مرصد الأزهر: السوشيال ميديا سلاح الدواعش والتنظيمات المتطرفة
قالت الدكتورة رهام سلامة، المدير التنفيذي لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، إن ما لمسناه في خلال تعاملنا على أرض الواقع مع كثير من القضايا الاجتماعية والدينية التي فرضت نفسها بقوة على شبابنا، وما وجدناه في حواراتنا ومناقشاتنا مع الشباب في كثير من المحافل الرسمية داخل مصر وخارجها، قد أوجد حاجة ماسة إلى عرض تلك القضايا على مائدة البحث والنقاش في النسخة الحالية من مبادرة "اسمع واتكلم" - الموجهة خصيصًا إلى شباب الجامعات.
وتابعت رهام سلامة، في كلمتها بالجلسة الافتتاحية لمنتدي مرصد الأزهر "اسمع واتكلم"، أنه منذ انطلاق أولى نسخ المبادرة عام ٢٠١٨، تمثّل شاغلنا الأول بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في تناول ما يهم الشباب ويشغل أذهانهم ويؤرق حياتهم من أفكار وقضايا، لأن الشباب بما يملكونه من أفكار وطاقات هم بشائر الحاضر وحصاد المستقبل، فقد علمنا من دراساتنا وبحوثنا أهميةَ تهذيب تلك الأفكار وتوجيه تلك الطاقات في الأطر الصحيحة، مقترنة بالتوعية من مغبة الانسياق وراء اتجاهات تجمّلها الجماعات المتطرفة لجذب هؤلاء الشباب وغسل عقولهم، واقتيادهم إلى مصير نعلم نهايته جيدًا مع ما نراه من أخبار وأحداث على الأصعدة العالمية والإقليمية والمحلية.
وأوضحت رهام سلامة، أنه رغم خسارة داعش ودحر عناصره إلا أن استمرار وجود 10 آلاف من مقاتلي التنظيم بين سوريا والعراق وفق التقديرات الأممية يمثل تهديدًا لأمن هاتين الدولتين وباقي دول المنطقة، علمًا بأن هذا العدد الذي يمثل خطرًا هو المتبقي من نحو 31 ألف مقاتل قدموا من 86 دولة لينضموا إلى صفوف داعش في عام 2015، والمثير للقلق هنا أن النسبة الأكبر منهم كانت من منطقة الشرق الأوسط والمغرب العربي.
وأضافت أنه كان سلاح داعش وغيره من تنظيمات متطرفة في استقطاب الشباب هو وسائل التواصل الاجتماعي، فقد بلغ عدد حسابات تنظيم داعش على منصة "تويتر –السابقة-" أكثر من 46 ألف حساب في ذروة نشاط التنظيم الإرهابي.
وتابعت: شكلت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة فكرية مسؤولة عن تجنيد نحو 80% من عناصر التنظيمات المتطرفة، لهذا لا عجب عندما نعرف أن جُلّ الفتيات المنضمات إلى داعش لسن سوى قاصرات ومراهقات، تتراوح أعمارهن في الغالب ما بين 15 إلى 22 عامًا، بمتوسط عمر 18 عامًا أتين من جميع دول الغرب، بسبب استغلال عناصر التنظيم للمنصات الاجتماعية في استقطابهن وإيهامهن بالحب تارة، وبحلم الجهاد المقدس بعد تزييفه والتلاعب بمعناه الحقيقي تارة أخرى.
وأكدت أن هذه الأرقام هي مؤشر على الوضع الذي عانت منه المنطقة ولا تزال بعض دولها تتجرع ويلات الإرهاب إلى يومنا هذا.
وذكرت أن حديثنا لا يقتصر هنا على الجماعات المتطرفة التي تتخذ من الدين ستارًا لجرائمها وأعمالها الوحشية فحسب، بل كل الجماعات والمنظمات والأفراد ممكن يروجون للأفكار المتطرفة التي تهدم الثوابت الدينية والأخلاقية، وتدفع بالقيم التي تحفظ إنسانيتنا إلى حافة الهاوية - آخذة معها من يتفلّت من شبابنا إلى تلك الهاوية.
لذلك، كانت النسخة الثانية من المنتدى عام ٢٠٢٢ أكثر اشتباكًا؛ إذ تناولت قضايا أكثر خصوصية فرضتها العولمة والانفتاح اللامحدود بفعل شبكة الإنترنت - مثل قضية الحرية وحدودها، وذلك دون إغفال التطرق أيضًا إلى مسألة خطيرة مثل الشذوذ الجنسي الذي ناقشه متخصصون من المنظور النفسي والمنظور الديني لتوعية الشباب من خطورة هذا الفكر الذي يهدم كيان الأسرة ويشيع في المجتمعات الرذائل التي تفضي -بلا شك- إلى إيذاء الإنسانية جمعاء، بل يزيد في أزماتها التي تتفاقم يومًا بعد آخر، تارة بفعل الحروب والصراعات المسلحة الداخلية وتارة أخرى بفعل تلك هذه الأفكار المتطرفة... فللتطرف أوجه، وهذه بعضها.
وذكرت أنه امتدادًا للقضايا التي بحثناها في النسختين الأولى والثانية من مبادرة "اسمع واتكلم"، وضعنا نصب أعيننا في هذه النسخة مناقشة قضايا تخدم ما سبق، وتمهد الطريق إلى إيجاد حلول فعالة لها وللمستجد منها، سواء من خلال تصحيح المفاهيم الطارئة على مجتمعاتنا أو من خلال ضبط آلية تعامل شبابنا معها، تلك الآلية المتمثلة في المشاعر - وهو ما سنبحثه بإحدى جلساتنا.
وقالت رهام سلامة، إنه من نافلة القول إنه لا يمكن إغفال الطفرة التقنية الهائلة في عصرنا الحالي، وظهور تقنيات فاقت توقعاتنا كبشر - مثل الذكاء الاصطناعي وتعدد استخداماته في جميع المجالات، ورغم الميزات المصاحبة للابتكارات التقنية فإن ما رصدناه من أخبار عن آثاره السلبية التي بلغت حد إقدام البعض على الانتحار بعد إفضاء المحادثات المطولة مع أجهزة الذكاء الاصطناعي إلى مفاقمة مشاعر الخوف والقلق لدى الضحايا، ومع ما رصد من أرقام حول وصول عدد الأشخاص الذين استخدموا روبوت شات جي بي تي (ChatGPT) خلال الأيام الخمسة الأولى من إطلاقه إلى أكثر من مليون مستخدم، وبعد مرور عام كامل على إطلاقه بات يستخدمه100 مليون شخص أسبوعيًا حول العالم، تتأكد هذه المخاوف والتي تستدعي وضع تشريعات منظمة واتخاذ تدابير وقائية تحمي الشباب واليافعين من الآثار السلبية لتلك التقنيات خاصة مع اعتماد الشباب على وجه الخصوص مؤخرًا في تلقي معلوماته الدينية على الروبوتات الذكية دون التحقق من صحة ما تقدمه من معلومات.