قراءة فى الخطاب الداعشى أثناء الاحتفال بأعياد الميلاد
رصدت وحدة اللغة التركية بمرصد الأزهر، الخطاب التحريضي الذي نشرته صفحات التواصل الاجتماعي التابعة لتنظيم داعش الإرهابي، على مدار الأسبوع الأخير من ديسمبر، ضد الاحتفالات بأعياد الميلاد، وهذا أمر غير جديد على هذا التنظيم، ففي نفس الفترة من كل عام، يقوم أفراده بهذه الممارسات، حيث نشرت الصفحات التابعة للتنظيم في 31 ديسمبر الماضي 2022، إصدارًا مرئيًّا "فيديو" مدته 4 دقائق بعنوان: "انتقم".
وهو مقطع تحريضي يحرض التنظيم من خلاله ذئابه المنفردة على القيام بعمليات إرهابية في أثناء الاحتفالات بأعياد الميلاد في الغرب.
وهذا المقطع المرئي عبارة عن خطابٍ تقليديٍ، يشبه إلى حدٍّ كبير خطابات التنظيم القديمة، لم يكن فيه جديد من حيث المحتوى والشكل والأسلوب؛ حيث استخدم التنظيم أساليبه المعتادة والمركبة والتي منها توظيف "خطاب المظلومية" في مقابل "خطاب العنف" و"الدمج" في مقابل "التحريض"، ثم إنهاء المقطع كالعادة بخطاب "يوتوبيا" محفز، وذلك على النحو الآتي:
يقول المتحدث في هذا المقطع: "النصارى يقتلون المسلمين وأطفالهم ونساءهم. ثم يجتمعون ويتضاحكون على دمائهم، ليس هذا عدل". وهذه الفقرة هي خطاب مظلومية واضح، يتبعها خطاب دمجٍ ممزوج بالمظلومية أيضًا يقول فيه: "أخي المسلم! لماذا أختك المسلمة العراقية والشامية تبكي في العيد، وهم يضحكون في عيدهم؟".
وتابع المرصد، أن هذا الدمج وهذه المظلومية يتبع خطاب تحريضي، فيقول: "انتقم، انتقم للدين وللمسلمين، إن العدل أيها المسلم الشجاع أن تخرب أعيادهم. انتقم لإخوانك، تقدم، انغمس، ادهسهم، انثر السم، فَجر، اطعن، بث الرعب فيهم ولو برسالة تهديد". بعد هذا التحريض الواضح يأتي خطاب "يوتوبيا" يقول فيه المتحدث: "اطرق باب الجنة، افعل لا تتردد، يغفر الله لك كل ذنوبك".
الخطاب الداعشي
فهنا نرى منهجية خبيثة في هذا الخطاب الداعشي فالبداية كانت بالمظلومية لاستثارة العواطف ودغدغة المشاعر. وهو ما يفعله التنظيم في بداية معظم مقاطعه، حيث يلجأ إلى المظلومية في البداية حتى يوفر غطاءً لعمل بشع وعنيف قد يستبشعه الناسُ ولا يستوعبونه إذا ذُكر مباشرة ودون تمهيد، وهذا يسمى: "توظيف المظلومية في مقابل العنف". وهذا يدل على ثقة التنظيم الإرهابي بأن ما يُحرض على فعله لا يُرضي أي إنسانٍ يتحلى بأقل قدرٍ من الفطرة الإنسانية التي فطر اللهُ الناسَ عليها، ومن ثم يمهدون بالمظلومية قبل الحديث عما فعلوه أو ينون أن يفعلوه.
ثم يأتي أسلوب "الدمج" بعد المظلومية مباشرة: "أخي المسلم! لماذا أختك المسلمة...." وهذا لإشعار المتلقي بالمسئولية ودمجه بصورة خبيثة مع المتحدث. وبعد الشعور بالمسئولية يأتي التوجيه بالعمل والتنفيذ، انطلاقًا من "البروباجندا التحريضية" التي تهدف إلى نقل المؤيدين من التأييد السلبي إلى الإيجابي، ومن حالة رفض الواقع إلى التمرد عليه: "انتقم لإخوانك، تقدم، انغمس. ادهس...".
وبعد التحريض الذي يحث على العمل والتنفيذ تأتي الـ "يوتوبيا" في النهاية، وقصر دخول الجنة على من ينفذ العمل: "اطرق باب الجنة، افعل لا تتردد، يغفر الله لك كل ذنوبك".
ومما يُلفت النظر في هذا المقطع أيضًا هو عبارة "بُث الرعب فيهم ولو برسالة تهديد"، وهي عبارة خطيرة تؤكد أن إثارة الرعب والفزع بين الناس هو الهدف الأهم للتنظيمات الإرهابية في المجتمعات المستقرة التي لا تستطيع التنظيمات الوصول إليها أو تجنيد عدد كبير من أبنائها، ومن ثم تلجأ هذه التنظيمات إلى نشر الرعب والخوف والشائعات التي تُعد أقوى توظيف سلمي للفكر المتطرف.
كما تؤكد أيضًا على أن التنظيم لا يزال يراهن على آلته الإعلامية، ويعولُ عليها في شن هجماته في الدول المستقرة، ويسعى إلى الاستفادة من المؤيدين له قدر المستطاع، وهو ما يجب رصده والانتباه له فكريًّا وأمنيًّا.