آسف لقتل معظم البشريّة.. جملة ترحيب غامضة تثير الرعب بمعرض للذكاء الاصطناعي
أثارت جملة الترحيب التي تستقبل الزائرين بمعرض للذكاء الاصطناعي، بمتحف "سوء الاصطفاف" Misalignment Museum، الذي يعد أهم معرض مخصص لهذه التقنية المثيرة للجدل في سان فرانسيسكو، قلب الثورة التكنولوجية، حالة من الرعب، في ظل ما يتردد بشكل متنامٍ عن قدرة الإنسان الآلي على بسط سيطرته على البشرية، وتهديده لبقاء البشر، قريبا.
وعندما تدخل المعرض تجد نفسك أمام عبارة ترحيبية تقول: “آسف لقتل معظم البشريّة”، وذلك انطلاقا من الكمبيوتر مبرمج للتعرف إلى ثلاث خصائص لأي فرد يدخل في نطاق رؤيته والإفصاح عنها، مباغتًا الزائرين الذين يجدونه مقلقًا وطريفًا في آن، على غرار معظم الأعمال المعروضة.
وأوضحت مديرة المعرض أودري كيم وهي تضحك "مفهوم المتحف هو أننّا في عالم ما بعد نهاية العالم، حيث قضى الذكاء الاصطناعي على معظم البشر، ثمّ أدرك أن هذا أمر سيّء فاستحدث ما يشبه نصبًا تذكاريًّا لهم، ومن هنا شعار المعرض +آسف لقتل معظم البشرية+".
والذكاء الاصطناعي "العام" هو مفهوم أكثر غموضًا من الذكاء الاصطناعي.
وقالت أودري كيم "إنّه ذكاء اصطناعي قادر على القيام بأيّ شيء يقوم به البشر... وعلى التأثير على نفسه أيضًا... على غرار أداة قادرة على إصلاح نفسها"، وذلك من خلال تجهيز الآلات بقدرات معرفية بشرية.
وتزخر سان فرانسيسكو وتحديدًا سيليكون فالي بالشركات الناشئة المتخصصة في ابتكار مختلف أصناف الذكاء الاصطناعي، ويحلم بعضها بأن يكون من الممكن مستقبلًا التعامل مع آلة كأنما مع شخص.
ولفتت أودري كيم إلى أن هذه الطموحات وهذه الجهود، سواء كانت واقعية أو واهمة، تنطوي على "طاقة تدميرية" قوية.
وهدفها من خلال هذا المعرض المؤقت الذي تأمل أن يصبح دائمًا، هو الحض على التأمّل في المخاطر الحالية والمستقبلية المتأتية عن الذكاء الاصطناعي.
عرضت في وسط القاعة نسخة مقتبسة عن "خلق آدم"، اللوحة الجدارية الشهيرة لمايكل أنجيلو، يرصد فيها ذكاء اصطناعي وهميّ قدما بنسبة يقين 98% وشخصًا بنسبة 84% والله بنسبة 60%.
على مقربة، يعزف بيانو دون عازف بشريّ موسيقى من تأليف برنامج ذكاء اصطناعي مقتبسة عن نمو بكتيريا مزروعة في مختبر.
ومن أعمال أودري كيم المفضّلة في المعرض منحوتة تحمل اسم "عناق بمشابك الورق"، تصوّر مجسّمًا نصفيًّا لشخصين متعانقين، مصنوعا حصرًا من مشابك الورق.
وروت المديرة أن المنحوتة "بإمكانها أن تزداد قوة وترشيدًا حتى بلوغ هدفها الوحيد الأوحد وهو الوصول إلى نقطة تدمّر فيها البشرية جمعاء لتُغرق العالم بمشابك الورق".
وهي تهتم بتطبيقات الذكاء الاصطناعي وبعملية "تلقين الآلة" منذ أن عملت قبل بضع سنوات في شركة "كروز" المتخصصة في السيارات الذاتية القيادة.
وترى أن هذه التكنولوجيا "مذهلة" و"بإمكانها أن تحد من عدد الحوادث الناجمة عن الخطأ البشري"، غير أنها تنطوي كذلك على مخاطر.
وتسارعت الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي العام الماضي مع تطوير البرامج القادرة على توليد كلّ أنواع النصوص والصور بصورة آنية استجابة لطلبات المستخدمين.
وتملك هذه البرامج قدرة على التعبير عن نفسها مثل البشر متطورة إلى حد يمكن أن يخدع، ما جعل مهندس لدى غوغل تم تسريحه لاحقًا يؤكد في الربيع الماضي أن الذكاء الاصطناعي بات له "وعي".
في الوقت الحاضر يثير الذكاء الاصطناعي التوليدي قلقًا معممًا سواء بين الأساتذة الذين يواجهون فروضا أنجزت بواسطة برنامج "شات جي بي تي"، أو الفنانين الذين تستخدم أعمالهم لتوليد بعض النماذج، أو في مهن أخرى.
وعلى صعيد آخر، تكافح جمعيات منذ سنوات ضد انتهاكات الخصوصية مع تقنيات التعرف على الوجه مثلا، وتحيّز الخوارزميات الذي يساهم في استمرارية سبل التمييز القائمة في الواقع، في برمجيّات التوظيف مثلًا.
ويعرف سام ألتمان مؤسس "أوبن إيه آي"، الشركة الناشئة التي أطلقت برنامج "تشات جي بي تي"، عن الذكاء الاصطناعي العام على أنه المرحلة التي "تصبح فيها أنظمة الذكاء الاصطناعي بصورة عامة أكثر ذكاء من البشر".
ويبدو له الوصول إلى هذه المرحلة أمرا حتميّا، ويعتقد أنه إذا ما نظّم بصورة جيدة، فإن هذا التطور "سيرقّي البشرية".
وخصص الطابق السفلي من المعرض لموضوع "الديستوبيا"، ويحتوي على آلة تعمل بواسطة "جي بي تي 3"، النموذج اللغوي خلف برنامج تشات جي بي تي، فتولّد نصوصًا مكتوبة بأحرف متّصلة وفق نماذج شكليّة معينة، تهاجم البشر وتبدي ريبة حيالهم.
بجانبها، يجري حوار متواصل إلى ما لا نهاية بين الفيلسوف سلافوي جيجك والمخرج السينمائي فيرنر هرتزوغ بصوتين فائقي الواقعية مولّدين بواسطة الذكاء الاصطناعي.
ويسلط هذا العمل الضوء على وسائل "التزوير الفائق الواقعيّة" التي تولد مقاطع فيديو أو صورًا أو أصواتًا هدفها التلاعب بالرأي العام.
وفيما تجوب الصالة روبوتات تنظيف تعلوها مكانس من طراز متقادم، تقول أودري كيم "انطلقنا في هذا المشروع قبل خمسة أشهر فقط، ورغم ذلك فإن الكثير من التقنيات المعروضة هنا تبدو الآن شبه بدائية" على ضوء التطور السريع في هذا المجال.