قبل 60 يومًا على الانتخابات الرئاسية..
«النبأ» تفضح جولة الجواسيس الإسرائيليين بالعاصمة الإدارية الجديدة
تناولت الصحافة الإسرائيلية المشهد في مصر بدقة شديدة حول الوضع الاقتصادي والعمراني في مصر قبيل الانتخابات الرئاسية في مصر، والتي كان منها مغامرة صحفية قام بها أحد الصحفيين الإسرائيليين في زيارة إلى العاصمة الإدارية الجديدة.
ويشير الخبراء والمراقبون، إلى أن تقارير الصحافة الإسرائيلية وجولات صحفييها في القاهرة والعاصمة الإدارية الجديدة، هي تقارير استخباراتية تجسسية في الأساس لاستنباط وتحليل وضع الشارع المصري السياسي والاقتصادي والاجتماعي قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية.
ومن جانبها، كشفت صحيفة «كلكليست» الإسرائيلية الاقتصادية المتخصصة، عن حالة الاقتصاد المصري قبيل الانتخابات في مصر، مبينة أنه بلغ معدل التضخم السنوي في مصر 39.7%، مقابل 38.2% في يوليو، وارتفع الرقم القياسي للأسعار الشهر الماضي بنسبة 1.6%، مقارنة بارتفاع قدره 1.9% في يوليو.
وأكدت الصحيفة، أن الحرب الروسية الأوكرانية التي أحدثت موجة من التضخم حول العالم، تسببت في ارتفاع الأسعار في مصر أيضا.
وأظهرت البيانات، -حسب تقرير الصحيفة الإسرائيلية، أن أسعار المواد الغذائية -المحرك الرئيسي للتضخم- ارتفعت بأكثر من 70% في أغسطس مقارنة بالشهر المقابل من العام الماضي.
وادعت الصحيفة الإسرائيلية، وجود نحو 30% من المصريين يعتبرون فقراء، مؤكدة أن مصر وهي أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان حيث يبلغ عدد سكانها أكثر من 105 ملايين نسمة، تُعد أكبر مستورد للقمح في العالم، وتأتي معظم وارداتها من أوكرانيا وروسيا.
بينما كشف موقع «جلوفيم» الإسرائيلي، عن الجانب السياحي في مصر وخاصة للسائحين الإسرائيليين، وسرد رحلات بعض السائحين الإسرائيليين للقاهرة، مبينًا أن السائح الإسرائيلي يتمتع بأمان كبير في مصر ويحيط به رجال الشرطة لتأمينه.
وأكد أنه عبر ما يقرب من 30 ألف إسرائيلي الحدود إلى مصر بالسيارة في الشهرين الأولين من عام 2023، مقارنة بـ12.8 في الفترة المقابلة من عام 2022.
بينما قام أحد الصحفيين الإسرائيليين بمغامرة صحفية في العاصمة الإدارية الجديدة وتطرق للعديد من الجوانب الجدلية في إنشائها والمباني بها.
وكشف المراسل الإسرائيلي «ألداد بك» أن نظام الرئيس السيسي أعلن حرب استنزاف على العشوائيات، وهي مبان سكنية غير قانونية وقبيحة ظهرت ليس فقط في العاصمة، بل في جميع أنحاء مصر.
وأضاف أن ذلك كان سبب بشكل رئيسي في فقدان السيطرة الذي ميز فترة الربيع العربي؛ حيث يوجد أكثر من 2 مليون مبنى سكني، بناها رواد أعمال دون تصاريح أو موافقات أو التزام بالمعايير والقواعد.
ويقول التقرير، إن مصر تعد هي الأكبر في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان، وتحتل المرتبة 14 على مستوى العالم، مشيرًا إلى أن كافة الجهود التي بذلتها الحكومة لتنفيذ تنظيم الأسرة، أي خفض معدل المواليد، باءت بالفشل حتى الآن.
وانتقل الصحفي الإسرائيلي إلى العاصمة الإدارية الجديدة، مبينًا أنها تهدف إلى المساعدة في حل أزمة الإسكان، وهذه، بالمناسبة، واحدة فقط من 15 مدينة جديدة من المقرر بناؤها في مصر وبعضها أيضًا في مراحل متقدمة من التنفيذ.
وفسر «بك» بناء المدن الجديدة بأن نحو عشرة بالمائة فقط من أراضي البلاد مأهولة وتستخدم اليوم في وادي النيل والدلتا وعلى طول قناة السويس والبحر الأحمر، وفي إطار «رؤية مصر 2030» التي تشبه في طموحها «رؤية 2030» لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تسعى الحكومة إلى جعل الأرض القاحلة تزدهر باستخدام التقنيات المتقدمة وتجديد وجه مصر.
وأضاف أن كل ما في الأمر، أن مصر لا تملك الأموال التي تمتلكها السعودية، وعليها أن تعتمد على الآخرين.
وتعد من نجاحات الرؤية مدينة العلمين الجديدة، حيث بدأ إنشاء مدينة العلمين الجديدة في عام 2018 في نفس الوقت الذي بدأ فيه إنشاء العاصمة الجديدة، ومن المقرر أن تصبح العلمين الجديدة، الواقعة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، على بعد حوالي 250 كيلومترا شمال غرب القاهرة، وأصبحت نقطة جذب سياحي جماهيري جديدة، مما سيخفف الضغط عن الإسكندرية، المدينة الصيفية التي تقع على بعد حوالي 100 كيلومتر.
وقد أثبتت الرؤية نفسها، فقد استضافت الفنادق، التي تم بناؤها على طول شواطئ البحار، آلاف السياح هذا الصيف، وتوافد مواطنون محليون وأجانب، معظمهم من مختلف أنحاء العالم العربي، إلى «مهرجان العلمين»، «أكبر حدث ترفيهي في الشرق الأوسط»، بمشاركة أفضل الفنانين العرب، وتوقعت السلطات المصرية حضور مليون زائر للمهرجان.
وإلى جانب الفعاليات الترفيهية، ترى الصحيفة الإسرائيلية، أن «السيسي» وضع مدينة العلمين الجديدة على الخريطة السياسية، عندما عقد سلسلة من اللقاءات السياسية المهمة في قصره الجديد بالمدينة، والذي تكلف بناؤه أموالا باهظة.
وأضاف الصحفي الإسرائيلي، في تقريره، أن العاصمة الإدارية لا تزال موضع انتقادات عامة، ومع ذلك، فإن العاصمة الجديدة هي «الرائد» في خطط السيسي التنموية الطموحة.
وكانت من الموضوعات الشائكة التي تناولها الصحفي الإسرائيلي هو اسم العاصمة الجديدة، حيث أنه في يوليو 2019، بعد أربع سنوات من إعلان الرئيس السيسي عن إنشاء العاصمة الجديدة مستقبلا.
أعلنت شركة العاصمة الإدارية عن مسابقة شعبية لاختيار اسمًا لها، ولا تزال تُطلق عليها العاصمة الإدارية الجديدة حتى الآن دون الاستقرار على اسم.
ومن جانبه، أكد الصحفي الإسرائيلي أن الرئيس السيسي يعتزم الإعلان عن تأسيس جمهورية ثانية، في إطار جديد للحكم والإدارة لبلاده «مصر جديدة»، لافتًا إلى أن هذا الإعلان تأخر.
وتابع: «ويبدو أن السيسي ينتظر افتتاح المدينة، لكن الاستعدادات جارية بالفعل، والجهة المسئولة عن بناء المدن الجديدة هي الهيئة الهندسية للقوات المسلحة».
وبين الصحفي الإسرائيلي، أنه خلال زيارته للمدينة رصد علامات استفهام كثيرة تحيط بالمشروع الطموح والمكلف للعاصمة الإدارية لمصر، وتشغل المصريين، وتقدر تكلفة بنائه حاليا بحوالي 60 مليار دولار، مبينًا أن معارضي إنشاء العاصمة الجديدة في حيرة متسائلين: هل تحتاج مصر الغارقة في أزمة اقتصادية عميقة وديون ضخمة (الدين الخارجي بلغ 165 مليار دولار في مارس) إلى هذا العبء المالي أم الأفضل توجيه الأموال إلى الرعاية الاجتماعية، من الأقسام الأضعف؟
وأردف أن هناك أسئلة أخرى تتعلق برأس المال الضخم اللازم لاستكمال بناء العاصمة، فصندوق النقد الدولي ليس مستعدًا لإظهار سخاء شديد تجاه مصر كما في الماضي، خاصة وأن الحكومة في القاهرة لم تنفذ كل الإصلاحات التي التزمت بها، كما وضعت دول الخليج والمملكة العربية السعودية شروطا لاستمرار تدفق المساعدات المالية لمصر، بما في ذلك بيع الأصول المصرية.
ونقل الصحفي الإسرائيلي أنه يتساءل الكثيرون من موظفي الخدمة المدنية، -كما نقل عنهم- الذين سيتم نقل مكان عملهم من القاهرة، سيتمكن من العيش في العاصمة الجديدة، حيث يبلغ سعر الشقة الصغيرة حوالي 80 ألف دولار، في حين يبلغ متوسط الراتب الشهري للموظف المنتقل إلى العاصمة الجديدة حوالي 300 دولار فقط، قائلًا أحدهم له «نحن نرهق كل يوم بسبب ارتفاع التضخم (في يوليو تم تسجيل رقم قياسي قدره 36.5%، وهو أعلى رقم منذ بداية تسجيل التضخم في مصر عام 1958)».
كما تطرق إلى المميزات المعمارية للعاصمة الإدارية الجديدة، مبينًا أنها مدينة ذكية تم بناؤها على أساس رؤية استراتيجية، مزودة بأحدث البنى التحتية التكنولوجية لتقديم الخدمات للسكان الذين سيعيشون فيها وللمواطنين والزوار الذين سيأتون إليها، وسيكون لديها نظام ذكي للتحكم في حركة المرور، والذي سيراقب تشكيل الاختناقات المرورية والحوادث وإشارات المرور (العاملة) والمعابر.
وأضاف أنه سيتم تركيب أكثر من 6000 كاميرا مراقبة في جميع أنحاء المدينة، وسيتم نقل لقطاتها إلى مركز المراقبة الذي سيكون مسؤولًا، من بين أمور أخرى، عن الأمن والنظام في الشوارع.
وأوضح الصحفي الإسرائيلي، أن المسئولين البسطاء يضطرون إلى السفر إلى وظائفهم لمدة ساعتين تقريبًا هناك وحوالي ساعتين للعودة كل يوم، ما دام أن خط القطار فائق السرعة، المخطط له لربط القديم والحديث العاصمة الجديدة مازال قيد الإنشاء، مما يثير الجدل حول السر وراء نقل العاصمة حقًا؟ هل هو الرغبة في تفريغ القاهرة من سكانها المتزايدين (أكثر من 20 مليون نسمة) والتمكين من إعادة تأهيلها، أم الرغبة في تأمين المراكز العصبية للحكومة ضد انتفاضة شعبية جديدة من النوع الذي هز مصر في بداية الربيع العربي وأدى إلى إطاحته بالرئيس مبارك.
وأوضح الصحفي الإسرائيلي، أن الفكرة الاقتصادية وراء هذه المدن، بما في ذلك العاصمة الإدارية، بسيطة، وهو أن تبيع الحكومة الرمال للمستثمرين، وتحصل على أموال مقابل الرمال، والتي تستثمرها في مشاريع للرفاهية العامة، بما في ذلك بناء المكاتب الحكومية في العاصمة الجديدة.
المكاتب الدبلوماسية
ومر الصحفي الإسرائيلي في طريقة للعاصمة الإدارية الجديدة، بعدة مكاتب حكومية رائعة تم بناؤها منذ وقت ليس ببعيد بتكلفة باهظة للغاية، مثل وزارة الخارجية على ضفاف النيل، والتي تم افتتاحها في منتصف التسعينيات، والتي لا تزال تعتبر بطوابقها الـ43 أعلى مبنى عامل في مصر أو وزارة المالية الحديثة.
وأشار إلى أن البعض يقول إن المكاتب الحكومية الثلاثين، التي ستنتقل إلى المدينة، من المفترض أن تبدأ عملها من هناك في نهاية الصيف، ويتم بالفعل إرسال الدبلوماسيين الأجانب، الذين تتم دعوتهم لحضور اجتماعات في وزارة الخارجية، إلى العاصمة الجديدة.
وأوضح أنه اشترت عشرات الدول أراضي في حي السفارات المستقبلي، الذي سيكون في العاصمة المستقبلية، على الرغم من عدم نقل سفارة واحدة إلى هناك حتى الآن، إلا أنه ماذا سيحدث للسفارات القائمة؟ ويعيش بعضهم في فيلات فاخرة، خضع معظمها، مؤخرًا، لعملية تجديد شاملة في إطار ترميم وجه القاهرة التاريخية مثل العديد من السفارات الموجودة في حي الزمالك على إحدى الجزر في وسط النيل.
واختتم الصحفي الإسرائيلي تحقيقه بالتساؤل عن الوضع المستقبلي للقاهرة «أم الدنيا»، والتي كانت عاصمة لأكثر من ألف عام؟ المدينة التي تقع فيها الأهرامات وجامعة الأزهر ذات القيمة في العالم الإسلامي؛ المدينة التي توجد فيها الجامعة العربية، والتي كانت بمثابة مصدر إلهام كبير للكتاب والشعراء ومخرجي السينما لفترة طويلة؛ مدينة نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل الذي وصف أجواء أزقتها جيدًا، وأم كلثوم «نجمة الشرق» و«صوت الأمة»؟