تنفيذًا لتعليمات «السيسى»..
كواليس الخطة «B» لحكومة مدبولى لتجنب تعويم الجنيه وتوفير دولارات بالأسواق
تسعى الحكومة المصرية لتنفيذ وعود الرئيس السيسي بعدم الإعلان عن تعويم جديد للجنيه المصري خلال الفترة المقبلة كما يريد صندوق النقد الدولي، وإزاء كلام الرئيس تبحث حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، حاليًا عن وضع حلول سريعة لتوفير موارد دولارية لسد احتياجاتها وتمويل سداد الديون وشراء السلع الأساسية التى يحتاج إليها المواطنين بعيدًا عن تعويم الجنيه خلال الفترة المقبلة.
وتدرس الحكومة عددا من السيناريوهات قدمتها وزارة المالية والبنك المركزى لتوفير مصادر اقتصادية لتوفير الدولار بعيد عن التعويم، وفي حالة فشل الحكومة فلن يكون أمامها سوى اللجوء إلى التعويم.
وفي هذا الإطار حصلت «النبأ» على معلومات غاية في الأهمية من داخل اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، حيث كشفت المصادر أن وزارة المالية قدمت عددا من المقترحات الهامة لتكون مصادر فعالة لتوفير الدولارات داخل البنك المركزي والسوق لتلبية احتياجات شراء السلع بجانب سداد الالتزمات والديون الخارجية لمصر بعد تحرير سعر الصرف من جديد.
أول التحركات الحكومية في هذا الأمر هو زيادة التقارب المصري الهندي عن طريق استخدام الروبية في التبادل التجاري مع الهند بدلًا من الدولار، إلى جانب عدد من الدول الإفريقية، في إطار مساعي تدويل العملة الهندية، حيث بلغ حجم استيراد الهند للبضائع من مصر بقيمة 3.5 مليار دولار.
كذلك تحرك مصر نحو الانضمام لبنك التنمية التابع لتجمع «بريكس» الذي يعتبر من أهم التجمعات الاقتصادية في العالم، والذي يستحوذ على حصة هامة للغاية من الاقتصاد العالمي، ويضم «بريكس» قيادات دول متعددة، منها الدولة المؤسسة البرازيل، وأمريكا اللاتينية وجنوب إفريقيا، بالإضافة لدول جنوب شرق آسيا مثل الصين والهند وغيرها من الدول الهامة.
وانضمام مصر لـ«بريكس» كان أمرًا ضروريًا للاستفادة منه بشكل كبير في التبادل التجاري بين مصر والدول الأعضاء، أو حجم الاستثمارات المتدفقة بينهما، وحجم التدفق السياحي أيضًا، لأن مصر تشارك في خطوات هامة للغاية في قطاع السياحة في الفترات الأخيرة وتمنح الكثير من التسهيلات لجذب السياحة لتصل إلى 30 مليون سائح خلال 5 أعوام وصولًا لعام 2028.
وتجمع «بريكس» يضم ما يقارب ثلث سكان العالم، ويعتبر مؤسسة مالية تمويلية، يضم رأس مال يصل لـ100 مليار دولار مجمع من دول الأعضاء ومرشح له الزيادة خلال الفترة القادمة، من خلال الدول التي تم إضافتها مؤخرًا ومن بينهم دولة الإمارات المتحدة.
وتجمع «بريكس» الآن بصدد أن يكون بنك له أذرع تمويلية على مستوى العالم، يملك رأس مال ضخما يتيح له منح الكثير من التمويلات، ولعب دور كبير على مستوي الاقتصاد الدولي، ودخول مصر هذه المجموعة بداية لانطلاقة اقتصادية جديدة.
ووفقا لخطة حكومة مدبولي للسيطرة على سعر الدولار مقابل الجنيه، كان قرار البنك المركزى بحظر استخدام الكروت مسبقة الدفع فى عمليات السحب من الخارج والشراء أون لاين من الخارج، حتى تحكم الحكومة قبضتها على كل دولار يتم إنفاقه، ومنعًا للتلاعب فى سعر الدولار، كما تم فى أعقاب صدور قرار تحرير سعر الصرف الأخير.
كما تسعى الحكومة لطرح عدد من الشركات المملوكة للدولة فى البورصة فى إطار برنامج الطروحات ومشاركة القطاع الخاص، خاصة الصناديق الاستثمارية العربية لتمويل 2 مليار دولار تحتاجها الحكومة خلال أيام لسداد التزاماتها.
وفى إطار توفير الموارد الدولارية التى تجنب الدولة اتخاذ قرار تحرير الصرف خلال الأيام المقبلة، باعت وزارة المالية مؤخرا أذون خزانة بقيمة 554.1 مليون دولار بعائد 5.1% سنويًا عقب قبولها 18 عرضا تستحق في 4 يونيو 2024، من إجمالي 21 عرضًا بفائدة وصلت إلى 6%.
