حماد الرمحي يكتب: هل تسقط مصر؟
منذ عشرات القرون تخطط قوى الظلام ودول وجماعات الشر، لإسقاط مصر باعتبارها حجر الزاوية في إسقاط الدول العربية بكل سهولة.
وانتهى مخطط محور الشر إلى أن سقوط مصر يبدأ بإسقاط العراق وسوريا، وهي الخطة التي يتم تنفيذها منذ عهد التتار، حينما قاموا باحتلال العراق 1258 وقتل الخليفة العباسي والقضاء على الخلافة العباسية، ثم الزحف على سوريا وتحويل شوارعها إلى بركة من الدماء بعد أن قتلوا آلاف الجنود والمواطنيين السوريين حتى امتلئت شوارع حلب ودمشق بالجثت، واستولى عليها هولاكو في 25 يناير 1260 ودمر كل أسوار المدينة وجوامعها وبساتينها.
بعد سقوط بغداد ودمشق اتجهت جيوش هولاكو الدموية إلى مصر لاحتلالها، إلا أن الجيش المصري بقيادة القائد «قطز» لقن جيش التتار درسًا قاسيًا في فنون العسكرية في معركة «عين جالوت» ليس هذا فحسب بل إن الجيش المصري نجح في تحرير سوريا من الاحتلال التتاري في أقل من 6 أشهر.
في 2003 نجح الجيش الأمريكي في اجتياح بغداد وتفكيك الجيش العراقي بالكامل ومنذ هذا التاريخ سقطت العراق والمنطقة العربية في شلالات من الدماء، حتى نجحت أمريكا وحلفائها في إسقاط الجيش السوري في 8 ديسمبر 2024، على يد «هيئة تحرير الشام» فرع تنظيم «داعش» الجديد!.
بعد سقوط سوريا والعراق، عاد المتربصون يتسائلون متى تسقط مصر؟!.
والإجابة الفطرية الكونية القطعية غير المنحازة أن مصر لن تسقط أبدأً مهما اتحدت ضدها عصابات الدم وجماعات الظلام وتجار الموت ودول محور الشر.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال بديهي.. لماذا لا تسقط مصر، ولماذا لا يسقط الجيش المصري؟!
قبل أن نجيب على هذا السؤال أتحدث أولًا عن طبيعة وتكوين الجيوش العالمية الحالية لنكتشف من خلالها أسباب سقوط الجيوش وانهيار الدول.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والتي تسببت فى مقتل نحو 60 مليون شخص أغلبهم من المدنيين، قررت الولايات المتحدة الأمريكية «خصخصة الحرب» وهي الحروب التي تشنها الإدارة الأمريكية، وتتحمل الدول التي يتم إعلان الحرب عليها فاتورتها بالكامل وهو نفس ما حدث في العراق وأفغانستان واليمن وسوريا مؤخرًا.
وبعد عملية الخصخصة العسكرية الأمريكية تحولت «المعارك الدموية» إلى تجارة عالمية وظهر لأول مرة علم جديد في الاقتصاد العالمي إطلق عليه مصطلح «بيزنس الحروب The Business of Wars» كما ظهرت لأول مرة «شركات المقاولات العسكرية» وهي شركات مرتزقة في المقام الأول والأخير تنحصر مهمتها في حشد وتسليح وتدريب مرتزقة الحروب Mercenaries of Wars التي قدرت أرباحها في 2020 بنحو 202 مليار دولار سنويًا.
وأصبحت هناك شركات عالمية متخصصة في «إدارة الحروب» يطلق عليهم شركات «المقاولات العسكرية» والتي تتولى مهمة إعداد «خطة الحرب» واستراتيجية «إدارة المعارك» وإمداد وتمويل الجيوش والجماعات بالأسلحة والمعدات الحربية وانتهاءا بتولي ملف «إعادة الإعمار» فضلًا عن تقديم خدمات عسكرية متعلقة بالاستخبارات والتحقيق والاستطلاع البري والبحري والجوي والطيران والدعم المادي والتقني للقوات المسلّحة، فضلًا عن المشاركة العملياتية في الحرب.
وبهذه النظرية التجارية الدموية تحولت الجيوش الوطنية إلى مجموعة من «شركات المرتزقة» التي تضم عشرات المرتزقة المستأجرين من أعراق وأجناس مختلفة وظيفتهم الوحيدة هي القتل مقابل الدولار.
وتسابقت الجيوش العالمية في تجنيد مئات الشركات العسكرية، لاستخدامها في حفظ أمن مواطنيها، أو لشنّ الحروب ضد معارضيها وذلك بهدف التوفير في ميزانياتها وتخفيف الأعباء المادية والبشرية عن كاهلها، أو للقيام ببعض الأعمال السرية التي قد لا ترغب أن تقوم بها بشكل مباشر ورسمي أو علني.
ومن أشهر الشركات العسكرية العالمية شركة «بلاك ووتر» الأميركية التي قادت حرب العراق، والشركة البريطانية G4S التي تنشط في 125 دولة، والسويسرية Securitas التي تمارس نشاطها في 45 دولة، والشركة الفرنسية Scopex التي تمارس عملها بحرّية تامة في عدد كبير من أقاليم إفريقيا وآسيا من دون حسيب أو رقيب.
