مدفع الحاجة فاطمة وسر فرمان الخديوى إسماعيل
تعددت القصص والحكايات والروايات حول مدفع الإفطار ونشأه هذه الفكرة التي أصبحت من طقوس رمضان ينتظرها المصريون للإفطار في شهر رمضان حينما ينطلق صوت المدفع من خلال الإذاعة، مدفع رمضان اضرب، هو المدفع ضربا ولا ليه؟ فاضل قد إيه على المدفع.
وتظل هذه اسأله في شهر رمضان، ولكن متى بدأت هذه الفكرة والتي نقلتها عن مصر الدول العربية مع بداية القرن التاسع عشر.
تروي إحدى هذه القصص أن مدفع رمضان يرجع إلى عهد السلطان المملوكي خشقدم حين أراد أن يجرب مدفعا جديدا وصل إليه، وصادف إطلاق المدفع وقت غروب شمس أول يوم من رمضان عام ٨٥٩ هجرية- ١٤٦٧ م، فظن الناس أن السلطان تعمد إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين إلى أن موعد الإفطار قد حان، فخرجت جموع الأهالي إلى مقر الحكم لتشكره على هذه البدعة الحسنة التي استحدثها، وعندما رأى السلطان سرورهم قرر المضي في إطلاق المدفع كل يوم إيذان بموعد الإفطار.
وهناك قصة أخرى تقول إن بعض الجنود في عهد الخديوي إسماعيل كانوا يقومون بتجربة أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة، وتصادف أن كان ذلك وقت أذان المغرب في أول يوم من رمضان، فظن الناس أن الخديوي اتبع تقليدا جديدا للإعلان عن موعد الإفطار، فصاروا يتحدثون عن ذلك، وعندما علمت الحاجة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل بما حدث، أعجبتها الفكرة فطلبت من الخديوي إصدار فرمان بأن يجعل من إطلاق المدفع عادة رمضانية جديدة وعرف وقتها باسم مدفع الحاجة فاطمة، وفيما بعد أضيف إطلاقه في السحور والأعياد الرسمية.
وهناك قصة ثالثة أنه في عهد محمد علي باشا، حينما أراد تجربه أحد المدافع الجديدة التي استوردها من ألمانيا في إطار خططه لتحديث الجيش، وتصادف ذلك مع أول يوم في شهر رمضان وسمع العامة صوت المدفع وظنوا أنه تقليد جديد استحدثه محمد علي وتناقلت إلى مسامعه استحسان الشعب لهذه الفكرة فقرر أن تستمر طول شهر رمضان، في الإفطار والسحور.
ومع اختلاف الروايات التي وضحت حكاية وتأريخ مدفع رمضان إلا أنها أجمعت على أن القاهرة عاصمة مصر أول مدينة ينطلق فيها مدفع رمضان نقلتها عنها باقي الدول العربية والإسلامية مع بداية القرن التاسع عشر،
في منتصف القرن التاسع عشر وتحديدا في عهد الخديوي عباس الأول عام 1853 م كان ينطلق مدفعان للإفطار في القاهرة: الأول من القلعة، والثاني من سراي عباس باشا الأول ”بالعباسية، وفي عهد الخديوي“ إسماعيل ”تم التفكير في وضع المدفع في مكان مرتفع حتى يصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة، واستقر في جبل المقطم حيث كان يحتفل قبل بداية شهر رمضان بخروجه من القلعة محمولا على عربة ذات عجلات ضخمة، ويعود بعد نهاية شهر رمضان والعيد إلى مخازن القلعة الثانية.
وتطورت وظيفة المدفع فكان أداة للإعلان عن رؤية هلال رمضان، فبعد ثبوت الرؤية تنطلق المدافع من القلعة ابتهاجا بشهر الصوم علاوة على إطلاقه 21 طلقة طوال أيام العيد الثلاثة
وهكذا استمر صوت المدفع عنصرا أساسيا في حياة المصريين الرمضانية من خلال المدفع الذي يعود إلى عصر“ محمد علي ”إلى أن ظهر الراديو، فتوقف إطلاقه من القلعة في أحيان كثيرة، وإن ظل التسجيل الصوتي له يذاع يوميا عبر أثير الراديو والتليفزيون إلى أن قرر المسئولون أن تتم عملية بث الإطلاق على الهواء في أذان المغرب من القلعة، حيث قرر وزير الداخلية المصري“ أحمد رشدي ”في عام 1983 إعادة إطلاق المدفع من“ قلعة صلاح الدين الأيوبي طوال رمضان في السحور والإفطار فعاد للمدفع دوره ورونقه.
إلا أن هيئة الآثار طلبت في بداية التسعينيات من وزارة الداخلية وقف إطلاقه من القلعة خوفا على المنطقة التي تعد متحفا مفتوحا للآثار الإسلامية، وحذرت الهيئة من أن إطلاق المدفع 60 مرة في سحور وإفطار رمضان و21 طلقة كل أذان في أيام العيد الثلاثة تؤثر على العمر الافتراضي لتلك الآثار بسبب الاهتزازات الناجمة عن إطلاقه.
وبالفعل تم التفكير في نقله إلى مكان آخر، واستقر الرأي على جبل المقطم مرة أخرى، حيث تم نقل مدفعين من المدافع الثلاثة الباقية من أسرة محمد علي إلى هناك، وتم الإبقاء على المدفع الثالث كمعلم سياحي في ساحة متحف الشرطة بقلعة صلاح الدين يطل من ربوة مرتفعة على القاهرة، ومواصفاته هي مدفع ماركة كروب إنتاج عام ١٨٧١ م عبارة عن ماسورة من الحديد ترتكز على قاعدة حديدية بعجلتين كبيرتين من الخشب بإطارات من الحديد، وكان يقوم بتشغيله اثنان من الجنود أحدهم لوضع البارود في الفوهة والأخر لإطلاق القذيفة.
ورغم توقف المدفع من سنوات عديدة إلا أنه أصبح من طقوس الإفطار في رمضان.