وبلغت إجمالي الطروحات الدولارية 3.477 مليار دولار وبفائدة 5.14% وهى الأعلى خلال العام، وتلقت وزارة المالية نحو 21 عرضا لشراء أذون خزانة بالدولار بقيمة 644.1 مليون دولار بعائد تراوح من 5.14% كحد أدنى ونحو 6% كحد أقصى بمتوسط 5.2%.
كما حصلت مصر على وديعة بقيمة مليار دولار إضافية من قطر، وأخرى بقيمة 700 مليون دولار.
كما تعتزم مصر زيادة صادراتها البترولية 17% خلال العام الجارى للوصول إلى 21 مليار دولار، على أن تزيد بنفس النسبة فى 2024 إلى حوالى 24 مليار دولار.
ووفقا لخطة توفير الدولارات، فإن مصر تسعى لزيادة إيراداتها من السياحة خلال الفترة المقبلة لتأمين احتياجاتها من العملة الصعبة، حيث تسعى الحكومة لوصول إيرادات السياحة من العام الحالي نحو 13 مليار دولار بزيادة 3 مليارات دولار عن العام الماضي.
من جانبه قال الدكتور إبراهيم صالح الخبير الاقتصادي، إن مصر لن تستطيع الصمود لفترة كبيرة مع عدم حدوث تعويم جديد للجنيه، خاصة وأن المؤشرات العالمية الاقتصادية تؤكد أن الوضع خلال الشهور المقبلة لن يكون خيرا على الاقتصاد العالمي بشكل عام، لافتًا إلى أنه من المتوقع حدوث ارتفاع كبير للأسعار وتراجع مخزون الدولارات في دول بمنطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها مصر، وبالتالى سعي الحكومة نحو رفض تعويم جديد لن يدوم بشكل كبير خاصة وأن الخطة التي تسعى الحكومة لتوفير الدولارات خلال الفترة المقبلة غير مؤكدة التنفيذ.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن الحكومة تواجه العديد من الأزمات الاقتصادية الهامة تقف أمامها عاجزة مثل ارتفاع المعدل السنوى للتضخم الأساسى وفقًا لمؤشراته ليبلغ 40.3% فى مايو 2023 مقابل 38.6% فى أبريل 2023، بجانب صدور تقارير اقتصادية أجنبية تؤكد تعثر مصر فى سداد مدفوعات وارداتها من القمح المستورد، رغم نفي الحكومة ذلك وهو ما يثير المخاوف عن حدوث أزمات أخرى في سداد مديونات مصر من سلع أخرى.
وتوقع «صالح» صدور تعويم جديد للجنيه لا محالة قبل شهر أكتوبر المقبل في حالة فشل الحكومة في توفير التزاماتها لسداد الديون الخارجية وشراء السلع بجانب حل أزمة نقص الدولار بالأسواق، معقبًا: «الحلول المقترحة من الحكومة طويلة الأجل في التنفيذ وليس سريع المردود خاصة فيما يتعلق بزيادة إيرادات السياحة الدولارية، وزيادة التعاون مع الدول الأخرى.
من جانبه أكد الدكتور محمود الشريف الخبير الاقتصادي، أن المشكلات الحالية في مصر هي مشكلات تراكمية، وتعمل الدولة على حلها بشكل تدريجي، وتتباطؤ هذه الإجراءات نتيجة العوامل الخارجية التي تؤثر على ذلك مثل الأزمات والحروب والزيادة السكانية، وحل أزمات توفير السلع والأعلاف وغيرها من المنتجات لن تحدث في يوم وليلة، ومسألة التصنيع تبدأ بشكل تدريجي وهناك شواهد عديدة على تقدم إجراءات الدولة نحو توفير حياة كريمة للمصريين.
وأشار إلى أن قرار منع التعويم للجنيه ليس في يد مصر نهائيًا، خاصة وأنه أحد أهم مطالب صندوق النقد الدولى لمصر، وعلى أساسه حصلت مصر على قروض الصندوق، ولكن حديث الرئيس عن عدم حدوث تعويم يضر بالمواطن مهما كان طلبات الصندوق أعطى ارتياحية للشعب.
وتابع: «ولكن هذا لا يمنع حدوث تعويم نهائيًا للجنيه، فالأمر له تداعيات دولية، وقد يرفض النقد الدولى استكمال صرف باقي القروض المتفق عليها، خاصة وأن مصر لم تحصل عليه كاملا، كما أن النقد الدولي لن يعطي لمصر قروضا جديدة بحجة أنها غير ملتزمة بالاتفاقات، بجانب أن عدم تنفيذ مطالب النقد الدولي لا يصب في صالح مصر مستقبلا، ويعد إخلال بالاتفاق الموقع بين الطرفين للحصول على القرض الخارجي والتي كان أهمها حدوث تعويم للجنيه ليس لمرة واحدة».