تفاصيل الصراع بين مصر وتركيا على «بوابة» نقل الغاز لأوروبا
يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتكون تركيا بوابة لتصدير الغاز لأوروبا بدلاً من مصر، وذلك لرغبة انقرة للسيطرة على غاز شرق المتوسط من خلال عقد اتفاقيات مع حكومات ليبيا غير الشرعية، كما يحلم أردوغان بتحويل تركيا إلى مركز إقليمي للطاقة.
هذا هو نفس الهدف التي تسعى مصر لتحقيقه، حيث نجحت في تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم كل الدول المنتجة للغاز المطلة على البحر المتوسط، وعلى رأسها اليونان وقبرص وإسرائيل وفرنسا وإيطاليا.
ففي شهر أكتوبر الماضي اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على نظيره التركي رجب طيب إردوغان أن تنشئ موسكو "مركزا للغاز" في تركيا لتصدير الغاز إلى أوروبا.
وكشف الرئيس الروسي، أن موسكو تدرس بناء المزيد من خطوط أنابيب الغاز الطبيعي تحت سطح البحر إلى تركيا لإعادة توجيه التدفقات المتوقفة على خط "نورد ستريم" إلى أوروبا، مضيفا: "يمكننا أن ننقل كميات غاز «نورد ستريم» المتوقفة التي كانت تمر عبر بحر البلطيق إلى البحر الأسود"، مشيرًا إلى أن خطوط البحر الأسود مع تركيا قد تصبح طريق تصدير الغاز الروسي الرئيسي إلى أوروبا.
بعد تصرحات الرئيس الروسي، أمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وزير الطاقة في بلاده، بالعمل على بناء مركز للغاز في تركيا.
وحسب خبراء في الطاقة، فإن المقترح الروسي يتلاقى مع رغبة أردوغان في تحقيق حلمه بتحويل تركيا إلى دولة عبور للطاقة إلى أوروبا، وسعى في السابق، إلى إقناع الجانب الإسرائيلي لاعتماد مشروع لنقل الغاز إلى أوروبا عبر تركيا وليس اليونان، لا سيما بعد تراجع الدعم الأمريكي لمشروع “إيست ميد”، والذي كان يهدف لنقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى أوروبا عبر قبرص واليونان، من دون المرور بتركيا، غير أن إخفاق أنقرة في هذا المسعى، حتى الآن، سيجعل أنقرة تدعم فكرة أن تتحول إلى مركز لنقل الغاز الروسي.
وتوقع الخبراء، أن يدفع المقترح الروسي دولا أخرى مثل قطر للتعاون مع تركيا، والتي تتمتع بخبرة في مجال تسييل الغاز.
يأتي ذلك في الوقت الذي تسعى فيه مصر منذ فترة للتحول إلى مركز إقليمي لتصدري الغاز لأوروبا والعالم، وأنشأت من أجل ذلك «منتدى غاز شرق المتوسط»، والذي يضم إلى جانب مصر، فلسطين والأردن وقبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا وفرنسا والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي كمراقبين دائمين، والذي يهدف إلى «العمل على إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب، وتنمية الموارد على الوجه الأمثل وترشيد تكلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، وتحسين العلاقات التجارية»، وهذا ما أثار حفيظة أنقرة التي تم استبعادها من المنتدى.
كما يأتي بعد شهور قليلة من توقيع القاهرة اتفاقية مع إسرائيل والاتحاد الأوروبي لزيادة إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا في خطوة من شأنها تعزيز فرص القاهرة في التحول إلى مركز إقليمي لتداول الغاز الطبيعي، كما خططت لذلك قبل سنوات قليلة، مدعومة باكتشاف احتياطات ضخمة من الغاز في البحر المتوسط، ساعدتها في الاكتفاء ذاتيا بنهاية سبتمبر 2018، وبدء التوجه إلى التصدير.
أردوغان: لا يمكن نقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا إلا عبر تركيا
وحسب مصادر مطلعة، فإن أنقرة تسعى للحصول على الغاز من عدة أطراف وتصديره لأوروبا لكي تصبح "بوابة" نقل الغاز إلى القارة العجوز، ومن هذه الدول التي تسعى أنقرة للحصول على الغاز منها، روسيا وإسرائيل وليبيا وأذربيجان ولبنان وتركمانستان.
وفي مقابل المحاولات المصرية، للتحول إلى مركز إقليمي لتداول وتجارة الغاز، تتحرك تركيا على الصعيد ذاته عبر آليات مماثلة، إذ توظف أنقرة نفوذها السياسي لدى بعض الدول المنتجة للغاز وتلك التي تمتلك احتياطيات كبيرة منه، من أجل الدخول في شراكات تجعلها موردا رئيسيا للطاقة إلى أوروبا.
وتتطلع تركيا إلى أن تتصدر بوابة العبور الرئيسة المخصصة لنقل الغاز إلى أوروبا من خلال مسارين، الأول يتعلق بخط أنابيب "تاناب" الذي يمثل البنية التحتية التركية في ممر الغاز الجنوبي، والثاني يتعلق بالبنية التحتية لشركة "بوتاش" المملوكة للدولة واحتياطياتها من الغاز.
وحسب الكثير من الخبراء، فإن القاهرة وأنقرة تسعيان لتكونا الناقل الرئيسي للغاز إلى أوروبا، من خلال التحول إلى مركز إقليمي للطاقة، عبر الاستحواذ على أكبر عدد من منتجي الغاز في إفريقيا ومنطقة شرق المتوسط ضمن قائمة عملائهما، في الوقت الذي تتجه فيه أنظار القارة العجوز إلى تلك المنطقة التي تتمتع بمخزونات هائلة من الغاز، كذلك في ظل البحث الأوروبي عن بديل آمن للغاز الروسي.
كذلك تراهن تركيا، التي تسيطر على قرار حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، على ميزة أفضلية في حالة مرور الخط النيجيري من ليبيا، تتمثل في أن المسافة بين آبار الغاز في نيجيريا نحو الأسواق الأوروبية تقل بألف كلم على الأقل، مقارنة بمشروعي أنبوبي الغاز المارين عبر الأراضي الجزائرية أو المغربية.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد قال في يناير الماضي، أن ضخ الغاز الطبيعي من حقول شرق المتوسط إلى أوروبا لا يمكن أن يتم إلا عبر الأراضي التركية، لافتا إلى إمكانية الحديث مع إسرائيل مجددا في مسألة نقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا، مشيرا أن الجانب الإسرائيلي يبعث رسائل في هذا الشأن إلى تركيا.
قاسم: أنقرة توظف أزمة الطاقة لإعادة إحياء مشروعها بنقل الغاز الطبيعي لأوربا
من جانبه، يقول محمود قاسم، الباحث في برنامج الأمن والدفاع في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، والمتخصص بشؤون الطاقة، أن تركيا تعمل عبر تفاعلاتها في شرق المتوسط على توظيف أزمة الطاقة في إعادة إحياء مشروعها الرامي للعب دور مركزي في نقل الغاز الطبيعي لدول أوروبا، بخاصة في ظل التقارب الروسي التركي في هذا الصدد بعدما اقترح الرئيس الروسي أن تصبح تركيا مركزًا لنقل الغاز الروسي لأوروبا.
وأضاف ان رغبة تركيا في النفاذ لشرق المتوسط عبر البوابة الليبية تهدف للسيطرة أو على الأقل ممارسة دور في عملية نقل الغاز المحتملة من إفريقيا إلى أوروبا عبر ليبيا، على غرار خط الأنابيب المقترح لنقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا مرورًا بليبيا.