رئيس التحرير
خالد مهران

تعذيب حتى الموت وانتحار النزلاء..

«النبأ» تقتحم العالم الخفي لمراكز علاج الإدمان «غير المرخصة»

مراكز علاج الإدمان
مراكز علاج الإدمان

توجد في مصر العديد من مراكز علاج الإدمان الغير مرخصة، الأمر الذي ينذر بالكثير من المخاطر الصحية بين المرضى من متعاطي المخدرات المترددين على هذه المراكز باحثين عن أمل في التعافي من الإدمان، فضلًا عن ارتكاب القائمين عليها العديد من الجرائم ضد المرضى، لافتقادهم الخبرة الكافية في كيفية التعامل مع هؤلاء المرضى، بالإضافة إلى سوء المعاملة وتعرضهم لوصلات من التعذيب.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تستعين بعض المراكز بأدوية يتم جلبها بطرق غير مشروعة من السوق السوداء، من جانبها قامت «النبأ» باقتحام تلك المراكز والتقابل مع عدد من المتعافين ومدمني المخدرات المترددين على تلك المراكز والتحدث مع بعض المصادر العاملة في مجال بيع الأدوية والمتعاملين مع تلك المراكز في عمليات البيع.

مغامرة تليفونية

وأجرى محرر «النبأ» اتصالا هاتفيًا بأحد المراكز الخاصة لعلاج الإدمان في منطقة المريوطية، وبالسؤال عن النظام المُتبع في تسليم المريض وأسعار الحجز في المركز.

قام المسئول بسؤالنا عن رغبة المريض في العلاج من عدمه ونوع المخدر الذي يتعاطاه المريض، أجاب «محرر النبأ» بأن المريض لديه رغبة في العلاج بمحض إرادته وأنه يتعاطى مخدري الحشيش والبانجو.

وبدء المسئول عن المركز إفادة «النبأ» بأسعار الحجز والتي وصلت إلى 4 آلاف جنيه شهريًا شامل الأكل والعلاج، مشيرًا إلى أن فترة العلاج تكون من 4 إلى 6 أشهر.

وأوضح المسئول أن تكلفة السجائر وكروت الشحن واتصالات المريض ستكون على حسابه الشخصي بعيدًا عن قيمة الحجز في المركز لمدة شهر.

واختتم الشخص المسئول عن مركز علاج الإدمان حديثه لـ«النبأ» مشيرًا إلى أن المريض يُحدد له زيارات معينة في الشهر، موضحًا أن أول 10 أيام داخل المركز يتم فيهم علاج المريض بشكل مكثف لخروج السموم من جسمه لتبدأ بعدها فترة التأهيل النفسي والجسدي.

محاولة مستميتة

والتقت «النبأ» سيدة تدعى «أم دينا» لتروي لنا تفاصيل رحلة معاناة زوجها مع الإدمان ومحاولتها المستميتة في علاجه والتي امتدت لأكثر من 5 سنوات دون جدوى.

وتكشف السيدة لمحرر «النبأ» كواليس رحلة علاج زوجها بعدد من مراكز علاج الإدمان غير المرخصة بمنطقة شبرامنت مركز أبو النمرس في جنوب محافظة الجيزة، قائلة: «أنا زوجي حاليًا محجوز بإحدى المراكز الخاصة بعلاج الإدمان بمنطقة شبرامنت، ومن الآخر كده مفيش حاجة اسمها علاج في هذه المراكز تحديدًا، إحنا بقالنا أكثر من 5 سنوات نتردد على تلك المراكز، زوجي بعد ما يطلع من المركز وهو جاي في السكة يتعاطى البودرة، أنا شخصيًا بأذهب لهذه الأماكن علشان ارتاح منه، لأنه مسببلي مشاكل كتير».

وتضيف: «بيتهجم عليا ويضربني عشان ياخد فلوس يشتري بيها بودرة، كذا مرة يسرق الفلوس مني والذهب، ولما حاولت امنعه اتعدى عليا بالسنجة وكاد أن يقتلني».

وتستكمل السيدة روايتها لـ«النبأ» بأنها حاولت التخلص من حياتها بالقفز من شرفة مسكنها إلا أن محاولتها انتهت بالفشل والإصابة بكسور وعاهة مستديمة لتخرج من المستشفى عاجزة عن الحركة والعمل.