يضاف إلى ذلك، شركات مثل، «هاليبورتن» الأميركية و«اسكارد جيرمان» الألمانية، و«ديفيون انترناشيونال» الأميركية الجنوبية (بيرو)، و«إكزكيتيف آوتكم» الجنوب أفريقية، ثم «ساندلاين إنترناشيونال» و«آيجيس دفانس» البريطانيتان.
وقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية هذه الشركات في جلب وتدريب المجاهدين في أفغانستان بين 1979 و1989 لمواجهة وتفكيك الاتحاد السوفيتي، حيث دعمت المجاهدين بأسلحة ومرتبات شهرية تقدر بأكثر من 2 مليار دولار.
كما قامت شركة «بلاك ووتر BLACKWATER» الأمريكية، بدور حاسم في إسقاط العراق 2003 وقد تعرضت لانتقادات واسعة بعد نشر كتاب «مرتزقة بلاك ووتر.. جيش بوش الخفي»، وهو الكتاب الذي فضح جرائم الشركة في العراق.
وتمتلك الشركة أكبر موقع خاص للتدريب والرماية في الولايات المتحدة، حيث يمتد فوق مساحة 28 كلم2 في ولاية نورث كارولاينا.
كما شاركت في الأعمال العسكرية في العراق وأفغانستان، وبرز اسمها أخيرًا كمشارك في حرب اليمن إلى جانب «القوات الحكومية والتحالف» ضد الحوثيين.
تملك هذه الشركة قاعدة بيانات لنحو 200000 عنصر أمني منهم نحو 21 ألف جندي سابق من القوات الخاصة الأمريكية، ولديها تجهيزات عسكرية متطورة لا تقل عمّا تمتلكه الجيوش النظامية.
كانت الحرب علي العراق بمثابة منجم ذهب وليس حقل بترول وكانت هناك شركات أمريكية متخصصة في كل أنواع هذا البيزنس القذر من أشهرها شركة الطاقة والمعادن «هاليبرتون»، وشركة «بيكتل» الأمريكية التي كان يرأسها «ديك تشيني» وخلفه في رئاستها «جورج شولتز» وزير الخارجية الأمريكي الأسبق.
وفي روسيا تنتشر عشرات الشركات العسكرية التي تقوم بنشاط واسع في أوكرانيا وسوريا وليبيا، وبعض البلدان الأفريقية، والتي يزيد عددها عن 5000 شركة من أشهرها شركة «فاجنر الروسية».
أما في تركيا فيوجد بها نحو 1358 شركة، بينها سبع شركات أجنبية، تنحصر مهمتها في تجنيد وتدريب وتوريد المرتزقة لمهام قتالية في العديد من دول الجوار الإقليمي، يأتي في مقدكتها شركة «شركة SADAT» والتي نجحت في 2019 في تشكيل أكبر جيش من الجهاديين يضم نحو 100 ألف مقاتل تم استخدامهم مؤخرًا في عملية إسقاط سوريا كما تم توريد نحو 20 ألف مقاتل من هذه الشركة إلى ليبيا للقتال إلى جانب قوات حكومة الوفاق ضد الجيش الليبي.
والخلاصة أن معظم جيوش العالم تحولت إلى جيوش مرتزقة وليست جيوش وطنية بمعنى الكلمة بما فيها بعض الجيوش العربية، وهو ما ساهم في سثوطها السريع، باستثناء الجيش المصري الذي كان ومازال نموذجًا فريدًا من نوعه يتكون من شعب واحد وجنس واحد وعنصر واحد وهم أبناء الشعب المصري ولا يوجد في الجيش المصري بكافة تشكيلاته عنصر واحد غريب أو شخص مرتزق مأجور وهذا هو سر قوته وتماسكه وشرفه دون جيوش العالمين.
إنه جيش مقدس يعيش في بلد مقدس تجلي الله على أرضها، وعاش بها الأنبياء والصحابة وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووهبها الله نيلًا ينبع من تحت عرش الرحمن، وجعل جنودها خير أجناد الأرض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا فتح الله عليكم مصر بعدي فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض». فقال له أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: «لأنهم في رباط إلى يوم القيامة».
وجاء في الأثر أن الحجاج بن يوسف الثقفي قال عن المصريين في وصيته للقائد طارق بن عمرو: «إذا ولاك أمير المؤمنين أمر مصر فعليك بالعدل، فهم قتلة الظلمة وهادمو الأمم، وما أتي عليهم قادم بخير إلا التقموا كما تلتقم الأم رضيعها وما أتي عليهم قادم بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب، وهم أهل قوة وصبر وجلده وحمل، ولا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم، فهم إن قاموا لنصرة رجل ماتركوه إلا والتاج علي رأسه، وإن قاموا علي رجل ما تركوا إلا وقد قطعوا رأسه، فأتق غضبهم ولا تشعل نارًا لا يطفئها إلا خالقهم، فإنتصر بهم فهم خير أجناد الأرض، وأتق فيهم ثلاثًا: نسائهم فلا تقربهم بسوء، والا أكلوك كما تأكل الأسود فرائسها، وأرضهم وإلا حاربتك صخور جبالهم، ودينهم وإلا أحرقوا عليك دنياك، وهم صخرة في جبل كبرياء الله تتحطم عليهم أحلام أعدائهم وأعداء الله».
والخلاصة، ستظل مصر صخرة تتحطم على جدرانها جيوش الطامعين، وستظل مصر آمنة مطمئنة ليوم الدين كما قال تعالي: «ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ».