روشتة إسلامية لإدارة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية
يواجه المجتمع المصري العديد من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، ويعيش الملايين من المصريين حالة من عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي نتيجة الأزمات العديدة التي يتعرض لها، وفي هذا التقرير نستعرض بحث إسلامي صادر عن الأزهر الشريف، تناول خلاله المنهج النبوي في إدارة الإزمات الاقتصادية والاجتماعية لتكون منبرا وتجربة حية للحكومة للاستفادة منها.
وعن الحل النبوي للأزمة الاقتصادية، استعرضت الدراسة الأزهرية، أن الرسول وضع حلولا أساسية لمجابهة الفقر وتردي الأوضاع الاقتصادية، عن طريق تمكين القادرين على العمل بتوفير فرص العمل لهم، وحيث إن التكيف مع العمل الزراعي السائد في المدينة يتطلب مدة زمنية من حيث الإعداد، أو طول مدة الدورة الإنتاجية الزراعية، كان لا بد من إيجاد مكان ملائم لعمل المهاجرين السائد وهو التجارة، لذلك كان لا بد من البحث عن سوق ينشط فيه تجار المسلمين وعمالهم، وحرص الإسلام منذ أن ركز أسسه في المدينة المنورة على توفير هذا المكان.
كان سوق المدينة يقام في حي بني قينقاع وهم من اليهود، وقد غلبت عليهم طبيعتهم حيث كانوا يفرضون خراجًا على المتاجرة ويبيعون أماكن في السوق للباعة يتعاملون عليها أو يؤجرونها أو يحتكرونها لأنفسهم، وبالتالي كانت لهم السيادة على هذا السوق إضافة إلى المعاملات الربوية السائدة في السوق.
ومن هنا كانت الخطوات الرئيسة في حل الأزمة، من خلال اتخاذ القرار المناسب في التعامل بالسوق، فالظروف السائدة على وفق مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، تبيح الدخول في السوق اليهودية، وبالتالي الخضوع لقوانينهم والتبعية لهم، إلا أن الدين الإسلامي الحنيف قال كلمته الفصل في هذه القضية، فـقد قرر الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- إنشاء سوق جديدة لا تبعد كثيرًا عن سوق بني قينقاع، فضربت قبة كبيرة رمزًا وعلامة يتجمع فيها المسلمون للاتجار فيها، فاغتاظ اليهود من ذلك، وتجرأ عدو الله كعب بن الأشرف على هدم القبة وتقويضها، فكان نجاح الفكر النبوي في إدارة الأزمة، وعدم الانجرار إلى أزمات أخرى والتركيز على الهدف الرئيسي.ق4
فكان من فن إدارة الأزمة التركيز على الهدف الرئيس، وعدم التورط في أحداث جانبية، لذلك نرى حنكة النبي -صلى الله عليه وسلم- في تجاهل فعل ابن الأشرف، ذلك لأنه حديث عهد في المدينة ويريد تفويت الفرصة على من يريدون الاصطياد في الماء العكر، من يهود ومنافقين، والتركيز على الهدف الرئيس وهو معالجة الوضع الاقتصادي للمهاجرين.
وتابعت الدراسة الأزهرية، ولأجل ضمان إدارة الأزمة «إرساء السوق»، لا بد من تحديد القواعد والإجراءات التي ينبغي التعامل بها، لذلك نجد حرصه -صلى الله عليه وسلم- على توفير البيئة الملائمة لعمل السوق، وذلك من خلال، تحريم الاحتكار وتوفير الحرية الاقتصادية لكافة المتعاملين وإعفائهم من الرسوم وتحريم أساليب الغش، وتوفير المعلومات كاملة عن السلع الموجودة في السوق، وتوحيد المكاييل والموازين، وتحريم التعامل الربوي.
ومن الملاحظ أيضا تفوقه -صلى الله عليه وسلم- في حل الأزمة من خلال أساليب لم يعرفها علم الإدارة إلاّ في وقتنا الحاضر، عن طريق تفريغ الأزمة من مضمونها إذ لا يمكن لأزمة أن تنفذ في المنظمة وتؤدي إلى إحداث تأثيرات جوهرية إذا لم يكن اتفاق بين قوى الأزمة على مضمونها.
وتضيف الدراسة: «فالنجاح في إفقاد الأزمة لمضمونها من خلال أساليب كثيرة مثل عقد الرسول تحالفات مع قوى الأزمة اليهود بعارة عن وثيقة موادعة اليهود في المدينة، ومتابعة السوق وتكليف كبار الصحابة بإدارته، كما تفوق -صلى الله عليه وسلم- في تحويل مسار الأزمة عن طريق استيعاب نتائجها والاعتراف بأسبابها ثم التغلب عليها ومعالجة نتائجها، حيث تم تحويل الأزمة من سلبية إلى إيجابية».
وعن الحل الاجتماعي للأزمات التي يعاني منها المجتمع المصري، وكيف وضع النبي الكريم حلولا لها لتكون دليلا للحكومة حاليًا، ذكرت الدراسة أنه كان لا بد من حل سريع لمعالجة الأزمة الاجتماعية التي عانى منها المهاجرون، فكانت الحكمة الإلهية متجسدة في موقف الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- من سَنّه لنظام المؤاخاة، فآخى -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، ونزل في ذلك قول الله تبارك وتعالى: (للفقراء المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ).
وفي الوقت نفسه أوجد النبي صلى الله عليه وسلم حلًا للمشكلات الاجتماعية للمهاجرين والأنصار، حيث أراد -صلى الله عليه وسلم- أن يبدل مفهوم الحليف بنظام أرقى يساوي فيه أتباعه من الفئتين، فكان الغرض من المؤاخاة إرساء القواعد الجديدة للمجتمع الإسلامي والقضاء على النزعة القبلية للإنسان العربي بنظام قائم على أساس الأخوة الإسلامية التي هي أعلى من كل ارتباط، وإبعاد أي فكرة لدى الأنصار بأن الذين قدموا إليهم هم حلفاء للأوس والخزرج، فقد قال ابن حجر العسقلاني: «إن معنى الحلف في الجاهلية معنى الحلف في الإسلام، ولكنه جار في الإسلام على أحكام الدين وحدوده، وحلف الجاهلية جرى على ما كان يتواضعونه بينهم بآرائهم.
ومن هنا كان اختلاف المؤاخاة عن أحلاف الجاهلية، فالمؤاخاة كانت قائمة على الدين وأحكامه وعلى المساواة بين المسلمين، بل تقدمت على الحلف «من حيث إن لها سمة اجتماعية أعمق وتتبعها التزامات مالية إسلاميًا»، والمؤاخاة في هذا الجانب بكونها نظامًا على المساواة بين المتآخين وتقديمها على علاقات النسب والأرحام تؤدي إلى إبعاد فكرة الأحلاف أو معاملة الأنصار للمهاجرين على أنهم حلفاء لهم، حيث أصبحت العلاقات قائمة على المساواة في الحقوق والواجبات، إضافة إلى الأبعاد الاقتصادية التي تضمنها.