وحول ما يدور داخل تلك المراكز، قالت «أم دينا» أن زوجها كان يعاني من سوء المعاملة والسب بأفظع الألفاظ علاوة على حرمانه من الأكل والشرب، متابعة: «كان بيحيكلي أنهم بيحطوا له معلقة عسل في طبق وقطعة من الجبن ورغيفين خبز ودي وجبة اليوم كله».

وأشارت إلى أنه في حالة مخالفة أحد النزلاء للتعليمات يتعرض لأبشع أنواع العقاب والتعذيب، موضحة أن القائمين على محاضرات التأهيل النفسي أيضًا بعض المتعافين من الإدمان.

وكشفت السيدة لـ«النبأ» أن المعاملة داخل مراكز علاج الإمان تنقسم إلى نوعان، الأول يسمى بـ«هاي فيو» وهو مكان للنزلاء الملتزمين بالتعليمات ويكون عبارة عن غرفة بها شاشة تليفزيون وسرير، أما النوع الثاني يسمى بـ«ديونكس» وهو عبارة عن غرفة صغيرة لا يوجد بها أي مقومات للحياة ومخصصة للعقاب، يتم حبس الشخص المتجاوز فيها ويتم التعامل معه أسوأ معاملة ويصل الأمر أحيانًا إلى «التكتيف» وتركه ساعات طويلة ويحرم من كافة وسائل الترفيه.

وعن أسعار الحجز في تلك المراكز، تضيف «أم دنيا» أن سعر اليوم الواحد 125 جنيهًا، معقبة: «كل 10 أيام بدفع 1000 جنيه، ومفيش أي أدوية بياخدها ومفيش أطباء بيشرفوا على المرضى، كلهم ناس ضريبة مخدرات متعافيين وماسكين هذه المراكز».

واختتمت «أم دنيا» حديثها لـ«النبأ» بالتأكيد على أنها تعلم أن تلك المراكز «بير سلم» وغير قادرين على علاج زوجها إلا أنها تقوم بحجزه ودفع الرسوم للتخلص منه وابتعاده عنها.

محاولة انتحار

وتقابلت «النبأ» مع شاب يدعى «عمرو» موظف بإحدى المطابع، والذي روى لنا رحلة علاجه والتعافي من الإدمان، قائلًا: «أنا الحمد لله بقالي حوالي سنة ما أخدتش حاجة، وكنت بتعالج في أحد المراكز الخاصة بعلاج الإدمان بمنطقة أبو النمرس، زميل لي الله يرحمه ويسامحه هو اللي علمني شرب المخدرات، بصيت لولادي وزوجتي أنا إزاي أعمل كده وبفضل الله قدرت اتغلب على المخدرات».

وأضاف أنه تعرض لأبشع أنواع المعاملة والتعذيب داخل المركز، متابعًا: «اتمرمطت واتداس على وشي بالجزمة وفضلت صامد عشان أنا عاوز أخف وأبقى إنسان كويس».

وأوضح أنه كان سببًا في إنقاذ حياة أحد المدمنين داخل إحدى المركز بعدما أقدم على الانتحار صانعًا لنفسه «مشنقة» للتخلص من سوء المعاملة التي تعرض لها.

وأشار «عمرو» إلى أن جميع المراكز الموجودة في محافظة الجيزة غير مرخصة والجهات الحكومية المسئولة تعلم ذلك جيدًا، متابعًا: «هناك بالفعل حملات تفتيشية تقوم بالمرور على هذه المراكز، ولكن يتم إبلاغهم قبل نزول الحملات، وعلى الفور يتم إخلاء الفيلات من النزلاء ونقلهم إلى أماكن أخرى حتى الانتهاء من المرور».

وأضاف: «حصل كذا مرة نفاجئ بالمسئولين عن المركز يطلبون منا إخلاء المكان فورًا والانتقال إلى أماكن أخرى حتى انتهاء الأجهزة الأمنية من المرور».

وروى «عمرو» لـ«النبأ» تفاصيل عملية أمنية ناجحة للتفتيش على المراكز غير المرخصة والتي كان شاهدًا عليها، قائلًا: «كان في ضابط جديد بمركز أبو النمرس على علم بما يحدث داخل تلك المراكز، ولعلمه المسبق بما يحدث من بعض الأفراد التابعين للقسم من إبلاغ المسئولين عن المراكز بتوقيتات حملات التفتيش مقابل تلقي الأموال، لم يخبر القوة المرافقة له بطبيعة المأمورية وقام بجمع هواتفهم المحمولة حتى لا يستطيعوا إبلاغ القائمين على المراكز وبالفعل نجح في ضبط العديد من المراكز والقائمين عليها وإطلاق صراح النزلاء المحتجزين بداخلها».

