مؤامرة ضرب العلاقات المصرية الخليجية..
حرب «بارونات الإعلام» تشعل أزمة مصرية خليجية بسبب المساعدات المالية
يبدو أن أزمة خفية تلوح في الأفق بين الأشقاء العرب الثلاثة (مصر - السعودية - الكويت)، دون وضوح السبب الرئيسي ورائها، هبت نسائمها بغياب المملكة العربية السعودية والكويت عن «قمة أبو ظبي» العاجلة التي استضافتها دولة الإمارات العربية المتحدة في 19 من شهر يناير الماضي.
والتقى الرئيس السيسي، وقتها أمير قطر وملك البحرين وسلطان عمان وملك الأردن؛ لبحث الحلول ووضع خطط لمواجهة الأزمة الاقتصادية، وهي قمة تشاورية لتعزيز العلاقات بين دول الإخوة المشاركين وسبل وبحث مسارات التعاون والتنسيق المشترك في جميع المجالات.
إحصائية: 28 مليار دولار إجمالي المبالغ المالية التي أودعتها دول الخليج الحليفة لمصر لدى البنك المركزي المصري
بداية الهجوم على مصر
واشتد الحديث عن وجود أزمة غير واضحة بين البلاد الثلاث، بخروج تغريدات عبر موقع «تويتر» منسوبة للكاتب السعودي تركي الحمد، المقرب من دوائر صناعة القرار في المملكة العربية السعودية، مهاجمًا مصر متطرقًا بحديثه إلى الوضع السياسي والاقتصادي المصري.
وقال «الحمد» في تغريداته، إن مصر بواقعها الحالي هي مصر البطالة والأزمات، موجهًا إساءات إلى أجهزة الدولة المصرية والقوات المسلحة -حسبما ورد في تغريدته-، إضافة إلى ما سماها بـ«البيروقراطية المصرية الهرمة المقاومة للتغيير».
قصة التغريدة المسيئة لـ«القاهرة» من كاتب مقرب من صناع القرار فى الرياض
وأضاف أن شيخوخة البيروقراطية المصرية تقاوم التغيير وتشكل حجر عثرة أمام الاستثمار الاقتصادي الناجح سواء الداخلي أو الخارجي على الرغم من أن مصر كنز من الفرص الاستثمارية.
وأضاف «الحمد»، أن هناك ثقافة شعبية خاضعة في مصر حيث ينتظر الجميع أن يأتي كل شيء من القمة مع غياب شبه كامل لمبادرة مجتمعية مستقلة -على حد وصفه-.
أسرار بدء «التلاسن الإعلامى» بمقال كاتب مصرى توقع احتلال تركى إيرانى لدول الخليج
ابتزاز عماد أديب
وقبل تغريدات الكاتب السعودي تركي الحمد، بـ6 أشهر، فوجئت دوائر صنع القرار في الخليج، بقيام الكاتب عماد الدين أديب، بنشر مقالًا له بعنوان «مصر: من يعوض الفاتورة المؤلمة للحرب الروسية الأوكرانية»، فُسر على أنه ابتزاز واضح لدول الخليج.
وحذر «أديب» في مقاله دول الخليج من تسلل دول شرق أوسطية غير عربية -في إشارة إلى تركيا وإيران- إلى المنطقة العربية بسبب غياب الدور الخليجي في دعم مصر؛ ليرد «تركي الحمد» عليه قائلًا: «كان المفروض على هذا الكاتب أن يتساءل، ولماذا لا تستطيع بلاده حل أزماتها المزمنة بنفسها بدل أن تصبح عالة على هذا وذاك».
لغز طلب شركة أرامكو السعودية مديونيات قديمة على مصر بعد مرور 5 سنوات
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل دخل على الخط الكاتب السعودي والأكاديمي خالد الدخيل، محللًا الوضع الداخلي المصري في تغريدة له، اعتبرها البعض إنها إساءة واضحة وتدخل في الشأن المصري.
