تفاصيل اشتعال أزمات التمويل والدمج بين الأحزاب السياسية
أثار مقترح مشروع قانون نظام الأحزاب السياسية، وخاصة فيما يتعلق بتمويلها، جدلًا كبيرًا بين الخبراء والساسة، إذ يرى مؤيدو المقترح، أنه معمول به في معظم الدول لتقوية أحزابها، فيما يعتقد آخرون أن التمويل لا بد ألا يتخذ الشكل المالي، لأنه سيؤثر على استقلالية عمل الحزب، ولكن يكون بتوفير مقار وخدمات.
ويقوم، مشروع قانون نظام الأحزاب السياسية الذي تم طرحه بقوة، خلال جلسات الحوار الوطني، على استحداث مفوضية شئون الأحزاب كبديل للجنة شئون الأحزاب، يكون لها هيكل إداري وتنظيمي والشخصية الاعتبارية، حيث نص الفصل الخاص بالمفوضية في القانون على تشكيل لجان فرعية أو مؤقتة، تخدم مرونة العمل للأحزاب ومراقبة المخالفات حالة حدوثها، وهي لجنة للتمويل الحزبي تضم ممثلين للرقابة المالية والبنك المركزي، ولجنة للموقع الإلكتروني للمفوضية، ولجنة للتعاون الدولي، ولجنة للدعم الفني والسياسي تتكون من ممثل من كل حزب يرشحه رئيس حزبه.
تمويل الأحزاب
وبحسب ما أشار إليه مشروع القانون، فإن تقديم الدعم من الدولة للأحزاب (التمويل العام)، يمكن أن يشمل الدعم المالي المباشر للأحزاب أو الدعم غير المباشر عبر إعطائها مساحات في الإعلام الحكومي، والإعفاءات أو التخفيضات الضريبية التي يحصل عليها الحزب نفسه أو الأفراد الأعضاء فيه في حال تبرعهم.
ونص مشروع القانون على:
- عودة تمويل الدولة للأحزاب بواقع 100 ألف جنيه لكل نائب حزبي في البرلمان، و10 آلاف جنيه عن كل عضو في المجلس المحلي بحد أقصي 2 مليون جنيه سنويًا.
- دعم لأي حزب غير ممثل برلمانيا بـ100 ألف جنيه سنويًا لمدة دورتين انتخابيتين، وهي تفرقة منطقية فالأحزاب الممثلة برلمانيًا عليها عبء خدمة النواب ودوائرهم وطلباتهم.
- عدم وضع أي سقف للتبرعات الحزبية، فمن حق من يملك المال أن يعبر عن مصالحه من خلال حزب، لا غضاضة في ذلك ولكن الفساد يأتي من عدم الإعلان عن الدعم أو إنفاقه دون رقابة تحت مسمي (الاستقلالية)، مع إهدار كامل لمبدأ (الشفافية)، إذا لا مانع من فتح سقف تبرع الأشخاص للأحزاب مع تشديد العقوبة بالحبس في حال إثبات التلاعب بأموال الحزب أو استغلال أي من قيادات الحزب لمنصبه للتربح.
- التأكيد على ضرورة أن يقدم الحزب بشكل ربع سنوي إلى مفوضية شئون الأحزاب بيان بما حصل عليه من تبرعات وأسماء المتبرعين، ويكون أي تبرع من شخص طبيعي معفي من الضرائب في حدود 10% من دخله أسوة بقانون الجمعيات.
- وسمح القانون للأشخاص الاعتبارية بتمويل الأحزاب فهو يوسع قاعدة المستفيدين من الجمهور، كما أن الأشخاص الطبيعية تدفع ضرائب ولها مصالح مشروعة، فمن الأحسن والأفضل تنظيمها للتعبير عنها بدل من أن يصبح التعبير عنها عبر الرشاوي للمسئولين التنفيذيين أو حتى التشريعيين، فالسماح للشركات والأشخاص الاعتبارية بالتعبير عن مصالحها في جوهره ونظرته البعيدة مواجهة للفساد ودعم للشفافية في المجال العام، كما أنه يقوي قاعدة الأحزاب السياسية وتمثيلها للمصالح.
كما نص مشروع القانون لأول مرة على وجوب أن يتقدم رئيس الحزب بإقرار الذمة المالية فور رئاسته الحزب، وبعد انتهائها وهو أمر يزيد من الشفافية داخل الحياة الحزبية.
وفي هذا السياق، قال المهندس محمد سامي، الرئيس الشرفي لحزب الكرامة، إن جزءا كبيرا من حالة الضعف الجماهيري هو الافتقاد للتمويل، وبالتالي معظم الأحزاب المكافحة تعتمد على دعم أعضائها بالكاد حتى يستثنى لها تدبير مقرات أو توفير خدمات.
وأضاف، في تصريح خاص لـ«النبأ»، أن التمويل بناء على حجم العضوية، من الممكن أن يكون أحد المصادر التي يمكن أن تضخ الدم في عروق الأحزاب.
وتابع: «الحديث عن فكرة الربط بين الضغط من قبل الحكومة وبين التمويل قائمة وتظل موجودة، ولكن عندما يحدث انفراجة في أداء الأحزاب، لن يكون مستهدفًا التمويل وحده، لأن الأحزاب حينها ستكون لها قاعدة جماهيرية وتأثير أكبر في الشارع».
وعن ربطها بعدد أعضاء البرلمان، قال «سامي»، إن هذا المقترح يعد تدليسًا، لأننا نعرف أن الدخول للبرلمان لا يعبر عن قوة الأحزاب الآن، وليس قائمًا عن إرادة حقيقية للناس، متابعًا: «ندعي أننا أكثر الأحزاب شعبية ولكن ليس لنا وجود في البرلمان».
وأشار الرئيس الشرفي لحزب الكرامة، إلى أن مقترح دمج الأحزاب من الممكن إن يتم تحقيقه بين ذات الإيديولوجية الواحدة، مضيفًا أن هناك أحزابا وهمية وموجودة بفعل فاعل، وأخرى تدعمها جهات وهناك أحزاب عائلية، وهذه الأحزاب ستتلاشى، متابعًا: «الدمج بالمعنى الأيديولوجي جائز غير مستبعد، هناك 106 أحزاب، ولكن الحقيقيون عددهم لا يتجاوز 8 أحزاب والباقي ورق».
في المقابل رفض ناجى الشهابي، رئيس حزب الجيل الديمقراطى، مطالبة بعض الأحزاب السياسية أن تقوم الموازنة العامة للدولة بتمويل الأحزاب السياسية مشيرًا إلى أنها دعوة تمثل خطرًا على استقلال الأحزاب السياسية.
وأضاف «الشهابي»، في تصريح خاص لـ«النبأ»، أن الأحزاب تقوم بتمويل أنشطتها المختلفة من اشتراكات الأعضاء، وتبرعاتهم، مطالبًا أن يكون البديل عن التمويل المالى للأحزاب أن تقوم الدولة بتوفير مقار للأحزاب الجادة فى العاصمة وعواصم المحافظات والمدن الكبرى.
ولفت رئيس حزب الجيل، إلى أن الأحزاب تحتاج إلى تمويل لسداد قيمة الإيجارات الشهرية لذلك كان اقتراحه بتوفير الدولة مقار للأحزاب فى العاصمة، مضيفا أن باقى الأنشطة يتم تمويلها من صندوق الحزب واشتراكات الأعضاء.
وفى السياق ذاته، أبدى رئيس حزب الجيل تأييده لمقترح دمج الأحزاب، مشيرا إلى أهميتها فى تحقيق مبدأ تداول السلطة، بشرط ألا يكون هذا الدمج بقرار فوقى سواء كان قرار تنفيذى رئاسى أو تعديل تشريعي، ولكن بناء على مناقشات بين الأحزاب وبعضها ذات التوجه الواحد.
وشدد على أن الدستور حصن الأحزاب وغل أيدى السلطتين التنفيذية والتشريعية من العبث فيها، إذ قرر أنه لا يجوز حل الأحزاب السياسية إلا بحكم قضائى.
وأكد «الشهابي»، أنه سيأتي اليوم الذى تنضج فيه الأحزاب السياسية وتدير حوارات مع بعضها البعض لتندمج معًا، مؤكدا أن دمج الأحزاب ذات التوجه الواحد فى حزب أو حزبين هو السبيل الوحيد لتقوية حياتنا الحزبية وتعميق الممارسة الديمقراطية.
بدوره، قال الدكتور ياسر الهضيبى، سكرتير عام حزب الوفد ورئيس الهيئة البرلمانية للحزب في مجلس الشيوخ، إن الأحزاب لها أهمية قصوى، فهى الرابط في العلاقة بين الدولة والمواطنين.
وأكد «الهضيبى»، خلال كلمته في جلسة لجنة الأحزاب في الحوار الوطني، أن الحزب يرى أن قانون الأحزاب السياسية الحالي قانون جيد ومعقول، ولا يجب دخول أية تعديلات عليه إلا إذا كانت تعديلات طفيفة.
وعن المعوقات التي تواجه الأحزاب، أكد أن حزب الوفد يرى أن الدولة قد تجاوزت الأحزاب في الفترة الماضية وتجاهلتها وذهبت للجمعيات والتكتلات، وعندما علمت الدولة أنها أخطأت عادت واهتمت بالأحزاب مرة أخرى.
وأوضح «الهضيبى»، أن النقطة الأخرى التي تعوق عمل الأحزاب هو عدم وجود تمويل لها، فأي مؤسسة سواء كانت حزبية أو اقتصادية تقوم على الاقتصاد الذي هو روح عمل هذه المؤسسات، مطالبًا بضرورة دعم الأحزاب وفق قاعدتين مهمتين هما:
أولا: الدعم وفقا للعدالة من خلال عتبة قانونية يحصل من خلالها الحزب على تمويل بقدر عدد المقاعد له في المجالس النيابية، وعدد الناخبين الذين انتخبوه في أي انتخابات، وهنا يكون كل حزب حصل على قدر قوته في الشارع.
القاعدة الثانية: لا تتحجج الدولة بهذا الدعم وتتدخل في رؤية الأحزاب، مؤكدا أن دور لجنة شئون الأحزاب لجنة قضائية نرى بقاءها وزيادة قوتها وضرورة دعم تشكيل هذه اللجنة بقيادات حزبية قديمة مما لها من خبرات.