رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

على خطى الأجداد.. قصة اشتهار الصعايدة بلعب العصا "التحطيب"

لعبة التحطيب
لعبة التحطيب

اشتهر صعيد مصر وتحديدًا محافظة الأقصر بالعديد من الفنون الشعبية المصرية ولعل من أبرز هذه الفنون، فن التحطيب، والذى أصبح جزءًا من تراثه وثقافته الشعبية، واستمده من قدماء المصريين الذين اتخذوا التحطيب لعبة أساسية لديهم، واعتبروا التحطيب من أهم الفنون القتالية لديهم.

ووجدت نقوش تصور نماذج لأفراد يمارسون التحطيب على جدران المعابد القديمة، أبرزها معبد الكرنك في محافظة الأقصر، جنوب مصر.

أصل لعبة التحطيب 

في البداية يقول "إدريس بشيرى" لـ "النبأ الوطني": "التحطيب هو المبارزة بالعصي الطويلة، ويسمى حامل العصا الـ "محطب"، وهناك أصول وخطوات لتعلم التحطيب، تختلف تفاصيلها باختلاف أعراف وعادات المحافظات المصرية، ولكن مع ذلك، إن قواعد اللعبة واحدة في كل مكان.

وأضاف "بشيرى" سميت اللعبة بـ "التحطيب" لاستخدام قدماء المصريين سيقان نبات البردى كعصا للتمرن عليها، واستخدامها كأداة للدفاع عن النفس والجماعة، وتطورت هذه الأداة الحربية فصارت وسيلة للمرح والحركة وسرعة البديهة، ثم تحولت لموروث شعبي توارثته الأجيال.

قواعد التحطيب 

وأكد "محمد العمدة"، إلقاء التحية بين اللاعبين شئ ضروري ويشير إلى استعداد الطرفين، أما إشارة الانطلاق بالتحطيب، فهي كلمة "ساه" التي يطلقها أحد الحاضرين، وتعني أن وقت اللعب قد حان، ويقوم اللاعبان بالدوران إحدهما حول الآخر 4 مرات، لمدة لا تتجاوز الدقيقتين، ثم تنطلق أصوات تقارع العصي على أنغام "المزامير"، الآلة الموسيقية الأشهر في الصعيد.

وأضاف "العمدة"، أن الأكبر سنا هو الذي يبدأ اللعب ولا ينبغي التعالي عليه أثناء اللعب، وعند احتدام المنافسة بين لاعبين من نفس السن يتدخل الأصدقاء والجمهور الملتف حولهم ويكون لهم دور تأميني حتى لا يتعرض أحدهما للآخر وفي هذه الحالة يأخذ الجمهور والأصدقاء العصا بالهتاف بكلمة “سو” حتى يتوقف الشجار ولا ينقلب إلى مبارزة حقيقية.

أحكام العصا 

فيما أكد " علاء نصر الدين"، على لاعب التحطيب وضع طرف العصا في باطن يده حتى يستطيع التحكم بها، ويمكن للمحترفين في اللعبة أن يتعرفوا بسهولة على مهارة خصمهم من خلال طريقة قبضته على العصا،وللتحطيب لباسه الخاص به الجلباب الفضفاض وعمة الرأس.

وأشار "نصر الدين "، لا يقف العمر عائقًا أمام لاعبي التحطيب، فجميع الرجال بمختلف أعمارهم يمارسون الرقص بالعصا، ويعتبر أشهرهم عميد لعبة التحطيب في محافظة الأقصر، “عبد الغني”، الذي بلغ من العمر 68 عامًا، ويعدّ حمله للعصا "موهبة من عند الله"، وموروث حضاري وثقافي تميز به رجال الصعيد.

كما أشار " أحمد إبراهيم داود  "، أن التحطيب يضم حركات استعراضية بالأيدي والأرجل تعرف بحركات الرش وفتح الباب، بعدها يدخل اللاعبان مباشرة في الالتحام، ويتفقان معًا على تطويل فترة الاستعراض، وجوهر اللعبة في حركات الرش وفتح الباب بعد السلام، أما الحركات الاستعراضية فهي نسبية ويلجأ اللاعبان إليها لإمتاع الجمهور.

الرقص بالعصا

وأضاف "داود": “تتفرع من لعبة التحطيب فنون أخرى موازية مثل الرقص بالعصا والذي تشتهر به محافظات الصعيد، وهناك رقصة بالعصا اسمها “رقصة التنراوي” وهناك “البرجاس” أي التحطيب من فوق ظهور الخيل وهو فن احتفظ بكيانه طويلًا في الصعيد”.

وأشار "حسين الطيرى" إلى أنه كان المحطبون يستخدمون الشومة الغليظة وكانت تسمى العصا الغشيمة، وكانت من شجر الدوم ثم أصبحت من الخيزران الخفيف حتى لا تضر أحد اللاعبين، ويتراوح طول هذه العصا بين 150 و180 سم، ومن خلالها يبدأ اللعب أو ما يسمى فتح الباب،

وأكد "الطيرى"، يعتبر أهالي الصعيد التحطيب وسيلة للتقارب والتماسك الاجتماعي، وتجسد "العصا" بالنسبة لهم قيم الشجاعة والوفاء، ولا يعدٰونها أداة لترسيخ العنف أو القمع.

التحطيب أكثر من لعبه 

ويشير أستاذ الأدب الشعبي، عبدالمنعم عبدالعظيم، إلى أن التحطيب فن اجتماعي من الدرجة الأولى، يؤدي وظائف نفسية واجتماعية، مضيفاْ أن التحطيب وسيلة لتفريغ الطاقة بشكل سلمي، لا سيما أن الانتصار في اللعبة يكون معنويًا، لا مجال للعداء والثأر في ممارسة التحطيب.

ويؤكد عميد المعهد العالي للفنون الشعبية، سميح شعلان لا يمكن أن يكون طرفا اللعبة على عداء سابق أو خصومة، وإلا فقدت اللعبة أسسها، كما أنها اللعبة الوحيدة في الصعيد التي إذا توفي أحد المتبارزين أثناءها، لا يكون له "دية أو ثأر" وفق العادات المحلية.

ويشير عميد المعهد العالي للفنون الشعبية، أن محافظات الصعيد بدءًا من بني سويف حتى الأقصر تشارك جميعها في مهرجان التحطيب السنوي الذي تقيمه وزارة الثقافة منذ 7 سنوات، على مدار عدة أيام، ويتنافس فيه المشاركون وسط أجواء احتفالية، يتم في ختامها تكريم اللاعبين بمنحهم جوائز رمزية.

ويضيف "سميح شعلان"، أن أهالي الصعيد مثلًا يعتبرون التحطيب وباقي الفنون رموزًا لهويتهم، وهم يتمسكون بثقافتهم رغم التيار التكنولوجي السريع الذي استحوذ على الجيل الجديد، معتبرين أن تراثهم جزء أصيل من هويتهم وإنسانيتهم.