تحركات وزارة الداخلية لاصطياد «حيتان الدولار» وضبط سوق الصرف
يواجه العالم جرائم غسل الأموال بسن المزيد من القوانين لوقف تدوير الأموال الناتجة عن أعمال مشبوهة أو جرائم مالية، لما لها من تأثيرات شديد السلبية على الاقتصاد القومي، إضافة إلى مخاطرها على الدول في التصنيف الدولي بوصفها دولة «عالية المخاطر».
وفي هذا الصدد، لم تقف الدولة المصرية مكتوفة الأيدي بشأن مكافحة جرائم الأموال العامة؛ لما تمثله من مخاطر تؤدى إلى عقبات وأزمات مالية واقتصادية وخيمة، حيث أصدرت عدة قوانين لمكافحة هذه الجرائم.
وشهدت الفترة الأخيرة جهودا أمنية مكثفة لمكافحة جرائم الأموال العامة وضبط سوق الصرف والقضاء على المضاربات التي تسببت في انتعاش الدولار وتجاوزه مستوى 70 جنيهًا في السوق السوداء خلال الفترة الماضية، وانتشرت الأكمنة الأمنية بطريقة غير مسبوقة لملاحقات كل من هو بحوزته الدولار من المواطنين، وهو ما أشارت إليه الإعلامية لميس الحديدي في برنامجها كلمة أخيرة، وذكرت أن التفتيش والقبض أصبح عشوائيًا.
وأضافت الإعلامية أن هناك شكاوي متعددة من حملات تفتيش على الطرق والمحاور بجانب القبض على من لديه 30 و50 وألف دولار، لافتة إلى أن القانون لا يجرم الحيازة طبقًا للبنك المركزي في المادة 212، وهو ما يوضح الفرق الكبير بين الحيازة والاتجار في العملة.
وتسببت الحملات الأمنية في حالة من الهلع والذعر بين المواطنين، خاصة مّن هم يعملون بالخارج ويرسل لذويه دولارًا لصرفها، وهو الأمر الذي يؤثر على وضع الاقتصاد المصري ويزيد من تخزين العملة، وارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي.
وعلى الرغم من ذلك إلى وزارة الداخلية حققت نجاحات نوعية في القضاء على العديد من البؤر الإجرامية والتشكيلات العصابية والتصدي للجرائم الضارة بالاقتصاد الوطني، وبلغت قيمة مضبوطات جرائم الأموال العامة نقديًّا ومستنديًّا (3.7 مليار جنيه) -حسب تصريحات اللواء محمود توفيق وزير الداخلية-.
وكشف وزير الداخلية عن الانخفاض الملموس والمتتالي لمعدلات ارتكاب الجريمة وفقًا للإحصائيات السنوية بلغت هذا العام 13.9% مقارنة بالعام السابق، مؤكدًا أن هذا الانخفاض انعكاس لجهود متواصلة بذلتها أجهزة البحث في الوزارة، وترجمة لنجاح جهود الدولة في القضاء على العشوائيات التي كانت تشكل بيئة حاضنة للأعمال الإجرامية.
نجيب ساويرس
ورغم الجهود الأمنية المكثفة لأجهزة وزارة الداخلية لمكافحة جرائم غسل الأموال والاتجار بالنقد الأجنبي، إلا أن رجل الأعمال نجيب ساويرس، انتقد الإجراءات الأمنية التي تتخذها أجهزة الأمن لضبط جرائم الأموال العامة.
وكتب «ساويرس»، عبر صفحته الرسمية على موقع «إكس» تويتر سابقًا، منتقدًا التحركات الأمنية لضبط جرائم الأموال العامة، قائلًا: «نصيحة لوجه الله.. عمر الإجراءات البوليسية ما تحل أي مشكلة اقتصادية، بل بالعكس تطفش الاستثمار، وكذلك القبض على كل واحد لديه دولارات سيؤدي إلى نتائج عكسية.. اللهم إني بلغت فاشهد».
ويثير انتقاد رجل الأعمال نجيب ساويرس تساؤلًا لدى البعض حول مدى جدوى التكثيفات الأمنية التي شنتها وزارة الداخلية لضبط جرائم الأموال العامة في السيطرة على السوق الموازية وتقليل الفجوة بين أسعار الدولار الرسمية في البنوك والسوق السوداء؟ وهل ينجح مخطط الداخلية في اصطياد «حيتان الدولار» وضبط سوق الصرف؟ وما هو دور جهاز إدارة والتصرف في الأموال المستردة والمتحفظ عليها ومنها الأموال المضبوطة في القضايا؟
جرائم الأموال العامة
وتستعرض «النبأ الوطني» جهود وزارة الداخلية لضبط جرائم الأموال العامة، وذلك بالتزامن مع إنشاء جهاز إدارة والتصرف في الأموال المستردة والمتحفظ عليها -والتي هي على ذمة قضايا- خاصة أن مشروع القانون يهدف إلى إنشاء جهاز إدارة والتصرف في الأموال المستردة والمتحفظ عليها، ويلتزم الجهاز بالمحافظة على هذه الأموال وحسن إدارتها وتنميتها للاستفادة منها على أفضل وجه، وكذلك التصرف في هذه الأموال في الحالات التي يجوز فيها ذلك قانونًا.
ففي 24 ساعة، أسفرت جهود قطاع الأمن العام، بالاشتراك مع الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة، ومديريات الأمن، عن ضبط (61) قضية "اتجار" في العملات الأجنبية المختلفة بقيمة مالية قرابة (48 مليون جنيه)، كما وجهت ضربة موجعة لتجار النقد الأجنبي بالسوق السوداء، وضبطت (54) قضية أخرى "اتجار" في العملات الأجنبية المختلفة، بقيمة مالية قرابة (20 مليون جنيه).
وفي البحيرة، اتخذت الأجهزة الأمنية الإجراءات القانونية حيال (مالك شركة للمقاولات)؛ لامتناعه عن سداد (12.3 مليون جنيه تقريبًا) مديونية مستحقة عليه لإحدى الشركات المملوكة للدولة، وهو ما مكنه من تكوين ثروة مالية بطريقة غير شرعية، ومحاولته إخفاء مصدر تلك الأموال وإصباغها بالصبغة الشرعية، وإظهارها وكأنها ناتجة عن كيانات مشروعة عن طريق (تأسيس الشركات - شراء العقارات والسيارات).
أما في القاهرة، ألقت أجهزة الأمن القبض على رجل أعمال يدعى «و.م»، صاحب شركة استيراد وتصدير، وشقيقه مدير الشركة، بالاتجار في النقد الأجنبي وحيازتهما مبالغ مالية بلغ جملتها نحو (نصف مليون دولار، و15 مليون جنيه مصري، و55 ألف يورو، و2000 شيكل إسرائيلي، و10 آلاف ريال سعودي، كما ضبطت القائمين على إحدى الشركات لإتجارهم غير المشروع بالنقد الأجنبي، وعثر بحوزتهم على عملات أجنبية مختلفة تقدر قيمتها المالية بنحو (38 مليون جنيه)، وكذلك ضبطت (42) قضية "اتجار" في العملات الأجنبية المختلفة، خلال 24 ساعة، بقيمة مالية تقدر بنحو (13 مليون جنيه).
وفي محافظة الإسكندرية، تمكنت الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة بقطاع مكافحة جرائم الأموال العامة والجريمة المنظمة، من اتخاذ الإجراءات القانونية حيال شخص لاتهامه بمحاولة غسل 15 مليون جنيه متحصلة من نشاطه الإجرامي في مجال النصب على المواطنين بالإسكندرية، والاستيلاء على أموالهم بزعم تسفيرهم للخارج.
وتمكن المتهم من خلال نشاطه الإجرامي من تجميع مبالغ مالية، ومحاولته غسل تلك الأموال وإخفاء مصادرها وإصباغها بالصبغة الشرعية، وإظهارها وكأنها ناتجة عن كيانات مشروعة عن طريق (شراء مراكب الصيد – شراء الوحدات السكنية والمحلات التجارية وتأسيس الشركات والسيارات)، كما تم ضبط (22) قضية اتجار في العملات الأجنبية المختلفة بقيمة مالية تقدر بنحو (34 مليون جنيه).
مخاطر غسل الأموال
وتعليقًا على ذلك، يقول اللواء رأفت الشرقاوي، مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام سابقًا، إن جرائم غسل الأموال يترتب عليها النيل من سمعة الدولة ومكانتها الدولية، وبالتالي وقف المعاملات المالية وسوء سمعة الاقتصاد، وانخفاض تنافسية الأسواق وتراجع التجارة والتصدير وانخفاض الاستثمار الأجنبي، وانسحاب الشركات والمؤسسات المالية العالمية من السوق وزيادة العبء على الأفراد والمؤسسات في التعاملات المالية والتجارية والاستثمارية مع الخارج، لذلك تكثف الأجهزة الأمنية جهودها لمكافحة جرائم غسل الأموال وضبط سوق الصرف والقضاء على المضاربات التي تسببت في انتعاش الدولار وتجاوزه مستوى 70 جنيهًا في السوق السوداء خلال الفترة الماضية.
ويوضح مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام سابقًا، خلال حديثه لـ«النبأ الوطني»، أن هناك نوعين لجرائم غسل الأموال، الأول: متحصلات عمل غير مشروع وإعادة تدويرها في عمل مشروع لإضفاء الشرعية عليها، والثاني: الأموال التي يكون مصدرها مشروع وتنفق في مصدر غير مشروع مثل: تمويل الإرهاب وشراء أسلحة وذخائر ومفرقعات أو الشراء من الدول التي عليها حظر مثل إيران، ويشار إلى ضرورة متابعة فئتين هما: من يعمل بالحقل السياسي، ومديري البنوك، بهدف المراقبة والمتابعة وليس المنع.
ويضيف أن وحدة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب تتبع البنك المركزي المصري، والوزير المختص هو رئيس مجلس الوزراء أو من يفوضه من الوزراء، منوهًا أن القانون يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سبع سنوات وغرامة تعادل مثل الأموال محل الجريمة، كل من ارتكب أو شرع في ارتكاب جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا القانون، ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأموال المضبوطة، أو بغرامة إضافية تعادل قيمتها في حالة تعذر ضبطها أو في حالة التصرف فيها إلى غير حسن النية.
ويشير إلى مخاطر جرائم غسل الأموال منها: التهرب الضريبي، والسطو والسرقة، وتجارة الممنوعات، والفساد والرشوة، والاحتيال، مؤكدًا أنه يستوجب لمكافحة جريمة غسل الأموال فهم مراحل سيرها إذ تبدأ باستثمار وإدخال الأموال المتحصلة من الجرائم والأعمال غير القانونية إلى النظام المالي، ثم يحاول المجرمون إخفاء علاقة الأموال بمصادرها غير المشروعة بواسطة القيام بسلسة من العمليات المعقدة بهدف إخفاء المصدر الأصلي للأموال، وفى نهاية الأمر يتم دمج الأموال المغسولة في الاقتصاد بطريقة تصعب التميز بين الأموال غير المشروعة والأموال المشروعة بحيث يتم صرف نظر الجهات والسلطات المالية المعنية.
جهاز يحافظ على الأموال
وفيما يخص مشروع قانون إنشاء جهاز إدارة والتصرف في الأموال المستردة والمتحفظ عليها، والذي وافق عليه مجلس النواب، يشير «الشرقاوي» إلى تصريح لوزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد، بأن الحصر المبدئي للأصول غير المستغلة، وصلت إلى 600 مليار جنيه، مؤكدًا أن جهاز إدارة والتصرف في الأموال المستردة والمتحفظ عليها، يلتزم بالمحافظة على هذه الأموال وحسن إدارتها وتنميتها للاستفادة منها على أفضل وجه، والتصرف في هذه الأموال في الحالات التي يجوز فيها ذلك قانونًا، باعتبار أن النظام الاقتصادي يهدف إلى تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، مع الالتزام بمعايير الشفافية والحوكمة وتشجيع الاستثمار، لذلك برزت أهمية إنشاء جهاز إدارة والتصرف في الأموال المستردة والمتحفظ عليها.
ويكمل: «ويحل الجهاز محل كل من: الإدارة العامة للأموال المستردة بالهيئة العامة للخدمات الحكومية بوزارة المالية المنصوص عليها بموجب القانون رقم 127 لسنة 1956 - الإدارة المركزية لموارد وتعويضات الإصلاح الزراعي - وجهاز تصفية الحراسات، ويهدف مشروع القانون بدمج الجهات السابقة تحت مظلة كيان تنظيمي واحد مسئول عنها يتولى إدارتها بشكل مؤسسي يحقق الغاية المنشودة منها وتحقيق الأهداف المتقدمة وتجانس وتكامل الاختصاصات التي تباشرها الكيانات الثلاثة المشار إليها، ويصدر وزير المالية القرارات المنفذة للقانون خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون».