سيناريوهات لجوء مصر إلى تطبيق اقتصاد الحرب
أثارت تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، حول تطبيق اقتصاد الحرب، حالة من الجدل في الشارع المصري، خلال الأيام القليلة الماضية، ولا سيما مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد وموجة ارتفاع الأسعار الحالية.
وقال رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، إنه في حالة حدوث تطورات حرب إقليمية سندخل فيما يسمى بـ«اقتصاد الحرب»، موضحا أنه في حالة سوء الأوضاع السياسية في المنطقة ستتخذ مصر مزيدا من إجراءات الترشيد.
وأشار «مدبولي»، إلى أنه خلال أسبوع فقط زاد سعر برميل النفط 10%، وهذا يضع مزيدا من الأعباء على الدولة المصرية، والوضع يتغير يوميًا، حيث تعيش المنطقة حالة شديدة من عدم اليقين، الأمر الذي جعل الحكومة تعمل على سيناريوهات يتم تغييرها باستمرار وفق المستجدات الراهنة.
وكان رئيس الوزراء، لفت إلى أنه من الضروري أنَّ تهتم الدولة بكيفية الحرص على استمرار واستقرار واستدامة توفير السلع والخدمات والبنية الأساسية للمواطن المصري في ظل الظروف الراهنة.
وحول ما يقصده رئيس الوزراء، باقتصاد الحرب، قال المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم الحكومة، إن المقصود هو إجراءات استثنائية على المستوى الاقتصادي، يجري اتخاذها في حالة نقص سلاسل الإمداد في حالة حدوث حرب إقليمية في المنطقة، ومنها على سبيل المثال خطة تعامل الدولة مع نقص السلع الغذائية أثناء جائحة كورونا الأخيرة.
وتابع أنه يجري العمل بشكل مستمر على توفير الموارد اللازمة لتوليد الطاقة، كما أنه جرى وضع خطة طوارئ للتعامل مع أي أزمة في المنطقة، معقبًا: «لدينا خطة للتعامل مع كل الأمور، ونعمل على مواجهة أسوأ السيناريوهات في حالة حدوث مشاكل كبيرة في العالم والمنطقة».
هروب المستثمرين والتكالب على السلع
وفي هذا السياق، قال الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادي، ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاجتماعية، إن مصر طبقت اقتصاد الحرب أثناء حرب أكتوبر، حيث يعني امتلاك الدولة جميع سلاسل الإنتاج والتوزيع من السلع الغذائية ويتم التوزيع تحت إشراف الدولة، من خلال حصص توزعها على المواطنين.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن تطبيق اقتصاد الحرب، يكون في حالات، منها النقص في الغذاء الداخلي، أو وجود حرب داخلية أو خارجية، بهدف السيطرة الأسعار واستقرار الوضع الداخلي.
وأشار «عامر»، إلى أن الوضع الاقتصادي لمصر لا يستعدي اللجوء إلى اقتصاد الحرب، فهو يعيش حالة من الاستقرار وخاصة بعد تصريحات الرئيس السيسي التى تؤكد استمرار دعم المستثمرين وعدم التدخل في عمليات السوق إلا في إطار منع الممارسات الاحتكارية.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن حديث رئيس الوزراء عن تطبيق اقتصاد الحرب، كان في غير محله، لأنه أدى إلى إثارة الذعر والبلبلة في الشارع المصري.
وأكد أنه من شأن هذه التصريحات، الإضرار بالمصالح العامة للدولة، حيث ستؤدي إلى مشاكل مع المستثمرين، وهروبهم من البلاد، بجانب التكالب على السلع والخدمات وتخزينها من قبل المواطنين.
الفرق بين اقتصاد الحرب والحرب الاقتصادية
ومن ناحيته، قال مدحت الشريف، وكيل اللجنة الاقتصادية في البرلمان السابق، واستشاري الاقتصاد السياسي، إن هناك محددات لمصطلحي «اقتصاد الحرب» و«حرب الاقتصاد» كبيان للحالة التي نعيشها وتلقي بظلالها على كافة المواطنين من جميع الفئات بمصر.
وأضاف «الشريف»، أن اقتصاد الحرب، يعني بشكل مختصر تحويل الاقتصاد الوطني بشكل كامل أو جزء منه لخدمة المجهود الحربي وتوفير احتياجات القوات المسلحة وما تتطلبه لخوض المعارك العسكرية وكذلك الدفاع عن البلاد، ويعتمد اقتصاد الحرب على مجموعة من القوانين التي تتيح للدولة السيطرة على كافة الموارد وتلزم المصانع بتطبيق تغييرات جوهرية لتحقيق الأهداف وتحقيق التوازن بين الاحتياجات العامة للدولة بما فيها الاحتياجات العسكرية، وتشمل -أيضًا- تغييرات جوهرية بما فيها الضرائب.
وتابع: «طبقت مصر اقتصاد الحرب قبل نحو 57 عاما وتحديدا في الفترة من 1967 وحتى 1973، في مرحلة العبور من النكسة إلى النصر، عندما كانت مصر تواجه تحديا عسكريا خطيرا يهدد أمنها القومي، جراء احتلال أراضيها بالقوة المسلحة من العدو الإسرائيلي».
وأشار استشاري الاقتصاد السياسي، إلى أنه بالنسبة لحرب الاقتصاد أو الحرب الاقتصادية في شكلها وأدواتها العصرية، هي استراتيجية اقتصادية تقوم على استخدام إجراءات تكون الغاية الأساسية منها إضعاف اقتصاد دولة أخرى، فمنذ أكثر من عشرين عاما تغيرت أدوات الاستعمار للهيمنة، من استحدام القوة العسكرية إلى استخدام قوة الديون.
وواصل: «نحن في أزمة اقتصادية طاحنة، ونخضع لروشتة مجحفة وضعها صندوق النقد الدولي، وتخضع لها الحكومة تماما بالرغم من مخاطرها عميقة الأبعاد، وأعلن الصندوق في أغسطس الماضي مع الإفراج عن دفعة من قرضه الأخير، أنه على مصر الوصول إلى رفع الدعم عن العديد من السلع، مع ضغطه المستمر لبيع الأصول المملوكة للدولة، وتقليص دعم الدولة لتقديم برامج تمويل ودعم للمنتجين المحليين مما يجعل مصر سوقا استهلاكيا كبيرا للمنتجين الأجانب».
وحول الحلول أمام الدولة، أكد ضرورة إعادة النظر فى خطط التصدير والاستيراد لتوفير النقد الأجنبى، مع العمل بشتى السبل المتاحة، والتى نستطيع إتاحتها على إحلال المنتجات المحلية بديلا للمستوردة، والتخفيض الكبير للإنفاق الحكومي، مع تأجيل تنفيذ المشروعات التنموية الطويلة الأجل التى ليس لها مردود فى العام نفسه.