حقيقة حرق 114 ألف وثيقة سرية بمليارات الدولارات في وزارة الأوقاف
أصبحت واقعة حريق مبنى وزارة الأوقاف، حديث الساعة لتتحول أنظار مؤسسات الدولة، إلى ما شهدته أروقة ديوان عام الوزارة، لا سيما بعدما تناثرت الاتهامات هنا وهناك حول وجود تعمد وشبهة جنائية بالحادث لحرق العديد من الملفات السرية و«نسف» حجج الوقف الخيري.
وبالرغم من صدور تصريحات رسمية للحكومة بأن الحريق لم يتسبب في أي خسائر، إلا أن هناك مخاوف عند البعض بشأن المستندات الرسمية الموجودة في حوزة الوزارة، والتي قد يكون لها تأثير سلبي في أموال أصحاب الأوقاف الخيرية، وهو ما قد يصل إلى حد ضياع ملايين الجنيهات على الدولة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل إلى ما هو أخطر بشأن ما تردد حول اعتزام الحكومة بيع بعض أصول وممتلكات للأوقاف تقدر قيمتها بمليارات الدولارات بدعوى تلف حجج وأسانيد ملكيتها لأصحابها بحادث حريق مبنى الوزارة.
ونفى المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، ما تردد من شائعات حول بيع أصول وممتلكات الأوقاف، مؤكدا أنه لا صحة لبيع الحكومة أصول وممتلكات للأوقاف تقدر قيمتها بمليارات الدولارات وأن المعلومات المتداولة بالمنشور مزيفة، ولا تمت للواقع بصلة.
وأشار إلى أن حريق مبنى وزارة الأوقاف لم يتسبب في تلف أي مستندات أو حجج تتعلق بملكية المباني والأصول، حيث إنه قد تم بالفعل نقل كافة محتويات المكاتب المحترقة منذ قرابة شهر إلى مبنى الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة، مُشددا على أن أموال وأصول الأوقاف ذات طبيعة خاصة لا يمكن المساس بها أو التفريط فيها، ويتم استغلالها بشكل أمثل في الأغراض المخصصة لها وفق شروط الواقفين، مُوضحا التزام الوزارة بإدارة أصول الأوقاف وتنميتها لتحقيق أعلى عائد لها، وفق آليات قانونية ورقابة مشددة من كافة الأجهزة الرقابية والمحاسبية بالدولة، بما يسهم في خدمة المجتمع وفقًا للشروط والضوابط الشرعية المنظمة لشؤون الوقف.
نفي الحكومة لم يكن سببًا كافيًا لوقف الشائعات حول الحريق، بل روجت مواقع وحسابات تابعة لجماعة الإخوان، خلال الساعات القليلة الماضية التي أعقبت الإعلان عن اندلاع الحريق في مبنى الوزارة الأثري والتاريخي في قلب العاصمة، لمعلومات خطيرة -لم يثبت صحتها حتى الآن- حول التهام الحريق وثائق ملكية مبان وعقارات لمصر في الداخل والخارج تقدر قيمتها بتريليونات الدولارات.
وزعمت تلك الحسابات، أن الحريق التهم غرفا تضم وثائق وملفات ملكية مصر لمبان وأوقاف في قبرص واليونان وفلسطين وبعض الدول الإفريقية، فضلًا عن وثائق تخص مباني تابعة للوزارة وتقع في مناطق مهمة وحيوية وتقدر قيمتها السوقية بمليارات الدولارات.
ووفقا للمصادر داخل أروقة وزارة الأوقاف، فإن الوزارة تمتلك مستندات وحجج وقفية تصل إلى 114 ألف قطعة وقف، وبلغ إجمالي الإيرادات خلال النصف الأول من العام المالي «2022-2023» نحو مليار و14 مليون جنيه، بزيادة تقدر بنحو 114 مليون جنيه، بنسبة زيادة تقدر بنحو 12.7% عن نفس الفترة من العام المالي الماضي «2021-2022»، وبزيادة تقدر بنحو 213 مليون جنيه، بنسبة زيادة تقدر بنحو 26.5% عن العام قبل الماضي «2020-2021».
وأكد المصدر، أن وثائق وملفات الحجج في أمان تام وسوف يتم نقلها جميعًا إلى مقر الوزارة الجديد بالعاصمة الإدارية، موضحًا أن الحديث عن حريق تلك المستندات غير صحيح.
حديث الحكومة حول الحريق، أثار عددا من التساؤلات من جانب نواب البرلمان حول سبب الحريق، حيث تقدم النائب ضياء الدين داود عضو مجلس النواب، بسؤال للمستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب، بشأن حريق المبنى التاريخي لوزارة الأوقاف.
وقال «داود»: «جاء حريق مبنى وزارة الأوقاف لافتًا الانتباه للتساؤل عن خطة الحكومة لحماية المباني الحكومية لا سيما التاريخى منها عقب انتقال الوزارات لمقراتها الجديدة المستأجرة بالعاصمة الإدارية، وعما إذا كانت تلك المباني ستترك للعبث بمحتوياتها وتبديدها توطئة لإجراءات غير معلنة أم لا».
وأضاف عضو مجلس النواب: «ومن ثم فإنني أتوجه بسؤال لرئيس الوزراء عن مسئولية وزير الأوقاف عن حريق مبنى الوزارة التاريخى وعما إذا كان الحريق قد امتد لأي من الأوراق والمستندات بالوزارة، مع العلم بأن النيابة العامة قائمة على تحقيق بهذا الشأن إلا أن هذا لا يمنع البرلمان من تحديد المسئولية السياسية على الحكومة مجتمعة ووزير الأوقاف تحديدًا»، معقبا: «حيث أن البرلمان فى غير دور انعقاد فإنني أتوجه بسؤالي هذا لرئيس الوزراء للحصول على البيانات والمعلومات».
وواصل نواب البرلمان تحركاتهم بشأن الحادث، وتقدم النائب عبد المنعم إمام، أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، رئيس حزب العدل، الذي سبق له وشن هجومًا حادًا على وزير الأوقاف في جلسة رقابية سابقة للمجلس، بسؤالا برلمانيا لرئيس مجلس الوزراء، ووزير الأوقاف حول حقيقة حريق وزارة الأوقاف، متسائلا: «من المستفيد؟».
وقال «إمام» في سؤاله: «فجعنا بخبر حريق بمبنى ديوان وزارة الأوقاف بمنطقة وسط القاهرة، الذي يعد من أهم المباني التاريخية، فيرجع تاريخه إلى عام 1899، وبني على مراحل عدة حتى وصل إلى شكله الحالي».
وأشار إلى أنه سارع رجال الحماية المدنية إلى السيطرة على الحريق، في وقت أكدت فيه وسائل الإعلام أن المبنى كان خاليًا من الموظفين بعد انتقال الوزارة إلى العاصمة الإدارية، إضافة إلى أن السبت هو يوم إجازة أسبوعية.
وأكد النائب عبد المنعم إمام، أن وزير الأوقاف، أمر بإحالة الموضوع إلى النيابة العامة، لمعرفة أسباب نشوب الحريق، حيث أمر رئيس هيئة النيابة الإدارية، بفتح تحقيق عاجل في الواقعة.
وأوضح أن المتحدث الرسمي باسم وزارة الأوقاف، أعلن أن جميع حجج الوقف ومستنداته وملفاته وملفات عمل الوزارة آمنة تمامًا، وأنه جار حصر أي تلفيات مادية بمعرفة اللجان المختصة المعنية.
ولفت «إمام»، إلى أنه في وقت لاحق، قال مصدر قضائي، إن التحريات الأولية كشفت أن الحريق اندلع في غرفة مخصصة لحفظ الأوراق والوثائق المهمة والسرية، التي تقع تحت إشراف مباشر لوزير الأوقاف ومدير مكتبه، مضيفًا أنه لم يكن تم الانتهاء من نقلها بالكامل إلى مقر الوزارة الجديد في العاصمة الإدارية الجديدة.
وتابع: «ما جاء في تصريحات المتحدث الرسمي باسم وزارة الأوقاف ما هي إلا تصريحات مضللة لا أساس لها، وإنما جاء بها فقط لحفظ ماء وجه وزارته»، متابعًا: «وهذا ما أثار شكوكنا وجعلنا نتساءل لماذا حدث هذا الحريق الآن وفي مثل هذا التوقيت من السنة المالية؟، لماذا اشتعلت النيران وتفاقمت حتى وصلت إلى السطح؟، وما مدى أهمية وخطورة تلك الحجج الوقفية الموجودة داخل وزارة الأوقاف؟».
وأوضح أن مبنى وزارة الأوقاف، يتكون من 4 طوابق، وفي الأسفل بدروم قديم ومظلم كالمقبرة يضم بعض الحجج القديمة والمهمة المتعلقة بأوقاف الموقوفين للوقف في مصر، وهو مكان مهمل للغاية، أما الطابق العلوي (السطح) الذي اندلع فيه الحريق فتوجد به مكاتب الإدارة المسؤولة عن حفظ وتوثيق وتسجيل تلك الحُجج والأسانيد، ما يعني أن النار اشتعلت بذات المكان الذى يحوي آلاف الوثائق والحجج والسجلات المتعلقة بالأوقاف التي توجد داخل ديوان الوزارة، وحرق أي شيء قد يُضيع ملكية أبناء الشعب المصري لهذه الأوقاف، وحرق أي شيء يُثبت أن الأراضي التابعة لوزارة الأوقاف هي أرض وقف سواء داخل مصر أو خارجها.
وأشار إلى أن الحجج والأسانيد الوقفية والأموال التي تحتفظ بها وزارة الأوقاف داخل مبنى وزارة الأوقاف لا تخص الوزارة فقط، ولا الحكومة المصرية، ولا أي فرد بعينه، وإنما هي ملك للموقوف له، وهم الورثة والشعب المصري.
وحذر من أن هذا الحريق قد يؤدي إلى ضياع ثروات كاملة وحقوق للمواطنين، حيث يمكن لأي من كان بيع هذه الأوقاف في أي وقت وبكل سهولة، فلم يعد ممكنا إثبات من هم أصحاب الأوقاف، ومن هي الفئات أو الجهات المستفيدة من هذه الأوقاف، بناءً على وصايا الواقفين، فضلًا عن احتمالية ضياع أهم وأخطر الملفات في هذا الشأن، كملف الأوقاف واستثمارات الأوقاف.
وأشار إلى أن وزارة الداخلية، كشفت أن تحقيق الأدلة الجنائية للموقع أثبت أن الحريق سببه ماس كهربائي، موضحا أنه لا توجد خسائر بشرية، وإنما تمثلت الخسائر بالإضرار بذلك المبنى الأثري العريق، إضافة إلى حرق ملفات تتعلق بأراضى الوقف وملكيتها، ما قد يسبب حال تأكده من جهات التحقيق وفقا للتصريحات السابقة بأكبر عملية نهب أراض وعقارات في تاريخ الدولة المصرية.
واستكمل: «من المؤكد أن لا شيء يحدث مصادفةً، وقريبا سنعرف إجابة هذا السؤال -قطعيا- من خلال ما سيتم من اعتداءات واضحة من قِبل الأفراد أو المؤسسات على الأراضي التي كان من المُقرر أنها أوقاف».
وقال: «مثل هذا الحريق لا ينبغي أن يمر علينا مرور الكرام، فنحن نتحدث هنا عن مبنى أثري عريق له تاريخ وأهمية كبيرة، فضلًا عن كونه مبنى لوزارة تُعد واحدة من النماذج الكبيرة في العالم الإسلامي أجمع ومن أهم الوزارات المصرية، التي تهدف إلى المحافظة والإشراف على جميع الأموال والأعيان الموقوفة وإدارتها واستثمارها، والتي هي ملك للموقوف له وهو الشعب المصري».
وتابع: «ومن واقع مسئوليتى لا يمكننى التجاوز وعدم توجيه مساءلة عن هذا العبث والاستهتار بأملاك وتراث الدولة المصرية وحقوق الشعب، وعليه، فقد تقدمت بسؤال برلمانى لرئيس الوزراء ووزير الأوقاف عن الواقعة، أتساءل فيه عن كيف يعقل أن مبني وزارة بحجم وعراقة وأهمية وزارة الأوقاف لا يوجد به جهاز إنذار للحريق؟ وأين هي إجراءات وزارة الأوقاف الخاصة بتوفير الحماية المدنية لهذا المبنى؟، وكيف تتزايد الأحمال الكهربية على الوصلات ونحن أساسا بصدد مرحلة تخفيف الأحمال».
وتساءل: «ماذا فعل وزير الأوقاف لمواجهة هذا الإهمال المُتعمد بهذا المبنى مُنذ توليه للوزارة عام 2013، أي قرابة العشر سنوات؟»، متابعًا: «من المسؤول عن الأضرار التي لحقت بهذا المبنى الأثري؟ ومن المسؤول عن ضياع حقوق أوقاف الشعب؟ لماذا لم يقم الوزير -الذي يفتخر بأنه زاد من أموال الأوقاف- بتجديد المبنى خلال فترة توليه المسؤولية، خاصة أنه أقدم الوزراء حاليًا؟ وكيف ستتعامل الحكومة مع تلك الكارثة؟ وهل هناك حفظ رقمي لكل الملفات الموجودة بهذا الدور أم لا؟ أم نتحدث عن مأساة حقيقية؟».
واختتم عبد المنعم إمام سؤاله: «قلتها سابقًا لهذا الوزير، زاد شاكوك وقل شاكروك فاتقِ الله وارحل، والآن أؤكد أن الرحيل لم يعد كافيًا دون محاسبة جنائية وسياسية عن هذا الوضع المتردي».