عادل توماس يكتب: أطباء ونظام صحي لا يعرفان طريق الرحمة يا وزير الصحة
في الآونة الأخيرة، تحول انعدام ثقة المرضى بالأطباء إلى أزمة حقيقية بسبب الإهمال المهني وسوء التشخيص، ففي مشهد يتكرر يوميا، نسمع ونرى أخطاء طبية جسيمة تفضح تقاعس النظام الصحي في بلد كان يعتبر الطب أحد أبرز أركانه الثقافية والعلمية.
وبعد سنوات من الفخر بالطب المصري الذي كان رمزا للكفاءة والعلم، أصبحنا نواجه أزمة صحية تهدد بفقدان أحد أبرز جوانب قوتنا الناعمة،فعدد الأخطاء الطبية يتفاقم والمحاسبة غائبة، ولا أحد يتحمل المسؤولية عن التدهور المستمر في حياة المرضى.
هل أصبح المواطن "فأر تجارب" في يد بعض الأطباء؟
لم يعد الأمر مجرد خطأ عابر أو سوء تقدير مهني بسيط، بل أصبح يشمل أخطاء طبية مدمرة تدمر الأرواح وتترك خلفها معاناة مستمرة بلا أمل في الشفاء، والأكثر إيلام أن هذه الأخطاء غالبا ما تمر دون محاسبة حقيقية، بل يستمر مرتكبوها في ممارسة مهنتهم وكأن شيئا لم يحدث، دون أي اعتبار للضرر الذي لحق بالمرضى، إن هذه الأزمة لا تخص الأطباء فقط، بل هي أزمة نظام صحي بأسره، يتطلب محاسبة عاجلة وشاملة.
الواجب المهني
في 14 أكتوبر، أجرت السيدة "س. ع."، زوجة أحد أصدقائي، عملية جراحية في مستشفى الصفا على يد جراح العظام والعمود الفقري دكتور "ح. ص."، الأستاذ بجامعة القاهرة، بهدف إصلاح مشكلة في العمود الفقري، ولكن النتيجة كانت كارثية، حيث أصيبت السيدة بتسريب للسائل النخاعي لم يعالج بشكل فوري، مما أدى إلى ظهور مضاعفات خطيرة مثل استسقاء في الدماغ مع اتساع البطينين، وعجز كامل في وظائف الدماغ العليا وصداع مستمر وغثيان وفقدان القدرة على الحركة وارتباك وتشويش في الذاكرة، ورغم خطورة حالتها، لم تتخذ أي خطوات جادة لمعالجة هذه المضاعفات، بل تم إهمال الأعراض بشكل مريب، في تناقض تام مع الواجب المهني.
الأمر الأكثر إيلامًا هو أن الطبيب لم يقم بإخطار المريضة أو ذويها بالمخاطر المحتملة التي قد تنشأ من العملية، ولم يتم شرح المضاعفات المتوقعة أو التحذيرات اللازمة بشكل كاف قبل اتخاذ قرار إجراء الجراحة، بل قام بأخذ توقيع المريضة في غرفة العمليات على إقرار قبل البنج مباشرة، أليس من واجب الطبيب أن يلتزم بأخلاقيات المهنة والقانون ويطلع المريض على كافة المخاطر التي قد تحدث، حتى يتمكن من اتخاذ قراره المبني على معرفة كاملة بكل الاحتمالات؟
الأخطاء الطبية: ليست مجرد حالات فردية
هذه القصة ليست فريدة، بل هي مجرد مثال على ما يحدث يوميا في مستشفيات بلادنا من إهمال طبي غير مبرر، حيث يعتقد البعض أن بعض الأطباء والمستشفيات يتعاملون مع المرضى كأرقام في سجلاتهم، دون أي مساءلة حقيقية، هذه الأخطاء الطبية ليست مجرد حالات فردية، بل هي جزء من نظام صحي يعاني من تقاعس ملحوظ في المحاسبة والرقابة.
الجانب التجاري في الطب
لكن الأزمة لا تتوقف عند الأخطاء الطبية فحسب، بل تمتد إلى الجوانب التجارية المقلقة، فالطب في مصر تحول في كثير من الأحيان إلى تجارة، وليس مجرد مهنة نبيلة، فبعض المستشفيات الخاصة وبعض الأطباء يروجون لعمليات طبية غير ضرورية لمجرد الحصول على أموال إضافية، هؤلاء الأطباء لا يترددون في استخدام المرضى كـ "سلعة"، حيث يركزون على الأتعاب الطبية أكثر من تقديم رعاية صحية حقيقية.
على الرغم من أن العملية الجراحية التي خضعت لها السيدة "س.ع" أسفرت عن التهاب سحائي بسبب التلوث أثناء الجراحة، يرفض الطبيب الاعتراف بخطأه الطبي. وهذا يطرح عدة تساؤلات: هل أصبحت حياة المرضى وأسرهم بلا قيمة؟ وهل تحول الطب من بيت للدواء إلى بيت للداء؟ وهل أصبحت المادة والثروة المالية هي الغاية والهدف، وليس علاج المرضى؟
أطباء ومستشفيات متميزين
لكن لا ينبغي أن نغفل أن هناك الكثير من الأطباء المتميزين في مصر، الذين يكرسون جهدهم لتقديم الرعاية الطبية بأعلى مستويات من الجودة والاحترافية، كما أن هناك مستشفيات خاصة وعامة تلتزم بمعايير رعاية صحية متميزة، وتحترم حقوق المرضى، هؤلاء الأطباء والمستشفيات يبذلون جهودا حثيثة لتقديم خدمة صحية مهنية وآمنة، بعيدة عن أي غايات تجارية، إلا أن النظام الصحي بشكل عام بحاجة إلى إصلاح شامل لضمان أن تكون مثل هذه الممارسات هي السائدة وأن يحصل كل مريض على العلاج الذي يستحقه.
الضرائب والأتعاب الطبية
وبالرغم أن القطاع الصحي الخاص يعاني من مشكلات في الشفافية، فإن المستشفيات والأطباء الذين يمارسون العمل بشكل غير قانوني في مجال الأتعاب الطبية أو في التلاعب بالفواتير يجب أن يكونوا تحت الرقابة والمحاسبة، ويجب أن تكون هناك آلية فعالة لمراجعة هذه العمليات والتأكد من التزام الجميع بالضرائب والواجبات القانونية.
الجهات الرقابية: أين هي؟
أما الجهات الرقابية، مثل وزارة الصحة أو نقابة الأطباء، فلا تزال في حالة صمت مطبق تجاه هذا التدهور في النظام الصحي، وطرح تساؤلات حول دورهم أصبح أمرا حتميا: أين المسؤولون؟ أين المحاسبة؟ لماذا يواصل الأطباء الذين يرتكبون أخطاء قاتلة ممارسة مهنتهم وكأن شيئا لم يحدث؟ لماذا لا تعاقب المستشفيات التي تروج لعمليات جراحية غير ضرورية أو تستخف بأرواح المرضى؟
ضرورة الإصلاح الجذري
من المؤكد أن الحلول التقليدية لم تعد كافية، فالنظام الصحي في مصر يحتاج إلى إصلاح جذري وعاجل، لا مجرد "توصيات" أو قرارات بطيئة تأخذ سنوات لتنفيذها، ويجب أن تكون هناك محاسبة صارمة، بحيث يحاسب كل طبيب وكل مستشفى عن أخطائه، وأن يكون هناك نظام قانوني واضح يفرض المساءلة على جميع الأطراف المتورطة في مثل تلك الأفعال، سواء كان الطبيب أو المستشفى.
آلية شفافة ومحاسبة حقيقية
إذا كانت الصحة مهنة علمية دقيقة، فلا بد أن تكون تحت رقابة صارمة، ومن غير المقبول أن يترك هذا القطاع ليواصل عمله دون رقابة قانونية فعالة، ويجب أن تكون هناك آلية شفافة تجبر الأطباء والمستشفيات على توثيق كل حالة وتقديم تقرير مفصل حولها، إضافة إلى مواجهة التهرب الضريبي بشكل صحيح.
المستقبل يتطلب اتخاذ خطوات جادة
إن أي تقاعس في مواجهة هذه الأزمة سيكون بمثابة خيانة للوطن، بسبب الإهمال الطبي، فلا وقت للتأجيل، ولا مجال للمساومة على حياة المصريين، إن صحة المواطن هي أولوية قصوى، وعلينا جميعًا أن نعيد بناء الثقة في النظام الصحي، وأن تتبنى الحكومة سياسة صارمة للمحاسبة والشفافية، إذا لم نتحرك الآن، فإننا نغرق في بحر من الإهمال والطمع على حساب أرواح الناس، مما يهدد بمستقبل قاتم.