صبري الموجي يكتب: بَصلٌ فى غُرفة الإنعاش!
أصيب بحرقٍ من الدرجة الثانية، تطلب نقله إلى المستشفى للعرض على الطبيب المختص، وتلقى الإسعافات.
لم يمض سوى نصف ساعة، إلا وكان بأحد المستشفيات الحكومية، حيث وصله وهو في غيابٍ عن الوعي، فاستقبله قسمُ الطوارئ، وأجرى له الإسعافات الأولية، ثم وجَّهه إلى قسم الحروق للمتابعة والعلاج.
واحتراما لقسم أبُقراط، وللرسالة التى حملوها علي عاتقهم، أدى أطباءُ الاستقبال دورهم، وقاموا بواجبهم وفق الإمكانات المتاحة، إلا أن قصورا اعترى منظومة العمل، وترك بقعة شوهت نقاء الثوب، وألقت بظلالها القاتمة على ذلك المستشفى الذى لم يختلف عن كثيرٍ من المستشفيات الحكومية على مستوى الجمهورية.
تمثل القصور فى أمورٍ أهمها قلة الأطباء بقسم الطوارئ؛ مما عطّل حركة العمل، وأخضع المرضي لقائمة الانتظار رغم ما يعانون من جراحات وآلام، إضافة إلى نقص المستلزمات الطبية من ( سرنجات، وقطن وشاش، ومطهر، وخلافه)، والتي يضطر مرافقو المرضي إلي شرائها من الصيدليات الخاصة بجوار المستشفي، فضلا عن افتقار الأدوات المستخدمة للتعقيم؛ مما يساعد فى انتشار الأوبئة، وتفشى الأمراض.
وإلي جانب تلك السلبيات، يأتي دورُ ملائكة الرحمة، اللائي بَدوْن كأنهن رؤوس الشياطين بعدما أهملن ارتداء القفاز الطبى الخاص بكل مريض؛ مما جعلهن ناقلا جيدا للعدوى.
ولم تكن أَسِرةُ المرضى بالطوارئ أحسنَ حالا، فكانت رغم قلتها، تُعانى القذارة والإهمال، وتعلوها بقعٌ من الدم، تُشعرك بأنك في سلخانة أو مذبح، يُفضل المرضي والمصابون الخروج منه دون علاج !.
ولم يفُتْ عمالُ نظافة المستشفي أن يسهموا هم أيضا - وببراعة منقطعة النظير - في تشويه صورة المستشفي بعدما تركوا المستلزمات الطبية المستعملة متناثرة بغرف المرضي، وطرقات المارة، ولم يكلفوا خاطرهم بجمعها في سلة لنقلها لاحقا إلي المحرقة ! .
جعلتني مشاهدةُ تلك السلبيات أو قل الجرائم أسائل نفسي: إذا كان هذا هو حال قسم الطوارئ، الذى يُعدُ عنوان المستشفي، ويجب أن يحظى بأكبر قدر من العناية .. فماذا عن بقية الأقسام ؟.
وبدافع من الفضول، ولأسبر غور الحقيقة، أجريت بالمستشفي جولة تفقدية، وقفت خلالها علي سلبيات مروعة، عضضتُ بسببها الأنامل من الغيظ، تمثلتْ فى حجرات للمرضى غفل عنها عمال النظافة، فكثرت بها الحشرات والذُباب الناقل للعدوى، وأَسرةٍ للمرضى أكلها الصدأ، عليها مراتبُ بالية عششت فيها صراصيرٌ وفئران أقضّت مضاجع المرضى، وطيّرت النوم من عيونهم، وملائكةٍ للرحمة استحوذ عليهن شيطان الإهمال، فانشغلن عن المرضى بتقميع البامية، وتقطيف الملوخية، ولم يُقدمن لهم العلاج فى مواعيده المُحدَّدة، وحماماتٍ تعطلت بها صنابيرُ المياه، وأهملها عمالُ النظافة، ففاحت منها روائح كريهة، جعلت البقاء بالمستشفى عقابا أشد من ألم المرض !.
إضافة إلي أن الطرقات بين الأقسام ازدحمت بذوى المرضى، ممن جلسوا يتناولون الجبن القديم والبصل والفلفل، ولكيلا يشعروا مرضاهم بالحرمان، أطعموهم معهم رغم خطورة ذلك على حياتهم.
وإلى جانب ما سبق، كانت الطامة الكبري، فلم تراع غُرفُ العناية المركزة مواعيد الزيارة، فكثر فيها الصخب والجلبة، وصارت كسوق الجمعة، وهو ما أسهم ويسهم في موت نزلائها وليس شفائهم.
ولم تغب ( مافيا ) العلاج عن المشهد، فنظرا لعدم توافر الدواء، يُجْبَر ذوو المرضى على شرائه من خارج المستشفي، وبجرعات أكثر من حاجة المريض؛ ليتم بيع الفائض لمرضى آخرين، وإذا تعذر أحدُ المرضي بأنه لا يملك ثمن العلاج، يُترَك جثة ينهشها المرض ويفترسُها الموت.