الشيخ الشعراوى يوضح سر تقبيل الحجر الأسود
قال الشيخ محمد متولي الشعراوى في خواطره حول قول الحق سبحانه وتعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [آل عمران: 7]، هذا المتشابه يعتبره أهل الزيغ فرصة لتحقيق مَأْربهم، وهو إبطال الدين بأيِّ وسيلة وبأي طريقة، ويحاولون ممارسة التكبر على كتاب الله.
وتابع الشعراوى: لهؤلاء نقول: لقد أراد الله أن يكون بعضٌ من سور الكتاب الكريم مُبْتدئةً بحروف تُنطق بأسمائها لا بمُسمَّياتها، وقد أرادها الحق - سبحانه - كذلك ليختبر العقول؛ فكما أطلق - سبحانه - للعقل البشري التفكير في أمور كثيرة؛ فهناك بعض من الأمور يخيب فيها التفكير، فلا يستطيع العقل إدراك الأشياء التي تفوق حدود عقله، لافتا إلى أن الحق - سبحانه وتعالى - يصنع للإنسان ابتلاءات في وسائل إدراكه؛ وجعل لكل وسيلة إدراك حدودًا، وشاء أن يأتي بالمتشابه ليختبر الإنسان، ويرى: ماذا يفعل المؤمن؟.
واستطرد الشعراوى: أما قوله الحق - سبحانه:{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ.. } [آل عمران: 7]، فقد يُفْهم منه أنه عطف؛ بمعنى أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله؛ وبالتالي سيُعلِّمون الناس ما ينتهون إليه من علم بالتأويل. ولكن تأويل الراسخين في العلم هو قولهم:{ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا.. } [آل عمران: 7]، فنهاية تأويلهم: هو من عند ربنا، وقد آمنا به.
وأكمل: جاء لنا قوله صلى الله عليه وسلم لِيَحُل لنا إشكال المُتَشابَه: "ما تشابه منه فَآمِنوا به"، لأن المتشابه من ابتلاءات الإيمان، مشيرا إلى أن المثل الذي يضربه هنا هو أمره صلى الله عليه وسلم لنا أن نستلم الحجر الأسود وأن نُقبِّله، وأن نَرْجُم الحجر الذي يمثل إبليس، وكلاهما حجر، لكننا نمتثل بالإيمان لما أمرنا به صلى الله عليه وسلم.
وأوضح الشعراوي: أنت لو أقبلتَ على كل أمر بحُكْم عقلك، وأردتَ أن تعرف الحكمة وراء كل أمر، لَعبدْتَ عقلك، والحق - سبحانه - يريد أن تُقبِل على الأمور بِحُكْمِه هو - سبحانه، وأن الحق - سبحانه وتعالى - يصنع للإنسان ابتلاءات في وسائل إدراكه؛ وجعل لكل وسيلة إدراك حدودًا، وشاء أن يأتي بالمتشابه ليختبر الإنسان، ويرى: ماذا يفعل المؤمن؟
فأنت إن قلتَ لواحد: إن الخمر تهري الكبد. ووضعت على كبده جهاز الموجات فوق الصوتية الذي يكشف صورة الكبد، ثم ناولتَ الرجل كأس خمر؛ فرأى ما يفعله كأس الخمر في الكبد، ورَاعَه ذلك؛ فقال: والله لن أشربها أبدًا، فهل هو يفعل ذلك لأنه مؤمن؟ أم أنه ربط سلوكه بالتجربة؟.
وشدد: لقد ربط سلوكه بالتجربة، وهو يختلف عن المؤمن الذي نفَّذ تعاليم السماء، فامتنع عن الخمر لأن الله أمر بذلك، فلا يمكن أن نؤجل تعاليم السماء إلى أن تظهر لنا الحكمة منها.
واختتم قائلا: إذن: فعِلَّة المُتَشابه؛ الإيمان به. وقد يكون للمُتَشابه حكمة؛ لكِنَّا لن نُؤجِّل الإيمان حتى نعرف الحكمة، وأنه يجب أن يعامل الإنسانُ إيمانَه بربه معاملته لطبيبه، فالمريض يذهب إلى طبيبه ليعرض عليه شكواه من مرض يؤلمه؛ ليصفَ الطبيب له الدواء، كذلك عمل عقلك؛ عليه أن ينتهي عند عتبة إيمانك بالله.
لافتا إلى أقوال أهل المعرفة بالله مَنْ يقول: إن العقل كالمطيَّة، يُوصِّلك إلى باب السلطان، لكنه لا يدخل معك، فالذي يناقش في عِلَل الأشياء هو مَنْ يرغب في الحديث مع مُسَاوٍ له في الحكمة، وهل يوجد مُسَاوٍ لله؟