رئيس التحرير
خالد مهران

مصالحة برعاية تركية.. كيف سيؤثر الاتفاق الإثيوبي الصومالي على مصر؟

كيف سيؤثر الاتفاق
كيف سيؤثر الاتفاق الإثيوبي الصومالي على مصر؟

- مساعد وزير الخارجية الأسبق:  مصر لن يكون لديها مشكلة مع أي اتفاق الاستقرار بأفريقيا

- السفير علي الحفني: في حال تحقق المصالحة على أرض الواقع سيكون إنجازًا

- مساعد وزير الخارجية الأسبق: نجاح المصالح بتطلب حُسن نوايا الأطراف وديمومة الاتفاق

- عميد معهد الدراسات الأفريقية الأسبق: ليست هناك معطيات تمكننا من قراءة المشهد بشكل دقيق

- الدكتور السيد فليفل: لا أحد يعلم ما خلف الكواليس فربما هناك اتفاق بين مصر وتركيا على حل الأزمة عن طريق وسيط إسلامي

- السيد فليفل: في حال كان هناك اتصالات بين مصر والصومال قبل المصالحة يمكننا القول أنها رتبت معها وبالتالي مع تركيا لحل الأزمة

«مصالحة إثيوبية صومالية برعايةٍ تركية»، عنوان أثار حالة من القلق والاستفهامات لدى البعض، بشأن تأثير ذلك الاتفاق على مصر، لدرجة وصف تلك الخطوة بـ«الخيانة» من قِبل الصومال للشقيقة الأفريقية مصر التي قدمت لها الدعم في أزمتها الأخيرة مع إثيوبيا، عقب اتفاقها مع إقليم «صوماليا لاند- أرض الصومال» الانفصالي، لاستئجار منفذًا بحريًا لتدشين ميناء وقاعدة عسكرية مقابل الاعتراف بها، وهو ما اعتبرته مقديشو انتهاكًا لسيادتها وتهديدًا لأمنها، كما لاقى الاتفاق رفضًا واسعًا من دولٍ عدة على رأسها مصر.

المصالحة التي أشرفت عليها تركيا قبل بضعة أيام، والتي وصفها الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان، بـ«التاريخية»، أثارت تساؤلات عدة بشأن مدى تأثير تلك المصالحة على مصر في حال تنفيذها على أرض الواقع؟

أردوغان يُصرح

الأربعاء قبل الماضي، صرَّح «أردوغان» أن بلاده نجحت في إتمام اتفاق لحل الأزمة بين الجارتين الأفريقيتين الصومال وإثيوبيا، قائلًا: "إن الصومال وإثيوبيا، الجارتين في منطقة القرن الأفريقي المختلفتين بشأن منطقة أرض الصومال الانفصالية، اتفقتا على إعلان مشترك لحل نزاعهما".

دعم الاستقرار

ورغم التخوفات في ظل توتر العلاقات المصرية الإثيوبية، إلا أن مصر لن يكون لديها مشكلة مع أي اتفاق يحقق ذلك الاستقرار ولكنه سيلاقي دعمًا وتأييدًا منها، لاسيَّما في ظل التوتر بالقرن الأفريقي، والذي يهدد الأمن القومي المصري والعربي وحتى الدولي، خصوصًا وأن دعم الاستقرار بالمنطقة، أحد محاور السياسة الخارجية لمصر، حسبما يقول عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير علي الحفني، في حديثه مع «النبأ الوطني».

ويعتقد أنه، في حال تحقق المصالحة على أرض الواقع ستكون إنجازًا كبيرًا، ولكنها تتطلب حُسن نوايا أطرافها وديمومة الاتفاق، -وهذا ما يثير حولها التساؤلات، لاسيَّما وأن الصومال تحتاج إلى استقرار، وعلى الجميع دعم جهودها في سبيل تحقيقه.

أزمة ممتدة

وقبل ذلك الإعلان، قادت تركيا جولتي وساطة بين أديس أبابا ومقديشو لحل النزاعات بين البلدين، وانتهت بالمصالحة المُشار إليها، والتي تنص على التزام الجانبين باحترام سيادة كل من بلديهما ونبذ خلافاتهما، والإقرار بالفوائد المحتملة التي يمكن جنيها من وصول إثيوبيا الآمن إلى البحر، مع احترام سلامة أراضي الصومال، وإعلان بدء مفاوضات تقنية بحلول نهاية فبراير 2025، بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي خلال 4 أشهر، بمساعدة تركية، حسبما أفادت وكالة الأنباء الصومالية، الخميس 12 ديسمبر الجاري.

