سر الإعلان عن الرحلة إلى جدة قبلها بلحظات قليلة
كواليس زيارة الرئيس السيسى للسعودية في السحور
زيارة مفاجئة خاطفة لم تتعد عدد ساعاتها أصابع اليد الواحدة، دون أي ترتيبات أو جدولة سلفًا، أحدثت الطائرة الرئاسية المصرية التي توجهت إلى جدة وهي تحمل الرئيس السيسي لمقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، منتصف ليل الأحد الماضي، حالة من الترقب والاهتمام الشديد لدى كل المهتمين والمراقبين للأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.
ويرى الخبراء أن تلك الزيارة التي حملت طابع أخوي غير رسمي على الإطلاق، تحمل عدة رسائل مهمة، خاصة وأن توقيتها هام جدًا للجانبين المصري والسعودي لما تشهده المنطقة من تحولات كبيرة على الصعيد السياسي والدبلوماسي والاقتصادي، لا سيما تحسين العلاقات من مصر والسعودية مع سوريا، والاتفاقية التي قاربت وجهات النظر بين طهران والرياض في العاصمة الصينية بكين، وتبني مصر موقف عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
رافق الرئيس السيسي في زيارته اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، كما حضر مسعد بن محمد العيبان مستشار الأمن القومي السعودي، ووزير الدولة عضو مجلس الوزراء الدكتور عصام بن سعد بن سعيد.
وعن سبب عدم الإعلان عن الزيارة من قبلها، علمت «النبأ» من مصادر دبلوماسية، إن الزيارة استمر الترتيب لها حتى صباح يومها فكان من المقرر أن يلتقي الرئيس المصري ورئيس وزراء السعودية على مأدبة إفطار إلا أن الترتيبات بين الجانبين توصلت إلى إرجاء الزيارة ساعات معدودة لتتم منتصف الليل شملت مائدة سحور.
كواليس رغبة الرياض فى استبعاد الإعلاميين المصريين المتورطين فى الإساءة للمملكة
الرسالة الأولى
وحسب المصادر، تحمل الزيارة أولى رسائلها، وهي رغبة الرئيس السيسي في تنقية الأجواء مع المملكة السعودية الشقيقة، خاصة بعد التراشق الإعلامي الذي شهدته بعض الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي خلال الشهور القليلة الماضية؛ ليؤكد أن العلاقة بين البلدين تسير في إطارها الطبيعي وما حدث لا يؤثر مُطلقًا على العلاقات الثنائية الراسخة.
وعلمت «النبأ» أن المملكة العربية السعودية ترغب في استبعاد الإعلاميين المتورطين في الإساءة للمملكة وتسخين الأمور بين الجانبين.
ويبدو أن هذا الطلب قوبل بتفهم من الجانب المصري بعدما أكد الرئيس السيسي تقديره للعلاقات الطيبة مع الدول الأشقاء، مطالبًا بعدم الانسياق وراء الفتن؛ ما يدلل على تفهم القيادة السياسية المصرية غضب الأشقاء من بعض المقالات المسيئة.
3
مليارات دولار متوقع تقديمها إلى مصر كدعم للاقتصاد المحلي من المملكة العربية السعودية حسب مصادر دبلوماسية
أهم الملفات المطروحة
وشملت المباحثات بين الرئيس السيسي وولي العهد السعودي، عدد من الملفات أبرزها قضية عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، وآخر تطورات القضية الفلسطينية، وسبل تطوير العلاقات «المصرية - السعودية» على كافة الأصعدة الدبلوماسية والإقليمية والاقتصادية، علاوة على القمة العربية المرتقبة في مايو المقبل بالمملكة، والتي تتطلب المزيد من التنسيق بين الجانبين.
وتضمنت المباحثات عدة ملفات، جاء على رأسها دور مصر في حسم ملف إعادة سوريا للجامعة العربية في القمة المقبلة، علاوة على رغبة الرياض في استضافة كل المراكز الرئيسية لمنتدى البحر الأحمر بدلًا من القاهرة، وسرعة إنهاء إجراءات تسليم جزيرتي تيران وصنافير خاصة أن هذا الملف شهد تأخيرا في استكمال الإجراءات بسبب التحفظ على بعض الأمور الفنية.
وشهد الحديث سبل تطوير الوضع الاقتصادي بين الجانبين والاستثمارات السعودية في مصر، ليتم التوافق على تقديم المملكة دعمًا اقتصاديًا يصل إلى 3 مليارات دولار.
9.5
مليار دولار قيمة التبادل التجاري بين مصر والسعودية خلال الـ11 شهرًا الأولى من عام 2022 مقابل 7.9 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2021
أكبر شريك تجاري
وتُعد مصر أكبر شريك تجاري عربي للمملكة العربية السعودية، كما أن المملكة تُعد من أكبر المستثمرين الأجانب في مصر.
وكشفت إحصائيات رسمية ارتفاع قيمة التبادل التجاري بين مصر والسعودية لتصل إلى 9.5 مليار دولار خلال الـ11 شهرًا الأولى من عام 2022، مقابل 7.9 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 19.1%.
وسجلت قيمة الصادرات المصرية للسعودية 2.2 مليار دولار خلال الـ11 شهرًا الأولى من عام 2022 مقابل 2 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 7.5%، وبلغت قيمة الواردات المصرية من السعودية 7.3 مليار دولار خلال الـ11 شهرًا الأولى من عام 2022 مقابل 5.9 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 23.2% -حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء-.
أسرار انتهاج القاهرة والرياض استراتيجية «زيرو خلافات» قبل انطلاق القمة العربية
وتسهم المملكة العربية السعودية في تعزيز جهود مصر التنموية من خلال الدعم الذي تقدمه عبر الصندوق السعودي للتنمية، إذ بلغت قيمة مساهمات الصندوق 8846.61 مليون ريال لـ32 مشروعًا في قطاعات حيوية لتطويرها وتمويلها.
استراتيجية «زيرو خلافات»
ويبدو أن استراتيجية الـ«زيرو خلافات» كانت جالية في القمة الثنائية بين الرئيس السيسي والأمير محمد بن سلمان، لرغبتها القوية في «تصفير الأزمات» وحل كافة الخلافات بين الدول العربية والمنطقة وهو ما سينطلق فعليًا بالقمة العربية المرتقبة في الرياض.
ومن جانبه يرى الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن زيارة الرئيس السيسي إلى السعودية متعلقة بعدد من الملفات فى ظل التغييرات التي حدثت في المنطقة فيما يتعلق بالشأن السوري أو الملف الإيراني.
وأضاف «فهمي» أنه كان من الضروري التنسيق بين مصر والسعودية على آليات الانفتاح على إيران، وتوحيد الرؤى حول مستوى الأمن القومي للخليج، وملف البحر الأحمر.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية، أن السعودية أظهرت تجاوبًا كبيرًا ورغبة في ضخ استثمارات جديدة في مصر.
جبهة عربية موحدة
والتقط أطراف الحديث، السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، قائلًا إن الزيارة جيدة للغاية وتشهد التشاور بين الجانبين بشأن حل المشكلات وبحث التطورات على الصعيدين العالمي والإقليمي.
وأضاف «بيومي» أن الزيارة جاءت في توقيت هام للغاية لبحث عودة العلاقات السعودية مع طهران، لا سيما القضية الفلسطينية، معقبًا: «كل هذا جيد ويأتي في سياق خلق جبهة عربية موحدة لمواجهة تلك التطورات».
فيما يقول السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن توقيت الزيارة غاية في الأهمية قبل انطلاق القمة العربية للتنسيق والتشاور.
وأضاف أن المنطقة تشهد متغيرات ومحاولة إزالة التوتر بين العلاقات العربية الإيرانية، وهو ما ينظر إلى تأثيره على الأزمات السورية واللبنانية واليمنية، وكذلك التقارب العربي التركي، الذي ينظر إلى تأثيره على الأزمة الليبية، وهو ما يحتاج تنسيقًا عربيًا جادًا.
حجر الزاوية في العالم العربي
وفي سياق متصل، يرى المفكر السياسي الدكتور عبد المنعم سعيد، عضو مجلس الشيوخ، أن الزيارة نجحت في محو الشكوك والشائعات حول العلاقات المصرية الخليجية، وأغلقت الباب أمام شائعات جماعة الإخوان عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول العلاقة بين مصر والمملكة.
وأضاف أن الزيارة تأتي بعد أمور تغيرات عدة حدثت جاء في مقدمتها، الاتفاق السعودي الإيراني، وكذلك المحادثات المصرية التركية، ومؤخرًا المحادثات المصرية السورية، والتفاعل الذي جرى أثناء فترة الزلازل التي ضربت سوريا وتركيا من قبل مصر والسعودية ودول الخليج على سبيل المساعدة الكبيرة، بغض النظر عن العلاقات السياسية أو التقييمات المختلفة في الواقع الحالي.
وأضاف عضو مجلس الشيوخ: «من المعروف أن مصر والسعودية هما حجر الزاوية في العالم العربي؛ بحكم الجوار الجغرافي ورابطة البحر الأحمر والرابطة التاريخية، وينظر لقاء اليوم في أمور كثيرة ليس فقط ما فات منها ولكن ما سوف يأتي».
وتابع: «المرحلة المقبلة تحتاج إلى درجة كبيرة من التنسيق بين دول الإصلاح العربي الأساسية، لتحديد رؤيتها فيما يتعلق بتحقيق استقرار إقليمي ينبع من المنطقة».
ولفت إلى أن هناك متغيرات كبيرة تجري في المنطقة؛ فهناك حضور روسي وأمريكي وصيني كبير، وتحركات كبيرة في دول الجوار الإقليمي، وهي أمور تحتاج إلى البحث والتنسيق والتدعيم؛ نظرًا إلى أن التحركات المقبلة من قبل الطرفين سوف تكون بالغة الأهمية.