صبري الموجي يكتب: إبراء ذمة.. بعدما غَلبَ الجنيه (الأبونيه)!
رسخَ في وجدان الناس خاصة العوام أن الصحافة باعتبارها سلطة رابعة، تُتيح لمن ينتمي لبلاط صاحبة الجلالة أن يقضي مصالح الناس مع الهيئات والوزارات، بل اعتبر البعضُ أن الصحفي (سوبرمان)، يستطيع ردَّ المطلقة، وجلب الحبيب، وربما طالبه البعضُ بأن يحضر له لبن العصفور، أو أن يخبره أين أخفي القردُ صغيره؟!.
كما لو كان يستعينُ بعفريت من الجن، يأتيه بما يريد قبل أن يقومَ من مقامه، أو يرتدَّ إليه طرفه.
والحقيقة أن الواقع يُكذب ذلك، ولو سلمنا بأنه كانت للصحفي سلطة سابقا، فإنها تلاشت مؤخرا، وربما انعدمت.
وبعدما كانت أبواب الوزارات والمصالح، تفتح للصحفي علي مصاريعها، صار لا يُلتفت إليه، ولا يلقي اهتماما حتي من سكرتارية أي مسئول، وهو ما يجعلني كغيري من الصحفيين، وبكل أسف، أتحسر علي زمن فات!.
وأبدا لا أُطالب هنا بأن يكون الصحفي فوق القانون، أو أن تبدرَ عنه تجاوزات أو اختراقات للقواعد واللوائح، ولكني أطالب بأن تتوافر له مزايا توفر وقته وجهده؛ ليستثمره في صبِّ فكر، يخاطب العقل ويرتقي بالوجدان، وتساعده هذه المزايا أيضا في تنبيه المسئولين إلي أوجه الخلل، بل والمساعدة في حل المشكلات من خلال كلمته المقروءة، التي لو خرجت من قلبه، فسيكون لها أثرُها في الإصلاح والتنمية!.
وباستقراء حال أصحاب الأعمدة الصحفية السابقين أمثال التابعي، وأحمد بهاء الدين، ومصطفي وعلي أمين، ومحمد حسنين هيكل، مرورا بإبراهيم نافع، وسلامة أحمد سلامة، وصلاح حافظ، وإبراهيم سعدة، وسمير رجب، وفهمي هويدي، وأنيس منصور وصلاح منتصر، وفاروق جويدة، وغيرهم الكثير والكثير، نجد أن الصحافة لم تكن تقل أبدا عن الجهات التشريعية والتنفيذية، بل هي التي كانت توجه مسارها للوصول للرأي الصائب والحكم الرشيد!.
وكم أفشلتْ أعمدةُ الصحفيين مخططات تخريب، وزجت بفاسدين إلي غياهب السجون.
لكن اليوم، لم تعد للصحافة شوكة، ولم يعد لها ظهرٌ قوي، فصار الصحفي يُضرب علي بطنه ورأسه وربما تحت الحزام، أو علي إليتيه!
وأخيرا.. أما وإن واقع الصحافة وصلَ إلي هذ الحد المتردي، وأصبح لا يسر (عدو ولا حبيب)، بعدما غلبَ الجنيه( الأبونيه)، ولم تعد لكارنيه نقابة الصحفيين حصانة، فإنني أطالب بأن يعذرني ذوو المطالب التي لا تنتهي، إن أخفقتُ في تلبية مصالحهم وقضاء حوائجهم، فلم أعد أملك تلك العصا السحرية، التي كثيرا ما فتحت الأبواب المُغلقة.
وليعذُرني أخيرا كلُّ مسئول طرقتُ بابه لقضاء مصلحة لشخص مُحتاج، أو مريض يتألم، فوالله ما أردتُ إلا الخير، ولم تكن لي منفعةٌ من وراء ذلك أو غرض، أو أنني أنوي الترشح لمجلس النواب أو الشيوخ، وأُقدمُ السبت لأجد الأحد.