فاتورة ديون قديمة
وتشير المعلومات المتاحة، إلى أن الحكومة المصرية فوجئت خلال الأسابيع القليلة الماضية بطلب شركة أرامكو السعودية للنفط، سداد الديون المستحقة على مصر الخاصة بشحنات نفط وصلت إلى القاهرة على مدار الخمس سنوات الأخيرة.
كواليس تصدع الخلاف الخفى بين القاهرة والرياض بعد تصريحات وزير المالية السعودى
وتكشف البيانات الرسمية المتداولة، أن إجمالي المبالغ المالية التي أودعتها دول الخليج الحليفة لمصر 28 مليار دولار لدى البنك المركزي المصري.
وعلى خط الأزمة، خرج وزير المالية السعودي محمد الجدعان، أثناء مشاركته بمنتدى دافوس الاقتصادي، بتصريحات تلمح إلى وجود احتقان بين البلدين دون الإشارة بشكل واضح إلى مصر، مؤكدًا أن بلاده ترفض دفع المزيد من المساعدات أو المنح المالية إلى حلفائها دون أن تنفذ تلك الدول إصلاحات اقتصادية.
وأوضح «الجدعان» خلال حلقة نقاشية جمعته بمديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، أن السعودية ستواصل دعم مصر، ليس بشكل مباشر من خلال المنح والودائع فحسب، بل من خلال الاستثمارات.
ولفت إلى أنه حتى الآن لم يتم استثمار سوى 1.3 مليار دولار من الاستثمارات التي تعهدت بها السعودية، عندما استحوذت وحدة صندوق الاستثمارات العامة على حصص مملوكة للدولة في أربع شركات مصرية مدرجة في البورصة.
الكويت على خط الأزمة
وبالتزامن مع تلك التصريحات، خرج النائب أسامة الشاهين، أمين سر مجلس الأمة الكويتي، رافضًا ضخ أي أموال كويتية جديدة سواء على شكل منح أو قروض لدى البنك المركزي المصري.
وقال «الشاهين»: «أحذر الحكومة من الانصياع إلى صندوق النقد الدولي، طلب تمويل مصر بـ14 مليار دولار مرفوض».
وأضاف: «لما كان للمال العام حرمة شرعية ودستورية وقسم أقسمنا على حمايته، أحذر الحكومة من الانصياع لتوجيهات أو أوامر صندوق النقد الدولي الضارة بالمال العام وغير المنسجمة مع إرادة الشعب وممثليه باستعادة أموال الشعب المعطلة والمركونة هناك».
وكان صندوق النقد الدولي، طالب من وصفهم بـ«حلفاء مصر الخليجيين» بالوفاء بتعهداتهم الاستثمارية والتي تبلغ مليارات الدولارات في مصر، والتي ستكون مقابل حصص بأصول وشركات مصرية، في مواعيدها المحددة، لضمان أن تغطي الدولة فجوة التمويل الخارجي في السنوات المقبلة.
ووصف صندوق النقد الاستثمارات من دول الخليج العربية بأنها جزء مهم من استراتيجية تمويل البرنامج.
صفر كبير
وفي السياق ذاته، هاجم نشأت الديهي، تركي الحمد، قائلًا في تصريحات تليفزيونية: «أنت مالك ومال مصر».
وأضاف: «أنا بقول لتركي الحمد وأمثاله عيب، من أنت لكي تتحدث عن تاريخ مصر، مصر باقية، هذه الدولة خلقت لتبقى، وحديث تركي الحمد عبارة عن صفر كبير».
فريدى البياضى: العلاقات المصرية الكويتية قوية سواء بالمساعدات أو من غيرها
أزمة مقال الجمهورية
وبعدها بساعات قليلة، نشر عبد الرازق توفيق، رئيس تحرير جريدة الجمهورية القومية، مقال رأي بعنوان «الأشجار المثمرة وحجارة اللئام والأندال» مهاجمًا التصريحات الخليجية الأخيرة، وهو ما أغضب دوائر صناعة القرار في الدول الشقيقة ليتم حذف المقال بعد ذلك ونشر جريدة الجمهورية اعتذار عما نسب للسعودية في مقال رئيس التحرير.
واستنكر النائب فريدي البياضي، ما يحدث من تراشق بين الإعلاميين المصريين والسعوديين، معقبًا: «ما يحدث لا يجوز وصفه إلا بالشرشحة والتلقيح من الطرفين، لا يمكن وصف أي من البلدين بأنها صاحبة فضل على الأخرى، فمصر والسعودية بلدان عظيمتان وكل منهما ساعدت وتساعد الأخرى في مراحل وفي مواقف مختلفة، والعلاقات بينهما تاريخية ووثيقة واستراتيجية».
وعن تصريحات أمين سر البرلمان الكويتي، قال «البياضي» إنه يتفهم الغضب الذي نجم عن هذا الحديث، متابعًا: «لو فكرنا بموضوعية لوجدنا أن الرجل من حقه أن يحافظ على موارد بلاده، ومصر بها فرص استثمارات كثيرة يمكن للكويت أو غيرها أن تفيد وتستفيد منها».
وأضاف: «سواء استثمرت الكويت في مصر أو لم تقم بذلك، تبقى العلاقات المصرية الكويتية على المستوى الشعبي والحكومي هامة وقوية».
رئيس لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان يكشف خطة الحكومة فى حالة طلب الدول الحليفة ودائع البنك المركزى
شكر الأشقاء
من جانبه يرى الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أنه لا بد أن يتم توجيه الشكر للأشقاء العرب على المساندة والدعم طوال الوقت وعدم الالتفات سوى للمستوى الرسمي ومواقف قادة الدول الشقيقة.
وأشار إلى أن البعض قد يتحدث على المستوى الغير رسمي ولكن هذا مجرد رأي لا يعتد به كموقف رسمي.
وأكد «الفقي» في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن وزير المالية السعودي تحدث بشكل غير مباشر ولم يذكر اسم مصر، مشيرًا إلى أن المساعدات الخليجية عبارة عن ودائع تضاف إلى احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي؛ لاحتياج مصر لسيولة مالية.
وتابع: «إذا تحتاج الدولة الشقيقة الوديعة يتم المبادلة بحقوق ملكية وأسهم في شركات وكل الدول تفعل ذلك ولا توجد أزمة»، معقبًا: «هي ودائع محددة بمدد زمنية ويتم تجديدها عند الاستحقاق وذلك يتم بالتراضي بعد اتفاق قادة الدول، وإذا احتاجت الدولة الشقيقة المجاورة رد الوديعة هذا من حقه، ووقتها يتم طرح فكرة المبادلة بحيث يتم مبادلة الودائع بشراء سندات مقابل لها بدلًا من رد الودائع».
ولفت رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إلى أن تلك الودائع تضاف للدين العام، وهي جزء من الاحتياطي ويخفف الضغوط على سعر الصرف ويعطي نوع من الثقة في الاقتصاد المحلي ويساعد في استقرار قيمة العملة وسعر الصرف.
وأضاف: «ومن حقي التجديد باتفاق الأطراف، ولكن حين يأتي الاستحقاق لا بد من السداد أو إجراء المبادلة، والاحتياطي 34 مليار يكون موقف الاقتصاد مختلف تمامًا عن إذا كان 10 مليار، والاحتياطي إذا أصبح يغطي 3 أشهر واردات دا حد الخطر، ولكن في مصر يغطي 5.4 واردات بما فيهم تلك الودائع، مستبعدًا فكرة استخدام تلك الودائع الخليجية في أي مشروعات قومية يتم تنفيذها حاليًا».
وحول فكرة استثمار تلك الودائع الخليجية في المشروعات القومية، نفى رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب الأمر تمامًا، لافتًا إلى أنها ودائع ترد لأصحابها حال الاستحقاق ويتم تجديدها كل عام ولا يمكن استثمارها في مشروعات طويلة الأجل.
وعن لجوء دول الخليج إلى الاستثمار المباشر بشراء الأصول بدلًا من الودائع، قال الدكتور فخري الفقي لـ«النبأ»، إنه أمر طبيعي وصحي للاقتصاد المصري، مؤكدًا أن مصر لديها قوة استهلاكية ضخمة وهو ما يُعد ميزة لأي مستثمر أجنبي.
إحصائية: 79 نشاطًا تسعى الحكومة للخروج منه نهائيًا وفقًا لما نصت عليه وثيقة سياسة ملكية الدولة لفتح الباب أمام المستثمرين
وتابع «الفقي»: «الشركات مطروحة لمن يريد الشراء سوء مصريين أو أصحاب جنسيات أخرى، والاستثمارات الخليجية عبارة عن شراء أصول كما حدث في شركة إي فاينانس شراء مباشر ودفعوا ثمن تلك الأصول، كمان قاموا بشراء حصص أقلية في 5 فنادق عن طريق الشركة القابضة، وكذلك الاستثمارات في بعض الموانئ وشركة وطنية لمحطات وقود السيارات، بالإضافة إلى وجود نية لبيع شركة صافي لتعبئة المياه التابع لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، كما سيتم طرح أسهم بنك القاهرة في البورصة لمن يريد».
وأضاف رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن هذا تخارج طبيعي للحكومة تمامًا من جميع استثماراتها وملكياتها في حوالى 79 نشاطًا في القطاعات المختلفة كما نصت وثيقة سياسة ملكية الدولة؛ لفتح الباب أمام المستثمرين.
مدير مركز الدراسات الاستراتيجية: صراعات المنطقة لن تسمح بوجود خلاف مصرى سعودى
علاقة خاصة
من جانبه يرى الدكتور سعد الزنط مدير مركز الدراسات الاستراتيجية، أن العلاقة بين مصر والمملكة العربية السعودية خاصة ولا تؤثر فيها أي شوائب كما حدث من بعض المسئولين والإعلاميين.
ووصف «الزنط» ما يحدث بأنه «تلاسن إعلامي» لا يجب أن يحدث أو يكون، مؤكدًا أن السعودية ليست جهة تمويل دولية مثل صندوق النقد الدولي.
وأشار الدكتور سعد الزنط، إلى أن هناك فارق كبير بين الاقتراض من صندوق النقد الدولي وبين تلقي مساعدات من دولة حليفة وشقيقة، لافتًا إلى أن الخلط السعودي لتلك الأمور قد يتسبب في مشكلة بين البلدين.
وأوضح مدير مركز الدراسات الاستراتيجية، أن تصريحات وزير المالية السعودي في منتدى دافوس غير مقبولة وتعد تدخلًا في الشأن المصري الداخلي، متابعًا: «القاهرة قدمت مساعدات تاريخيًا للرياض ولم تسأل أين تصرف تلك الأموال المصرية».
وتابع: «مساعدات طبية وتعليمية ومالية تاريخية مصرية للسعودية، وقتها لم نطالب بمعرفة كيفية توزيع الغذاء والدواء والمال المصري الموجهة للمملكة».
«الزنط» الاحتقان المصرى الخليجى سيعالج سريعًا داخل الغرف المغلقة.. والقاهرة لا ينافسها أحد
وأكد الدكتور سعد الزنط، أن هناك مشكلات في مصر ولكن ذلك لا يعني التدخل وتوجيه إملاءات للحكومة المصرية، موضحًا أن مصر قادرة على إدارة شؤونها الاقتصادية والسياسية داخليا دون إملاءات من أحد.
وأضاف «الزنط» أن القاهرة كانت ولا تزال قاطرة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، معقبًا: «لا ينافسها أحد وعلى الجميع فهم ذلك وإعادة تقدير موقفه».
وشدد مدير مركز الدراسات الاستراتيجية، على أن الأزمة بين البلدين ستنتهي قريبًا، نتيجة ظروف المنطقة والعالم السياسية والاقتصادية والأمنية، لافتًا إلى أن الاحتقان الواقع حاليًا سيتم علاجه داخل الغرف المغلقة في أسرع وقت.
وأشار إلى أن طبيعة الصراعات التي تشهدها المنطقة والعالم لن تسمح باستمرار الخلاف المصري السعودي، وما قد يترتب عليه من نتائج وخيمة.
وأوضح «الزنط» أن مصر والسعودية حريصتان على عودة العلاقات لطبيعتها، حتى لا تتدخل دول أخرى في شؤون المنطقة.