شيركو حبيب يكتب: الشرق الأوسط بين آمال الشعوب وطموحات القوى الكبرى
تعيش منطقة الشرق الأوسط منذ عقود حالة من عدم الاستقرار وصلت حد الحروب التى نتج عنها تدمير مدن بأكملها وتشريد الملايين، وأصبحت منطقة قاب قوسين أو أدنى من تكرار مآسي الماضي، وأخطرها التقسيم.
تفرض الدول ذات النفوذ إرادتها على مصائر الشعوب وربما تعدل الحدود السياسية للأقطار، فتنشأ حالة جديدة من توحيد دول أو إنشاء دول أخرى حسب مصالح القوى العظمى، ورغم أن مصالح العالم المسيطر تختلف عن الماضي، وعما اتفق عليه في سايكس- بيكو، من أنصبة كبيرة للقطبين فرنسا وبريطانيا، إلا أن الحال اليوم تغير تماما، وظهرت دول أوروبية وقوى عظمى أخرى تحاول السيطرة على الشرق الأوسط، بجانب ثبات قوة بعض العرب، وإيران وإسرائيل.
تحاول إيران السيطرة على المنطقة بنفوذها وأتباعها في المنطقة، خاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكذلك إسرائيل تحاول عن طريق التطبيع مع الدول العربية والقوى الإقليمية بمد نفوذها وضرب مصالح واستقرار كثيرين، ومقاومة محاولات قيام الدولة الفلسطينية.
أما العرب؛ فهم منقسمون غالبا فى الرؤى والمواقف وتفسير المصالح، ولا أدل على ذلك من أن البلدان التي كانت تحمل إشارات الاستقرار والرخاء لشعوبها، باتت تعاني الشقاق، فحال ليبيا واليمن وسوريا والسودان والصومال والعراق ليس كما كان قبل نصف قرن مثلا، وفلسطين تعقدت قضيتها خلال أقل من سنة سقط خلالها أكثر من 36 ألف شهيد و100 ألف جريح، وتم تدمير الحياة كاملة مع تجويع وتشريد شعبها.
نذكر أنه خلال الربع الأول من القرن الماضي، حينما انسحبت روسيا من الحلف الثلاثي الذي ضم فرنسا وبريطانيا، أصبحت الهيمنة على الشرق الأوسط فرنسية- بريطانية، واليوم روسيا تعود وعينها على الشرق الأوسط، تظهر لها تحالفات مع إيران وسوريا والصين، وتحاول تعويض ما خسرته من نفوذ خلال سنوات ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فتحضر بقوة في سوريا، كذلك الصين التي تحاول السيطرة على المنطقة اقتصاديا ولها علاقات سياسية وثقافية قوية مع دول المنطقة، وتسعى لمنافسة أمريكا بعد تدهور علاقاتها مع أنظمة مختلفة خاصة في فترة حكم ترامب.
هذه الدول الكبرى لن تراعي مصالح شعوب المنطقة التي قسمت بلدانها، على سبيل المثال الشعب الكردي، من الممكن تشكيل تعويم قضيته لغرض تحقيق مصالح عليا على حسابه، نفس المصالح لن تراعي حقوق شعوب بلدان أصبحت مدمرة وتحول إلى سكن للأشباح، فدائما لا تتفق آمال الشعوب مع مصالح القوى الكبرى، وهكذا يمكن أن نتوقع دخول العالم حربا عالمية بسبب التعقيدات في الشرق الأوسط، وإعادة إنتاج المصير السيىء لشعوبه تحت نيرانها.
إن تحقيق السلام فى منطقة الشرق الأوسط مرهون بتفعيل دور المنظمات الدولية فى حماية الشعوب وقضاياها العادلة، وتمكين الدول المستضعفة من الحرية والبناء والاستقرار، ومنح حق تقرير المصير للقوميات والعرقيات على أراضيها وحدودها التاريخية، واحترام سيادة الأوطان، ودون ذلك لن ننتظر إلا ما هو أسوأ.