صبري الموجي يكتب: ويلٌ لكلِّ أفاكٍ أثيم!
بحجة أنه مَصدرُ العنف، ومُصدّر الإرهاب للعالم أجمع، يتعرضُ الإسلامُ فى مشارق الأرض ومغاربها لهجمةٍ شرسة وحملةٍ مسعورة لا تُبقي ولا تذر.
ومما لا شك فيه، أنَّ وصفَ الإسلام بالدموية افتراءٌ كاذب، واتهامٌ باطلٌ، وضلالٌ لو يعلمُ أصحابُه عظيم، فوجودُ ثُلة ممن ينتسبون للإسلام بـ (البطاقة) تلوثتْ أيديهم بالقتل، واستخدموا القوة لنشر فكرهم المُتطرف كتنظيم داعش وغيره، لا يعنى أبدا أن كلَّ المسلمين يتبنون هذا الفكر الدموي، ويُبيحون ذلك العنفَ المَقيت، خاصة أنه يتعارض مع روح الإسلام السمحة.
تلك الروح، التي تظهرُ جلية واضحة، ولا يُنكرُها إلا من يُنكرُ الشمسَ في وضح النهار، من خلال نصوص الشرع -قرآنا وسنة- إضافة إلى آثار سلف الأمة؛ مما يؤكد أن الإسلام جاء رحمة للعالمين، وليُسقِط الأغلال والعَنتَ، الذى كان مفروضًا على الأمم السابقة، فقال ربُنا فى مُحكَمِ التنزيل مادحا نبيه ورسالته: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
كما أكدتْ السنةُ النبوية المطهرة تلك السماحة في غير موضع، ففى صحيح مُسلم عن أبى هريرة أنه لما طَلبَ بعضُ الصحابة من النبى أن يدعو على المشركين، ردَّ عليهم بقوله الشريف: "إنى لم أُبعث لعّانا، وإنما بُعثتُ رحمة".
ولا يخفى على كلّ ذي بصر أنَّ صور تلك السماحة، التى تدحضُ افتراءات أعدائه، ممن اتهموه بالقسوة وسفك الدماء أكثرُ من أن تُعد، فمنها أنه كَفلَ حُرية المُعتقَد لغير المسلم، فأكد أنه لا إكراه فى الدين، كما حرَّم الاعتداء عليه بالقول أو الفعل، ووفرَ نعمة الأمن لغير المسلمين فى ديار الإسلام، وحرَّم التعرضَ لدور عبادة غير المسلمين فى حال الحرب، وقَتلَ الأطفالِ والنساء ماداموا لم يشاركوا فى قتال المسلمين، وشرع العدلَ فى تطبيق الأحكام عليهم، فقال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن (أى بُغضُ) قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقربُ للتقوى).
وما ذُكر آنفا -عزيزي القارئ- عن سماحةِ الإسلام ليس إلا غيضًا من فيض، وقليلًا من كثير، وهو ما جعل بعضَ المستشرقين -وحقا الفضلُ ما شهدت به الأعداء- يُدافعون عن الإسلام، فيقول جوستاف لوبون: " الحقُ أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين مُتسامحين مثل العرب، ولا دينا سمحا مثل دينهم ".
وفى كتابه (أخلاقُ المسلمين)، يقول الشاعر الألمانى جوته: " تسامحُ المسلم ليس من ضعف، ولكنّ المسلمَ يتسامحُ مع اعتزازه بدينه، وتمسُكه بعقيدته ".
ورغما عن هذا الإقرار الدامغ من مُنصفي الغرب، يخرج علينا -وبكل أسف- بعضُ المُنتسبين للإسلام زورًا، ممن يعملون غالبًا وفق أجندات خاصة ومأجورة، ويشنون حملة مسعورة على شرائع الإسلام غرضُها الانتقاصُ من أنبياء الله، والسخريةُ من اللحية والحجاب والنقاب، والترويجُ للعرى والرقص والمجون، واتهام المخالف لهم فى الفكر بأنه داعشىٌ مصاصٌ للدماء، وأصابتْ البعضَ الآخر حُمى الدعوة لحرية الفكر والإبداع، فسعى فى الأرض ليُفسد فيها، ويروج لفكره الضال، الذى يرمى إلى النَّيل من الدين الإسلامى، والسخرية من أنبياء الله والصحابة والتابعين، وإنكار ما هو معلومٌ من الدين بالضرورة، وغيرها من أباطيل وأكاذيب، أطلقوا لغيِّهم العنان في نشرها، وساعدهم على ذلك إعلامٌ رخيص مأجور، سعى بليل ونهار للتحرر من الضوابط والروابط، والتحلل من الشرائع التى تؤكد أن هناك ثوابا وعقابا، جنة ونارا.
ونتيجة لهذا كله انقلبت موازينُ التقييم، ووضع هؤلاء الأفاكون الكلَّ في سلة واحدة، فاعتبروا المُستمسكَ بدينه داعشيا، والراقصةَ والماجن ومُروجَ الفكر الضال، والسلوك الشاذ صاحبَ العقلِ الرشيد.. وإلى الله المُشتَكى!.