الأزمة تتفاقم..
مصير أسعار الغاز الطبيعي المنزلي بعد عودة الاستيراد
بدأت أزمة الغاز في مصر تدخل إلى «نفق مظلم» بعد قرار تعليق تصدير الغاز المسال وبدء دراسة استيراده لتلبية الاحتياجات المحلية، بجانب أنباء تراجع واردات مصر من الغاز الطبيعي الإسرائيلي، بنسبة 22% أي 900 مليون قدم مكعب يوميًا خلال صيف 2024.
وتعتمد مصر على الغاز الإسرائيلي لتلبية جزء من الطلب المحلي، مع تصدير الفائض على شكل غاز مسال إلى أوروبا بشكل أساسي، عبر مصانع التسييل في إدكو ودمياط بطاقة إنتاجية 2.1 مليار قدم مكعب يوميًا.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن صادرات مصر من الغاز الطبيعي تراجعت بواقع 7.2 مليار دولار أي ما يعادل نسبة 74 بالمئة، لتسجل في العام 2023 مستوى 2.5 مليار دولار مقابل 9.8 مليار دولار في العام 2022.
وخلال الفترة الحالية، تدرس مصر شراء الغاز الطبيعي المسال من الأسواق الخارجية بدءًا من شهر مايو المقبل، بهدف تفادي حدوث نقص في الوقود خلال هذا الصيف، لكن الأزمة في البحر الأحمر والضغوط في سيناء تشكل تحديًا أمامها.
وتعد هذه الخطوة بمثابة تحوّل كبير بالنسبة لمصر، التي توقفت عن استيراد الغاز الطبيعي المسال منذ عام 2018، بعد اكتشاف حقل ظُهر والذي رفع الإنتاج المحلي؛ لتتحول إلى بلد مُصدّر للوقود.
ووفقًا لبلومبرج، فإن الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) الحكومية، اشترت شحنة واحدة على الأقل من الغاز الطبيعي المسال للتسليم الفوري إلى محطة العقبة للتغويز في الأردن، وذلك في وقت تتفاوض على استئجار «سفينة تغويز» تقوم بتحويل الغاز المسال إلى صورته الغازية، لمدة 5 سنوات قابلة للزيادة، لتكون مرفأ لشحنات الغاز المسال المستوردة.
وقال المهندس حمدي عبد العزيز، المتحدث باسم وزارة البترول، إن قرار تعليق تصدير الغاز المسال خلال فصل الصيف ليس جديدًا، بل يتم اتخاذه بشكل دوري ومُخطط له مسبقًا، وذلك لتلبية الطلب المتزايد على الغاز المحلي مع ارتفاع درجات الحرارة.
وأوضح «عبد العزيز»، أن مصر تسعى إلى تنويع مصادر الطاقة لتلبية احتياجاتها، بما في ذلك الاعتماد على الغاز والمازوت والطاقة المتجددة.
وأشار إلى أنه في بعض الأوقات، تضطر مصر إلى استيراد المازوت لتوليد الطاقة، في حين تصدر الفائض من الغاز بسبب ارتفاع أسعاره العالمية.
وأكد أن انخفاض أسعار الغاز حاليًا يجعل من استيراده بديلًا أكثر جدوى لتلبية احتياجات السوق المحلية مقارنة بالمازوت.
ولفت المتحدث باسم وزارة البترول، إلى أهمية تعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة، حيث إن الدولة تتخذ خطوات هامة في هذا الاتجاه، بما في ذلك إقامة محطات نووية.
ارتفاع أم تثبيت؟
وتباينت آراء الخبراء، حول مصير أسعار الغاز الطبيعي بعد البدء في الاستيراد، حيث توقع البعض تحمل الحكومة فروق الأسعار سواء للمصانع أو للمنازل، بينما توقع آخرون حدوث ارتفاع طفيف في الأسعار.
وفي هذا السياق، قال الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، وأستاذ الاقتصاد بأكاديمية النقل البحري، إن الدولة ليس لديها بدائل أخرى غير استيراد الغاز المسال لسد الفجوة بين الطلب والإنتاج التي أحدثتها تراجع واردات الغاز الإسرئيلي الفترة الماضية، بجانب تأثر مصر بشكل ملحوظ من توقف الشركات الأجنبية لاستخراج الغاز والبترول بسبب تأخر مستحقاتهم.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن هذا الأمر دفع مصر إلى سداد 20% من التزاماتها بعد تحرير سعر الصرف، وهو ما سيترتب عليه عودة الشركات الأجنبية إلى القطاع والعمل مرة أخرى بما يزيد من الإنتاج.
وأشار «الإدريسي»، إلى أنه بالنسبة لأسعار الغاز بعد بدء عمليات الاستيراد، سيكون هناك ارتفاع مستمر بسبب تحرير سعر الصرف والتوتر في المنطقة، بجانب الهجمات في البحر الأحمر.
وأوضح أن هناك سببين لإسرائيل وراء خفض واردات الغاز إلى مصر، أولهما ظروف الحرب واحتياجها إلى الغاز، والثاني نوع من أنواع الضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارسها على مصر بسبب الملف الشائك الخاص بدخول الفلسطينيين إلى سيناء.
وتوقع الخبير الاقتصادي، تحرك أسعار الغاز، خلال الفترة المقبلة، بنسبة طفيفة، لترتفع مع زيادة الطلب في فصل الصيف، وانخفاض المعروض والإنتاج.
شروط جزائية على مصر
ومن ناحيته، قال الدكتور رمضان أبو العلا، أستاذ هندسة البترول وخبير الطاقة الدولي، إن مصر لديها التزامات مع الاتحاد الأوروبي خاصة بتصدير الغاز، ويطبق عليها شرط جزائي؛ لذلك هي لا يمكن أن توقف التصدير قبل الوفاء بالتزاماتها.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن ذلك يأتي بجانب ارتفاع احتياجاتنا المحلية مع دخول فصل الصيف وانخفاض الإنتاج، وهو الأمر الذي يستوجب استيراد جزء من الغاز المسال لسد احتياجاتنا المحلية والتزاماتنا من العقود طويلة الأجل.
وأشار «أبو العلا»، إلى أن الدولة ستتحمل فروق الأسعار التى ستنتج عن استيراد الغاز الطبيعي للمنازل وخاصة المصانع مراعاة للبعد الاجتماعي، بجانب أنه سيكون تشجيعا للصناعات المحلية.
وأوضح أستاذ هندسة البترول وخبير الطاقة الدولي، إلى أن عمليات الاستيراد تقل في فصل الشتاء تدريجًا وحتى يتم وقفه نهائية مع عودة الإنتاج مرة أخري بشكل كامل.