارها، كما أن التبرعات والإعلانات المدفوعة للجمعيات والمؤسسات الأهلية المصرية المشهرة طبقًا لأحكام القوانين المنظمة لها، ولدور العلم والمستشفيات الخاضعة للإشراف الحكومى ومؤسسات البحث العلمى المصرية، بما لا يتجاوز 10% من الربح السنوى الصافى، ونفس المعاملة الضريبية تكون فى حالة المهن غير التجارية، ولكن يزيد عليها بالنسبة للتبرعات للجهات الواردة فى لوائح القانون، والتي يُسمح أيضًا بالتبرعات التى تؤول لتلك الجهات، أى ليس شرطًا أن تكون مدفوعة نقدًا، ولكن يمكن أن تكون عينية، كأن يتبرع طبيب بجهاز طبى لمستشفى حكومى، فتعد قيمة هذا الجهاز بالكامل تكلفة عليه تُخصم من وعائه الخاضع للضريبة.
العمل التطوعي وهم
ويقول الدكتور علي الإدريسي، إن انتخابات مثل الزمالك والأهلي تُصرف عليها ملايين الجنيهات، وفي النهاية لوائح تلك الأندية تنص على أن تلك الوظائف مثل رئيس النادي والأعضاء «عمل تطوعي»، وتلك أكذوبة ووهم، متسائلًا: «إذا كان العمل تطوعيا ولا يدر دخلا، فلماذا يتم التهافت عليها؟ وماذا يربح في النهاية؟».
ويُكمل الخبير الاقتصادي، أن الحكومة هي من اخترعت «وهم العمل التطوعي» لذا يجب عليها إنهاؤه، متابعًا: «لا يوجد رئيس نادي يقوم بما يفعله تطوعيا، وإذا كان ذلك تطوعيًا، فلم كل المسئولين ورجال الأعمال يترشحون على قوائم الأندية».
لغز تعطيل قانون تحويل فرق الكرة لشركات وطرحها بالبورصة
بالبحث المتعمق في قضية الاستثمار في أندية كرة القدم وتحويلها إلى شركات، وجدنا «الكنز المدفون» داخل الأدراج، ورعونة بعض المسئولين في تطبيق القانون المصري التابع لوزارة الرياضة المصرية 2017، والذي يتيح للأندية تحويل فرق الكرة لديها إلى شركات يتم طرحها في البورصة.
تعطيل تطبيق القانون بشكل جذري في السوق الرياضي، لم يؤثر فقط على العملية التنظيمية داخل اللعبة، ولكن يُهدر على الأندية فرصة تقدم الصناعة وتحقيق الاكتفاء الذاتى وتحقيق الأرباح.
من جانبه، يقول خالد بيومي، الناقد الرياضي، إن خطوة الاستثمار في كرة القدم بالتأكيد سيكون لها تأثير إيجابي على شكل الأندية سواء أندية كرة القدم أو الألعاب الفردية الأخرى، خاصة وأن موازنة تلك الأندية دومًا ما تعاني من خسائر.
ويُضيف، أن هناك عدة بنود إذا تمت الاستعانة بها ستجعل كرة القدم المصرية في مكان آخر من تنظيم وتسويق وعودة الجماهير، مطالبًا بتفعيل القانون المصري التابع لوزارة الرياضة المصرية 2017 بتحويل كل أندية كرة القدم إلى شركات، كما بدأ النادي الأهلي.
ويُتابع بيومي في تصريحات سابقة له، ثم تفعيل بند الميزانية المعلومة للشركات، وتحويل الأندية أو الشركات لكرة القدم إلى شركة مساهمة حتى تشارك الجماهير في أنديتها، وإنشاء رابطة أندية محترفة وهو شرط من شروط الاتحاد الدولي لأي دوري محترف، وأخيرًا دور الرابطة في الحفاظ على قيمة وحقوق الشركات المشاركة في دوري المحترفين، وإقامة قانون اللعب المالي النظيف الخاص بشركات كرة القدم.
حجم الاستثمار الرياضى
من جهته، يقول ياسر عمارة رئيس شركة إيجل للاستشارات المالية، إن الاستثمار الرياضى غير مُستغل فى مصر، موضحًا أن تطبيق القانون وطرح الأندية لشركاتها فى البوصة سيسهم فى إنعاش السوق.
ويُتابع عمارة، بأن حجم الاستثمار الرياضى يبلغ 700 مليار دولار على مستوى العالم، ويحقق أرباحًا كبيرة لا تقل عن جميع القطاعات الاستثمارية الأخرى، مشيرًا إلى أن الأندية كانت فى السابق ملكية ومنفعة عامة، وطرح الشركات فى البورصة سيحقق رواجًا فى سوق الأوراق المالية من ناحية، بالإضافة إلى مساعدة الأندية على تقدم الصناعة وتحقيق الاكتفاء الذاتى مبدئيًا وتحقيق أرباح فى فترة لاحقة.
يشار إلى تحقيق الدوريات الخمس الكبرى في أوروبا أرباحا قياسية، حيث تصدر الدوري الإنجليزي قائمة الأرباح بقيمة 28.9 مليار يورو، حسب تقرير لمؤسسة ديلويت المالية، تليه مسابقة الدورى الإسبانى فى المركز الثانى، بعدما حققت أندية الليجا إيرادات بلغت 3.375 مليار يورو، بزيادة بنسبة %10 عن الموسم قبل الماضى بقيمة مالية تجاوزت 300 مليون يورو.
فيما جاء الدورى الألمانى ثالثًا، إذ بلغت إيرادات أندية المسابقة 3.345 مليار يورو، بإجمالي زيادة وصلت لـ177 مليون يورو عن الموسم قبل الماضى، كما جاء الدورى الإيطالى فى المركز الرابع بإجمالي إيرادات بلغ 2.495 مليار يورو، ثم الفرنسى فى الترتيب الخامس بين دوريات القارة العجوز الكبرى بإيرادات 1.902 مليار يورو.
تطبيق قانون الرياضية
كما يُضيف ياسر عمارة رئيس شركة إيجل للاستشارات المالية، أن التأخير فى تطبيق القانون عقب صدوره عام 2017، يرجع إلى عدة عوامل، أبرزها تنظيم السوق فى مصر، من حيث حداثة الفكرة وإيجاد آليات التطبيق المناسبة، بالإضافة إلى ظروف انتشار فيروس كورونا وتعطل عدد من الإجراءات التى أثرت على جميع القطاعات الاستثمارية.
ويُشير عمارة إلى أن التعديلات المثارة على قانون الرياضة تعتبر هامشية، خاصة أن التطبيق الفعلى لم يبدأ بعد، موضحًا أنه يمكن البدء فى تفعيل القانون فى بيئة مناسبة وسيعطى ذلك نتائج على أرض الواقع تسمح بتقييم الوضع ومناقشة التعديلات المطروحة بعد التجربة الفعلية للتطبيق.
يذكر أن المادة 71 من قانون الرياضة الجديد رقم 71 لعام 2017 تنص على أن تتخذ الشركات التى تنشأ لمزاولة أعمال الخدمات الرياضية بكل أنواعها شكل الشركات المساهمة.
كما يجوز لهذه الشركات طرح أسهمها فى اكتتاب عام وفقًا لأحكام قانون سوق رأس المال، وقيد أسهمها فى بورصة الأوراق المالية، ولا تسرى على هذه الشركات الإعفاءات والامتيازات المنصوص عليها فى المادة 9 من أحكام الفصل الثانى الواردة بالباب الأول من هذا القانون.
ويكون للوزير المختص إضافة مجالات أخرى تتصل بأعمال الخدمات الرياضية، وللهيئات الرياضية الخاضعة لأحكام هذا القانون وبموافقة الجهة الإدارية المركزية إنشاء شركات مساهمة تساهم فيها الهيئة وأعضاؤها والمستثمرون، وتطرح أسهم هذه الشركات للجمهور وفقا للقانون، شريطة ألا يؤثر ذلك على نشاطها فى الخدمات الرياضية، وللأندية المشهرة وفقًا لأحكام هذا القانون، وبموافقة الجهة الإدارية المركزية، إنشاء فروع لها فى شكل شركات مساهمة يشارك فيها النادى وأعضاؤه والمستثمرون.