وأوضح أن هذه المراكز عبارة عن «سجن» كاشفًا عن مركز شهير في منطقة أبو النمرس معروف عنه ارتكاب جرائم تعذيب النزلاء، معقبًا: «المركز دا يسمى بـ "المحرقة" ومشهور جدًا لقسوة المعاملة مع المرضى بداخله واسمه الحقيقي مركز أبو زيد، وصاحبه يقيم في منطقة بولاق الدكرور».

إحصائية صادمة

وكشفت إحصائية حديثة صادرة عن صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، عن عدد البلاغات التى تلقاها الخط الساخن بالصندوق، بشأن وجود بعض المراكز والمصحات العلاجية غير الخاضعة للإشراف على مستوى الجمهورية، والتي تبيّن أنها تصل إلى 84 مركزًا ومصحة مخالفة خلال العام الماضي.

وأضافت الإحصائية، أن المراكز موزعة جعرافيًا كالتالى: «15 مركزا علاجيا بمنطقة التجمع الخامس، و22 مركزًا بمنطقة المقطم، و9 مراكز بمدينة السادس من أكتوبر، و20 بالجيزة، و7 مراكز علاجية بمدينة العاشر من رمضان، و4 فى الإسكندرية، ومركزان فى السويس، و5 فى الإسماعيلية».

أدوية غير مشروعة

ومن جانبه، يقول الدكتور محفوظ رمزي رئيس شعبة الأدوية بنقابة الصيادلة، إن معظم المراكز الصحية التي تقوم بعلاج الإدمان منتشرة بالمناطق النائية بمحافظات مصر، ولذلك لصعوبة الرقابة عليها.

وأضاف لـ«النبأ» أن الأدوية التي تستخدم في هذه المراكز يتم الحصول عليها بطرق غير مشروعة عن طريق أشخاص عاديين أو ما يسمون بـ«تجار الشنطة» وهؤلاء يعملون في مجال تجارة الأدوية بالمخالفة للقانون.

وأشار إلى أن هناك العديد من الصفحات المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة التي تروج لبيع هذه الأدوية، فمن السهل الحصول عليها نظرًا لتعدد مصادرها.

عروض علاجية مغرية

ويقول الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، إن مراكز علاج الإدمان الغير مرخصة تصطاد ضحاياها من الراغبين في العلاج من الإدمان عن طريق إغراء أسرهم  بالعروض العلاجية بتخفيض المبالغ المالية في حال رغبتهم في العلاج.

وذكر بأن هذه المراكز تحصل مبالغ ضئيلة جدًا شهريًا من المرضى لا تتناسب مع حجم هذا المرض وما ينفق عليه في الواقع، لافتًا إلى بأنه على سبيل المثال الشهر قد لا يتجاوز الـ3 آلاف أو 4 آلاف جنيها، في حين أنه في المصحات المرخصة يتعدى اليوم الواحد قفيها 2000 جنيها.

وأضاف «فرويز» لـ«النبأ» أن هذه المراكز الصحية غير المرخصة يعمل بها أطباء صغار السن وعديمي الخبرة، بل وقد لا يكون هناك أطباء من الأساس وقد يكونوا أشخاص عاديين، وتم ضبط العديد مؤخرا من أصحاب السجلات الجنائية.

وأشار إلى تلك المراكز تتبع نهج خاطئ في العلاج، بمعنى أنهم يتبعون أسلوب المنع لمدة زمنية طويلة دون تغيير الـ«Consult» في العلاج وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، التي صنفت هذا المرض بأنه مرض مزمن ومرتد، بمعنى أنه من الممكن أن تحدث انتكاسة ويعود المريض مرة أخرى لتعاطي المخدرات.

وأكد أن طريقة اتباع هذه المراكز لسياسة المنع في علاج المريض بنظام القفل عليه غير فعالة، وهي طريقة تعتبر خاطئة.

الدكتور محفوظ رمزي

 

الدكتور جمال فرويز استشارى الطب النفسي وعلاج الادمان