حكايات أغرب من الخيال في سجل جرائم القتل بـ«الصدفة» على مستوى الجمهورية
شهدت الفترة الماضية العديد من جرائم القتل بـ«الصدفة» على مستوى الجمهورية، كان آخرها الجريمة التي قٌتل فيها طفل بطلق ناري تصادف مروره بشارع به مشاجرة بين الأهالي باستخدام الأسلحة النارية في المرج بمحافظة القاهرة، وفي إحدى القرى التابعة لمركز دار السلام بمحافظة سوهاج، قتلت فتاة بطلقة نارية «طائشة» تصادف تواجدها أعلى سطح منزلها صعدت لنشر الغسيل، في الوقت الذي نشبت فيه معركة مسلحة بين عائلتين وإطلاق أعيرة نارية بشكل عشوائي من أعلى البيوت.
ما بين طرفي النزاع هناك جريمة تٌشكل طرفا ثالثا في حلقة النزاع، إما أن يؤجج الطرف الأخير الصراع ويثأر من الطرفين، أو يكون سببًا لنهاية النزاع في المهد، بأن يتقبل الأمر بأنه قضاء الله وقدره بشرط إنهاء الخلاف بين طرفي النزاع، ولكن للقانون رأي آخر في هذه الجريمة التي وقعت حتى وإن كانت بـ«الصدفة»، وهو الأمر الذي يثير تساؤلًا حول كيف يقتص القانون من هؤلاء المجرمين القتلة؟
سجل جرائم القتل بالصدفة
تستعرض «النبأ الوطني» في السطور التالية؛ عددا من جرائم القتل التي وقعت بـ«الصدفة» في المحافظات، وترصد ردود أفعال أهالي الضحايا فور علمهم بالحادث؟، وكيف توصلت الأجهزة الأمنية إلى تحديد مرتكب هذه الجرائم رغم أن القتل جاء نتيجة طلقة «طائشة»؟، وما هو التوصيف القانوني لهذه الجرائم؟ وما هي العقوبة التي يواجهها هؤلاء المجرمون وفقًا لقانون العقوبات؟.
سجل حافل بضحايا القتل بـ«الصدفة» أو ما يعرف قانونًا بـ«القتل الخطأ»، لأشخاص تصادف وجودهم في حيز معين تسبب في إنهاء حياتهم في الحال.
ففي محافظة الجيزة، قتل (شاب – 30 سنة) عقب سقوط حجارة وزجاج على رأسه بأحد الشوارع في منطقة الوراق، تصادف مروره به خلال مشاجرة بين 7 أشخاص، بسبب خلافات بينهم، وبالفحص تبين أن المشاجرة نشبت بين الطرفين بسبب خلافات على «توكتوك».
وكشفت تحريات الأجهزة الأمنية عن قيام المتهمتين الرابعة والخامسة من (الطرف الأول) بإلقاء الحجارة والزجاج من شرفة العقار على (الطرف الثان)، وتصادف مرور (الشاب) - بمكان المشاجرة، مما أدى لإصابته بجرح بالرأس وكسر بالجمجمة من الحجارة والزجاج، أودت بحياته في الحال، وتم نقل الجثة إلى المشرحة، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية وتولت النيابة العامة لمباشرة التحقيقات.
في مركز الصف، قٌتل عامل إثر إصابته بطلق ناري خرج من بندقية خاصة بمقاول أثناء تنظيفها حال تواجده أمام مسكنه بدائرة المركز، وألقى رجال المباحث القبض على المتهم، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وتولت النيابة التحقيق.
وكشفت التحقيقات، عن أن المتهم كان يقوم بتنظيف سلاحه الناري أمام منزله حيث خرجت منه طلقة أصابت عامل تصادف مروره بالشارع أمام مسكن المتهم، أردته قتيلا في الحال.
وقال المتهم أمام جهات التحقيق، إنه كان بحوزته بندقية وأثناء تنظيفها خرجت منها طلقة تسببت في الحادث، وتم حبس المتهم على ذمة القضية.
بينما شهدت محافظة أسيوط، نهاية غير متوقعة لـ«ربة منزل» تصادف مرورها بجوار مشاجرة في مركز أبو تيج، وتبين من خلال الفحص أن المشاجرة نشبت بين (طرف أول) كلٍ من: «عامل - له معلومات جنائية وشقيقه»، و(طرف ثان) «موظف ونجل شقيقه - لهما معلومات جنائية»، لوجود خلافات سابقة على حد فاصل بين أرضهم الزراعية بذات الناحية؛ تجدد الخلاف بينهم، وتبادل الطرفان خلالها التعدي على بعضهم البعض بالضرب بالأيدي، وقيام نجل شقيق الموظف بإحضار بندقية آلية وإطلاق أعيرة نارية.
نتج عنه إصابة السيدة المذكورة تصادف مرورها بعيار ناري وتوفيت أثناء نقلها لأحد المستشفيات، وبسؤال نجلها أيد ما سبق واتهم طرفي المشاجرة بالتسبب في قتلها، تم ضبط الطرفين، والسلاح المستخدم في الواقعة وتبادلوا الاتهامات فيما بينهم، وتحرر المحضر اللازم، وتولت النيابة العامة التحقيقات.
وفي محافظة القاهرة، قُتلت طفلة رميًا بالرصاص وأصيب شاب تصادف مرورهما بمحل مشاجرة مسلحة بين طرفين من الأهالي بمنطقة السيدة زينب، وبالفحص تبين نشوب مشادة كلامية بين (طرف أول) كل من: (عامل وزوجته ونجله)، و(طرف ثان) كل من: (صاحب محل وعامل)، بسبب خلاف بينهما على ربط «كلب» أمام المحل، تطورت لمشاجرة أشهر خلالها أحد الطرفين سلاحًا ناريًا وأطلق طلقات طائشة، أسفرت عن مقتل الطفلة وإصابة الشاب تصادف تواجدهما بمحل الواقعة، وألقت الأجهزة الأمنية القبض على طرفي المشاجرة، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وتولت النيابة التحقيقات.
أما في محافظة المنيا، قتل سائق رميًا بالرصاص تصادف مروره خلال مشاجرة بدائرة مركز المنيا، وتبيّن من خلال التحريات أنه أثناء سير السائق مترجلًا بإحدى القرى بدائرة المركز خلال مشاجرة بين (طرف أول) «شخصين» مصابان بجروح متفرقة بالجسم، و(طرف ثان) «شخص» جميعهم مقيمون بدائرة المركز لوجود خلافات بينهم، تعدوا خلالها على بعضهم البعض بالضرب وأطلقوا أعيرة نارية من أسلحة كانت بحوزتهم فأحدثوا إصابة السائق التي أودت بحياته في الحال، وتم ضبط طرفي المشاجرة بحوزتهم السلاح المستخدم في الواقعة عبارة عن (3 فرد محلي)، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وتولت النيابة العامة لمباشرة التحقيقات.
التعامل الأمني مع هذه الجرائم
وتعليقًا على ذلك، أوضح اللواء رأفت الشرقاوي، مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام سابقًا، أن الأمن يتعامل مع جرائم القتل بالصدفة، على أنها جريمة «قتل خطأ» خاصة أن المجني عليه وأهله ليس طرفا في المشكلة، وليس هناك نزاع أو خصومة بين الطرفين، مؤكدًا أن الأمن يحرص على انتهاء الأمور فور وقوع الحادث واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، تمهيدا للعرض على النيابة العامة وتعيين خدمات أمنية لملاحظة الحالة الأمنية لحين فصل النيابة والقضاء في هذا الأمر.
وأضاف مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام سابقًا، خلال حديثه لـ«النبأ الوطني»، أن وقائع القتل بالصدفة تقيد على أنها قتلا خطأ، ولا ترقى هذه الجرائم لتجديد خصومات ثأرية لعدم وجود الباعث لدى الطرفين على القتل أو الثأر إيمانًا بالقضاء والقدر، موضحًا أن وقائع القتل بالصدفة غالبًا ما تنتهى فورًا ولا يترتب عليها مشاحنات بين الجيران، والكل يتشارك في مراسم الدفن واستقبال العزاء، وذلك إيمانًا ويقينا منهم بعدم وجود نية للقتل، فضلًا عن مشاركة أجهزة وزارة الداخلية في ذلك الأمر ما دام أن التحريات أكدت عدم وجود باعث لارتكاب الجريمة.
واستكمل: «المجرم في هذه الحالة، شخصا قد يكون الدافع لديه إلى الجريمة والمانع منها: (حالة التوازن)، ولا تقع الجريمة منه إلا لوجود (خلل عارض) يصيب هذا (التوازن)، ويرجع إلى تأثير عامل خارجي غير عادي، وهذا يعني أن المجرمين في قضايا القتل بالصدفة أو القتل الخطأ؛ لا يخرجون على القانون إلا في مناسبات خاصة، أو تحت بعض الظروف العارضة، حتى وإن سلوكهم الإجرامي يعد متناقضا مع أساليبهم العادية في السلوك، فضلا عن أنه يتعارف مع اعتقاداتهم الشخصية، ومثل هؤلاء الأشخاص قد يعملون تحت دافع اليأس أو التهور أو الاندفاع أو الهوى أو تحت ضغط أية ظروف أخرى قد تكون قهرية».
وأشار «الشرقاوي»، إلى أن هناك جرائم قتل تقع بمحض الصدفة دون سبق إصرار أو تعمد، حيث ينتاب صاحب الجريمة حالة نفسية سيئة كنوبة هستيرية غاضبة أو ثورة عارمة أو حالة استفزاز جارف أو يفقد السيطرة على شعوره لكونه تحت تأثير الكحول أو المخدرات أو أدوية المؤثرات العقلية، فالانفعال الشديد قد يعطل عمل العقل ويعيق التفكير السليم فينساق الفرد إلى القتل، أحيانا يلعب الوهم أو الخيال دورا حيث يهيئ للشخص أنه مظلوم ومضطهد فيثور ويقتل لينتقم وعادة ما يعاني هذا الشخص اضطرابا في الشخصية، كما أن هناك أشخاصا يعانون ضعفا في القدرة العقلية ويقتلون بلا وعي أو إدراك إما من تلقاء أنفسهم وإما نتيجة تحريض الغير لهم مستغلين حالتهم العقلية وسهولة استثارتهم».
القانون يردع هؤلاء المجرمين
من جهتها؛ قالت الدكتورة صابرين أحمد مصطفى المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، إن الجريمة الثانية، تُعد «قتلا خطأ» وتحمل شقين الأول بيان ما إذا كان السلاح الناري المستخدم مرخصًا أم لا، أما الشق الثاني هو توصيف الجريمة على أنها قتل خطأ، فلا يوجد اعتداء مطلقًا من قبل الفاعل، وإنما يوجد فعل صادر عن شخص أدى إلى قتل خطأ أو تسبب في قتله من غير عمد، ومثاله قيام شخص بتنظيف سلاح ناري وكان يجهل وجود أعيرة فيه لإطلاقها فحدث جريمة القتل الخطأ.
وأوضحت المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، خلال حديثها لـ«النبأ الوطني»، أن قانون العقوبات حدد في عدد من مواده جريمة القتل الخطأ والعقوبة المقررة على المتهم لو ثبت فعلًا أن القتل خطأ ودون أي نية أو قصد.
واستكملت: «وتنص المادة 238 من قانون العقوبات على أنه من تسبب خطأ في موت شخص بأن كان ذلك ناشئًا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين».