بالورقة والقلم..
خبراء عسكريون يكشفون الرابحين والخاسرين من الحرب فى قطاع غزة
على الرغم من عدم انتهاء العمليات العسكرية، بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، في الحرب الدائرة داخل قطاع غزة نتيجة مبادرة حركة حماس في الهجوم لأول مرة داخل فلسطين المحتلة، إلا أن الحديث عن المكاسب والخسائر في تلك الحرب يشغل بال الجميع.
ويرى العديد من الخبراء العسكريين والاستراتيجيين، أن نتيجة هذه الحرب حُسمت في الساعات الست الأولى من عملية «طوفان الأقصى»، وأن كل العمليات العسكرية المستمرة حتى الآن ليست سوى محاولات لتقليل حجم الهزيمة الكارثية على الكيان، وبلغة المكاسب والخسائر نستعرض في التقرير التالي الرابحين والخاسرين من الحرب حتى الآن بين إسرائيل وحركة حماس.
فشل إسرائيلي ذريع
في البداية، قال اللواء محسن السيد أحمد، الخبير العسكري والمفكر الاستراتيجي، إنه بلغة الرابحين والخاسرين من الحرب حتى الآن، نجد أن المقاومة نجحت فى تحقيق انتصار معنوى كبير، خلاف نجاحها فى تحرير 150 فلسطينيا من سجون الكيان المحتل، ومنح فرصة لأهالى قطاع غزة من تنفس الصعداء بدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية بكل أريحية ما يخفف قطعا من معاناتهم وإنقاذ حياة الآلاف من المدنيين، ناهيك عن منح الفرصة إلى إعادة تموضع عناصر المقاومة وتمركزها ما يتناسب مع تطور الصراع.
وأضاف «أحمد»، أن الحرب أعادت الوجود الحقيقي على أرض الواقع لحركة حماس وأنها ضلع قوي في منظومة حل القضية، وأن السلطة الفلسطينية فقدت هيمنتها على القضية، وبذلك فإن إسرائيل اعترفت رسميًا بذلك بدليل اتفاقها مع حماس على تبادل الأسرى، وبكل حسابات الربح والخسارة تؤكد مما لا شك فيه أن المقاومة الفلسطينية انتصرت حتى الآن، لأنه كيف تكون مقاومة محاصرة تقاتل جيشًا مدججًا بالسلاح والطائرات والغرب والولايات المتحدة يدعمونه بجسور جوية وصواريخ وحاملات طائرات وبدعم استخباراتى وجنرلات أمريكية يتواجدون فى غرفة عمليات مجلس الحرب الإسرائيلي، ولازالت صامدة وتحقق انتصارات عديدة.
وقال الخبير العسكري، إن الحقيقة المؤكدة أن إسرائيل لم تنجح فى تحقيق هدفها من الحرب كما كانت تقول سواء بتدمير المقاومة نهائيًا، وتحرير الرهائن والأسرى بالقوة، وأنه لا حديث عن وقف إطلاق النار إلا بعد تحرير الرهائن والأسرى، لكن هذه الهدنة قضت على هدف الاحتلال وأجبرته على الجلوس والتفاوض، حتى ولو كانت هدنة 6 أيام فقط، بل أثبتت بالفعل أن أسطورة الجيش الإسرائيلي خرافة.
وأكد أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، قرر قبول الهدنة بعد أن فشل فى السيطرة حتى ولو على كم واحد داخل قطاع غزة، وبعد خسائره الفادحة في قوات النخبة والاحتياط والمعدات العسكرية، وأن كل ما فعله هو مهاجمة المدنيين والأطفال وقصف المستشفيات وارتكاب المجازر التى تعد جرائم حرب وليست نصرًا أو إنجازًا.
وأشار إلى أن مكاسب إسرائيل الوحيدة من وجهة نظرها قطعا أن هذه الهدنة ستخفف من الضغوط الداخلية على حكومة نتنياهو بشأن الأسرى والرهائن، وأيضا ستخفف من حدة الضغوط الخارجية عليها، خلاف الانصياع إلى الإدارة الأمريكية التى ترى أنها أصبحت فى وضع محرج أمام الضغوط الممارسة عليها من قبل العرب ومن قبل دول كثيرة ضاغطة من أجل وقف إطلاق النار.
وأكد اللواء محسن السيد، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، من أكبر الخاسرين بسبب الحرب، حيث فقد تواجده السياسي في الحكومة وربما يكون الحرب نهاية تاريخه السياسي، نفس الأمر بالنسبة للسلطة الفلسطينية فيوجد انحسارًا شديدًا لظاهرة السلطة الفلسطينية وخاصة أبو مازن، حيث عقب انتهاء الحرب سوف يكون هناك مطالب بتغير أبو مازن.
وأشار إلى أن أهم المكاسب هي التأكيد أن المقاومة الشعبية الفلسطينية هي البديل لتحرير الدولة، وأن قطاع غزة لا بد من تحريره من قبضة إسرائيل وأن الاتجاه هو وضعه تحت سيطرة دولية باعتبار ذلك نقلة نحو الاستقلال التام.
مكاسب حماس السياسية
من جانبه، يرى السفير صلاح فهمي مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن حماس والفصائل الفلسطينية، حققت مكاسب عسكرية وسياسية، لم تحققها على مدار تاريخها، منذ الإعلان عن تأسيسها في منتصف الثمانينات، وبالتالى تستغل عامل الضغط في الداخل الإسرائيلى مع التأييد الغربى على المستوى الشعبى للمرة الأولى، وهزيمة إسرائيل للمرة الأولى أمام الرأى العام العالمى، وتستخدم ذلك كله لإطالة أمد الصراع بما يُمكِّنها من الحفاظ على مكاسبها، وبما يعمل على ضمان استمرار وجودها في القطاع ما بعد انتهاء العدوان.
وأضاف «فهمي»، أن قبول صفقة تبادل الأسرى شكل أزمة داخل إسرائيل، حيث يواجه نتنياهو حاليًّا تحديًا داخليًا، بعض رفض بعض وزراء حكومته المتطرفة هذه الصفقة؛ لأنها تُعتبر اعترافًا علنيًا بالهزيمة أمام الجانب الفلسطيني.
وأشار إلى أن جميع الأطراف عليها أن تدرك أنه ما دام هناك نية لتسوية أمر معين كموضوع الرهائن والأسرى من الجانبين، فهذا معناه أنه قد يكون هناك نية للحديث عن بقية القضايا العالقة بين الجانبين في إطار تسوية القضية الفلسطينية، منوها إلى أن حكومة الليكود التي يرأسها نتنياهو باتت في حرج داخلي وخارجي بعد فشلها في تحقيق أهدافها والقضاء على حركة حماس، وكذلك فشلها في تحرير رهائنها لدى حماس، ما كشف ضعف المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية في مواجهة حماس، علاوة على الحرج أمام المجتمع الدولي الذي أدرك جيدا زيف الادعاءات الإسرائيلية.
وأكد أن الحرب أثبت للحكومة الإسرائيلية، أن السلام مُمكن في نهاية المطاف إذا وصلت إسرائيل إلى قناعة باستحالة تحقيق أهدافها المُعلنة في الحرب، فلقد مضى شهر ونصف على الهجوم الوحشي الإسرائيلي ولم تتمكن إسرائيل من الوصول إلى الأسرى، ولا أعتقد أن أسابيع أخرى من الحرب ستؤدي إلى نتيجة مختلفة بالنسبة للإسرائيليين.
وأضاف «فهمي»، أن فكرة قدرة إسرائيل على تحقيق أهداف الحرب من خلال استئناف القتال بعد انتهاء الهدنة وتوسيع الحرب إلى جنوب قطاع غزة لن تجلب سوى المزيد من التحديات العسكرية التي تواجه إسرائيل، علاوة على العواقب الهائلة المنتظرة على المدنيين في حال توسيع الحرب إلى جنوب غزة، فإن حقيقة أن إسرائيل لا تزال تواجه مقاومة في شمال القطاع تعني أنّ المقاومة الفلسطينية لا تزال قادرة على الصمود لفترة طويلة.
وشدد مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن قبول نتنياهو بصفقة تبادل جزئية للأسرى تعكس نقاط ضعف إسرائيل في الحرب وتتمثل بشكل أساسي في ملف الأسرى وفي العجز العسكري والاستخباراتي في إدارة الحرب والقضاء على حركة حماس والإفراج عن كافة الأسرى كما ادعت من قبل.
ويرى السفير صلاح فهمي، أن الحرب أعادت الوجه النضالى والبطولى إلى حماس بعد أن فقدت وجهها السياسى فى ممارسة الحكم، وأن أى ترتيبات مستقبلية لن تستطيع تجاهل حماس.
وأوضح أن السلطة الفلسطينية لم تعد أهلا للثقة فى نظر شعب غزة الذين لن ينسوا موقف عباس من العدوان ويعزز ذلك الحديث الذى تم عن تواطؤ عباس مع إسرائيل وموافقته على العدوان لرغبته فى الدخول إلى غزة على الدبابات الإسرائيلية -على حد قوله-.
وأوضح مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن حكومة نتنياهو خسرت الكثير بسبب الحرب، متابعًا: «وفقًا لتقرير صادر عن الحكومة الإسرائيلية، فهناك نقص واضح في الأيدي العاملة بالمصانع الإسرائيلية بسبب تجنيد بعض الموظفين في الجيش ومغادرة بعض الإسرائيليين لمنازلهم في إسرائيل، وهناك توقف دوري معتاد لإنتاج الكثير من المصانع الإسرائيلية نتيجة الصواريخ التي تطلقها الفصائل الفلسطينية تجاه المدن الإسرائيلية، وعدة قطاعات تأثرت اقتصاديا في إسرائيل، فقطاع البناء توقف بشكل كبير، وخبراء اقتصاد أكدوا أن عددا من العمال الفلسطينيين تم إلغاء تصاريحهم بسبب الحرب، وقطاع الفنادق والمطاعم انخفض بنسبة 10% بعد طوفان الأقصى ثم ارتفعت النسبة لـ20% مع بدء التوغل البري الإسرائيلي في غزة».
واختتم حديثه قائلًا: «كما خسرت إسرائيل لأن كل ما يقال عن جيشها أنه لا يقهر أصبح من الماضي وليس صحيحا، خسرت إسرائيل لأنها ولأول مرة منذ عقود تخسر أكثر من ألف رجل قُتلوا على يد المقاومة، وخسرت إسرائيل لأنها فقدت أكثر من 300 شخص منهم مجندين وضباط هم في عداد المحتجزين لدى المقاومة».