رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

شيركو حبيب يكتب: زيارة بزيشكيان إلى العراق بين التعاون والطموحات

الكاتب شيركو حبيب
الكاتب شيركو حبيب

تعد زيارة رئيس جمهورية إيران الإسلامية مسعود بزيشكيان إلى العراق هي الأولى له خارج بلاده بعد انتخابه، والأولى لرئيس إيراني إلى إقليم كردستان أيضا.

الزيارة حملت الكثير من المعاني المعلنة والكثير من الأسرار التي لم تعلن، فالعراق جزء مهم وشريك استراتيجي لإيران في المنطقة، والعلاقات المشتركة قديمة مرت بين صداقات ومصالح، وعداوة مستمرة، وتعرضت للكثير من المد والجزر على مر العصور، وكانت آخر عداوة بين الدولتين حرب الأعوام الثمانية وراح ضحيتها الملايين من أبناء البلدين، بجانب الآلاف من المعاقين والمفقودين.

ورغم ذلك أيضا؛ هناك عداء مذهبي بين الطرفين السني والشيعي، وحتى الخلافات موجودة داخل البيت الشيعي بسبب وجود المرجعية في النجف الأشرف ووجود مرجعية في مدينة قمً الإيرانية، حيث المرجعية هي مدينة النجف الأشرف لدى أكثرية شيعة العالم، حتى السيد الخميني كان موجودا في النجف قبل أن يغادر إلى باريس بأمر من حكومة صدام بناء على اتفاقية مع شاه إيران، وبعد رجوع السيد الخميني إلى إيران من فرنسا أصبحت مدينة قم المرجعية المنافسة لمدينة النجف الأشرف.

بعد العام 2003 وإسقاط النظام السابق واحتلال أمريكا للعراق، مهدت الطريق لإيران نحو التغلغل إلى داخل العمق العراقي، ومحاولة تصفية الحسابات مع الأمريكان على الأراضي العراقية، وأصبح لإيران النفوذ والسيطرة داخل العراق، حيث الأمريكان والوجود الشيعي العراقي من العوامل المساعدة مع عدم ترحيب الدول العربية وجامعة الدول العربية بالواقع الجديد، ما زاد أسباب التغلغل الإيراني.

موقف إيران آنذاك؛ كان لخشية طهران من الوجود الأمريكي ونفوذه على حدودها الغربية، ولذلك دعمت إيران ما تسمى فصائل المقاومة العراقية "المناهضة للوجود الأمريكي سواء كان بالتدريب أو التسليح"، وعلى جانب آخر، عملت إيران على دعم أصحاب "المشروع السياسي العراقي المناهض للاحتلال الأمريكي"، سواء كانوا من السياسيين الشيعة أو السنة، ووقفت إلى جانبهم في عملية سياسية شهدت صعودا مطردا للكتل السياسية التي ينتمي لها أولئك الساسة.

إيران كانت ملجأ كثيرين من العراقيين بمختلف القوميات والأديان والمذاهب خلال فترة حرب الثماني سنوات، وكانت منفذا لمن يرغب في الهروب من العراق إلى الدول الأوروبية، وساعدت إيران الكثير من اللاجئين فترة مكوثهم في طهران.

العلاقات العراقية الإيرانية شهدت خلال السنوات العشرين الماضية تطورا ملحوظا رغم بعض الفتور أحيانا، وخاصة الجماعات الشيعية العراقية التي لا ترضخ للضغوطات الإيرانية والجماعات الخاضعة لإيران، وهناك تبادل تجاري ضخم بين الدولتين مما ساعد إيران في الحصول على العملة الصعبة بعد الحصار الأمريكي.

ربما تأتي زيارة السيد بزيشكياني إلى العراق لعقد صفقات تجارية وأمنية، خاصة أن العراق الدولة الوحيدة التي لها علاقات ممتازة مع طهران، مقارنة بالخلافات السائدة بين إيران ودول الخليج، وتبادل الاتهامات مع هذه الدول خاصة بعد اتفاقية الابراهمي وتبادل البعثات الدبلوماسية بين هذه الدول وإسرائيل.

وتأتي زيارة رئيس إيران إلى كردستان أكثر أهمية من بغداد، حيث يعتبر السيد بزيشكياني أول رئيس إيراني يزور أربيل، وهذه الزيارة لحلحلة الخلافات وإنهاء الشكوك الإيرانية حول وجود إسرائيلي في أربيل وكردستان عموما، وهذا ما أكده السيد الأعرجي رئيس جهاز المخابرات العراقية الذي زار أربيل إبان القصف الإيراني واستشهاد عدد من المواطنين، حيث قصفت إيران أربيل مرتين بحجج لا أساس لها من الصحة.

وخلال زيارة السيد بزيشكياني التقى بمسؤولين في أربيل في مقدمتهم الزعيم الكردي مسعود بارزاني ومسؤولين حكوميين وحزبيين، واتضح للسيد بزيشكياني بالتأكيد عدم وجود إسرائليين في أربيل وإلا كيف زار المدينة إذا كانت فيها أوكار إسرائيلية.

كانت الزيارة خطوة إيجابية لذوبان الجليد بين الطرفين ومشاهدة الأوضاع على أرض الواقع والتفهم الأكثر بأن إقليم كردستان عامل استقرار في المنطقة ويعمل جاهدا في تطوير العلاقات مع دول الجوار على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة هذه الدول.
خلاصة القول؛ فإن هذه الزيارة لها من الإيجابيات المرتقبة ما يدعم علاقات جوار ويقلص فرص التباعد بين بغداد وطهران من ناحية، ويقرب الأخيرة من أربيل من ناحية أخرى، وبالتأكيد فوجود شخصية سياسية هامة بوزن الزعيم الكردي مسعود بارزاني، يدعم كل حوار بناء مع زعماء المنطقة والعالم، ويخفف أثر وحدة التوتر وأسبابه فى ظروف ومراحل ملتبسة، وقد حانت الفرصة لتعاون حقيقي وطموحات مشتركة أكبر بين الدولتين بهذه الزيارة التاريخية للرئيس الإيراني، والتي نتوقع ان تتبعها خطوات تنفيذية تترجم هذه الآمال على كافة المستويات.