وقُبيل أسبوع من المصالحة، وتحديدًا في 5 ديسمبر الجاري، طلب وزير الدفاع الصومالي عبدالقادر محمد نور، مغادرة القوات الإثيوبية المشاركة في قوات حفظ السلام للبلاد وإلا فسيعد بقاؤها احتلالًا -بحسب وصفه-

وذلك على خلفية إعلانه في نوفمبر الماضي 2024، استبعاد القوات الإثيوبية -والتي تبلغ 4 آلاف جندي منذ 2014- من قوات حفظ السلام 2025-2029، معللًا قراراه بانتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال.

يُشار إلى أن الخلاف الإثيوبي الصومالي، اشتعل فتيله منذ يناير 2024، بعدما وقعت أديس أبابا اتفاقًا مبدئيًا مع «أرض الصومال»، تحصل بموجبه على منفذ بحري يشتمل على ميناء تجاريًا وقاعدة عسكرية بمنطقة بربرة، لمدة 50 عامًا، لقاء اعتراف إثيوبيا بإقليم «أرض الصومال» الانفصالي دولة مستقلة، إلا أنه لاقي رفضًا صومياليًا وعربيًا، لاسيَّما القاهرة التي عدَّته بمثابة تهديد إثيوبي للأمن المصري عبر البحر الأحمر، خصوصًا في ظل أزمة سد النهضة.

السفير علي الحفني

تحركات مصرية

وفي أغسطس 2024، دفعت مخاوف مصر من ذلك الاتفاق إلى توقيع بروتوكول تعاون عسكري مع مقديشو، للمشاركة في البعثة الأفريقية لحفظ السلام المقررة في 2025-2029، وعليه مدت القاهرة الصومال بأسلحة ومعدات لمواجهة حركة «الشباب» الإرهابية.

وتنظر مصر إلى القرن الأفريقي على أنها منطقة مضطربة للغاية، وخطورة الاضطرابات بالصومال تتعلق بارتباط الجماعات الإرهابية في الصومال بمليشيا الحوثي باليمن والذي يهدد أمن البحر الأحمر، وعليه فإن ما يهم مصر أن يكون الوضع مستقر في باب المندب لأنه مدخل البحر الأحمر والذي بدوره يؤثر على قناة السويس، لاسيَّما وأنها تأثرت بسبب هذه المواجهة ما بين مليشيا الحوثي وأساطيل دول المنطقة وأثرت على دخل قناة السويس بشكل كبير، حسبما يؤكد السفير علي الحفني.

ويوضح مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن مصر لديها إدراك كاف لارتباط الأمن القومي المصري بالأمن القومي بالشرق الأوسط ومنطقة البحر الأحمر وباب المندب؛ وبالتالي أي مبادرة تصب في خانة استعادة الاستقرار في هذه المنطقة ترحب بها، ولكن قبل الوصول لهذه الدرجة يجب أن تصلح نوايا أطراف الاتفاق وأن يتم ترجمة تلك التفاهمات على أرض الواقع وأن تكون دائمة والالتزام بها.

تسوية للخلاف

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، اعتبر اتفاق بلاده مع الجانب الإثيوبي، بمثابة «وضع حدًا للخلاف»ـ فيما وصفه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بأنه تسوية لسوء التفاهم الذي حدث، لاسيَّما وأنه بلاده تريد وصولًا آمنًا وموثوقًا به إلى البحر وهذا الأمر سيفيد جيرانها بالقدر نفسه، حسبما صرحا خلال المؤتمر الصحفي عقب إتمام الاتفاق بأنقرة، 11 ديسمبر الجاري.

ولم يمر سوى 3 أيام فقط، وأعلن الرئيس التركي «أردوغان» -الأحد 15 ديسمبر الجاري- أنه سيزور إثيوبيا والصومال، خلال شهر أو شهرين من العام المُقبل 2025، قائلًا: “سنُعلن عن الخطوة التي اتخذناها للعالم كله”، وذلك خلال كلمته بملتقى شبابي بولاية «أرضروم»، حسبما أفادت وكالة أنباء «الأناضول».

وفي اعتقاد «الحفني»، أن الاتفاق المُعلن عنه يشير إلى أن يكون لإثيوبيا منفذ بحري، لأن البيان الذي أصدرته تركيا الراعية للمصالحة يؤكد على احترام سيادة الصومال وهذا ما تريده مصر في الأساس، خصوصًا وأن الأزمة لم تكن في حصول إثيوبيا على منفذ بحري، ولكن كانت في تجاهلها للحكومة الصومالية الشرعية والتعاون مع إقليم «صوماليا لاند» المنفصل، ما يعني أنه تعدي على سيادة الصومال، مُضيفًا: هل تلك الأشياء يوفرها الاتفاق أم لا،علينا أن ننتظر لنعلم ماذا سيحدث!

وزير الخارجية الدكتور بدر عبدالعاطي

موقف مصر

وفي ظل التخوفات تلك التصريحات، إلا أنه لم يُصدر تعليق رسمي عن مصر، غير أن وزارة الخارجية قالت إن الوزير الدكتور بدر عبدالعاطي، تلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الصومالي أحمد معلم -مساء السبت 14 ديسمبر الجاري، أطلعه فيه على مخرجات قمة أنقرة الثلاثية بين «الصومال وإثيوبيا وتركيا»، لحل النزاع بين مقديشو وأديس أبابا، بشأن تدشين ميناء لإثيوبيا في منطقة أرض الصومال الانفصالية.

وذكرت الخارجية، أن وزير خارجية الصومال أكد تمسك بلاده باحترام السيادة الصومالية ووحدة وسلامة أراضيها، وهو ما أيده نظيره المصري، الذي أكد دعم مصر الكامل للحكومة الفيدرالية بالصومال الشقيق، وفى مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار.

وتناول الوزيران العلاقات الاستراتيجية المتميزة بين مصر والصومال، وحرصهما المتبادل على تطويرها بالمجالات كافة، فضلاً عن متابعة نتائج القمة الثلاثية التي عقدت في أسمرة بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في 10 أكتوبر الماضي.

كما اتفق الوزيران على مواصلة التنسيق المشترك لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثى بين وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا؛ لدعم التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.

هذا فضلًا عن استضافة مصر للجولة الثانية من المشاورات السياسية بين القاهرة وأنقرة حول تركيا، والتي اتفقا خلالها على تعزيز التعاون من خلال أطر ومسارات متعددة لتحقيق أهدافهما المشتركة بالقرن الأفريقي والبحر الأحمر، ومواصلة دعم الجهود الصومالية في مكافحة الإرهاب، وفقًا لوزرتة الخارجية المصرية 13 نوفمبر الماضي.

وبشأن مزاعم البعض حول التأثير السلبي للمصالحة على مشاركة مصر في قوات حفظ السلام في الصومال، وعلى اتفاق دعم القاهرة لمقديشو العسكري والأمني، يؤكد مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير علي الحفني، أنها لن يكون هناك أي تأثير في هذا الشأن، وعليه فإن مصر ستقوم بدورها بدءًا من يناير 2025 كقوة أفريقية تشكلت بإرادة الاتحاد الأفريقي، وفي الوقت ذاته بناءً على طلب الحكومة الشرعية في الصومال ستقدم مصر كل الدعم لتعزيز قدرات الجيش وتؤهل الكوادر العسكرية والأمنية، خصوصًا وأنها استطاعت التعاون معها في مواجهة الإرهاب في كل ربوع الصومال.

مشهد ضبابي

“ليست هناك معطيات تمكننا من قراءة المشهد بشكل دقيق”، حسبما يؤكد العميد الأسبق لمعهد الدراسات الأفريقية الدكتور السيد فليفل، في حيثه مع «النبأ الوطني».

ويضيف، أن التكهن بشأن تأثير المصالحة الإثيوبية الصومالية على مصر، لن يؤدي إلى نتائج دقيقة، وأن المخاوف بشأن طبيعة التأثير سواء بالإيجاب أو السلب على مصر لن تتضح، إلا عقب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمصر خلال «قمة تجمع الدول الثماني الإسلامية النامية» التي عُقدت أول أمس الخميس، وزيارته إلى الصومال وإثيوبيا التي أعلن عنها، والمُقررة خلال شهر أو شهرين من 2025.

الدكتور السيد فليفل

وبشأن اتهامات البعض للصومال بخيانة مصر -بحسب وصفهم- قال إنه لا أحد يعلم ما خلف الكواليس، فمن الممكن أن يكون هناك اتفاق بين مصر وتركيا على حل الأزمة مع إثيوبيا عن طريق وسيط إسلامي، في إشارة منه إلى تركيا، باعتبارها عضوًا في تجمع الدول الثماني الإسلامية النامية.

ويختتم الدكتور السيد فليفل، حديثه في هذا الشأن، بالإشارة إلى أن الاتصال الذي بين وزير الخارجية المصري ونظيره الصومالي، تم بعد الاتفاق والذي أطلعت خلاله الأخيرة القاهرة، على نتائج اتفاقها مع إثيوبيا وحسب، مُضيفًا أنه في حال الإعلان عن ما إذا كان هناك اتصالًا أجري مع الصومال قبل إتمام الاتفاق من عدمه، كان سيسهل قراءة المشهد، وعليه ستكون مصر رتبت مع الصومال وبالتالي مع تركيا لحل الأزمة.