رئيس التحرير
خالد مهران

الدكتور محمد حمزة يكتب: كفانا اعتداءً على المواقع والمعالم الأثرية والتراثية

الدكتور محمد حمزة
الدكتور محمد حمزة

كفانا اعتداءً على المواقع والمعالم الأثرية والتراثية، وبمناسبة مرور100سنة علي مذكرة العلامة المرحوم محمد رمزي لبيان أخطاء تسمية الشوارع بالقاهرة، نطالب السادة دولة رئيس الوزراء السيد وزير الثقافة السيد وزير السياحة والآثارالسيد محافظ القاهرة بعودة المسميات القديمة الأصلية إلى سابق عهدها، ولنبدأ الحكاية بالسؤال التالي: هل تقتصر الاعتداءات على المواقع الأثرية والتراثية على الهدم أو الشطب أو البيع فقط؟

والجواب بالنفي قطعا فهناك ايضًا اعتداء من نوع آخر وهو طمس هوية الموقع أو المعلم الأثري أو التراثي من خلال تغيير مسماه وإحلال أسماء حديثةجديدة لاتمت بصله إليه، وبالتالي يفقد المكان قيمته التاريخية وما ارتبط به من أحداث ووقائع وحرف وصناعات تقليدية، ولناخذ مثالا لذلك شارع الضببية بالقاهرة التاريخية وهو الشارع الذي يربط بين شمال شارع المعز لدين الله وشمال شارع الجمالية المعروف بشارع باب النصر وهو ينسب إلى صانعي الضبب وهي الأقفال الخشبية للأبواب قديما وكانوا يتمركزون في هذا الشارع الذي كان يسمي زمن المقريزي المتوفي عام845هجري/ بدرب الفرنجية الذي كان يوجد في جزئه الغربي حملونا اسمه المجلون الصغير أو جملون ابن صيرم نسبة إلى مدرسة ابن صيرم.

ويوجد عند ناصية ش الضببية من عند ش باب النصر وكالة قوصون الأثرية التي كانت تعرف. بوكالة الصابون والتي تم الاعتداء عليها عام 1956مً بهدمها باستثناء بوابتها الموجودة حتي الآن وبني مكانها مدرسة وبدلا من تسميتها بمدرسة قوصون سميت بمدرسة المعز لدين الله الابتدائية، ولا ندري لماذا، ويسكن في هذا الشارع بعض أهالي الفيوم من تجار البصل والثوم والليمون.

ورغم ذلك تم تغيير اسم هذا الشارع إلى شارع الأديب جمال الغيطاني المتوفي عام2015م في عهد الدكتور جلال السعيد محافظ القاهرة وقتئذ.

وبداية أنا لست ضد إطلاق أسماء الأعلام على الشوارع وغيرها ولكن ليس على حساب المواقع والمعالم الأثرية والتراثية.

فمثل هؤلاء يجب أن تطلق اسمائهم على الشوارع والميادين والساحات والأبنية في المدن والأحياء الجديدة المستجدة وما أكثرها في القاهرة الكبري فضلا عن مايستجد من كباري وأنفاق ومحطات القطارات والمترو.

أما أن يتم الاعتداء على موقع أو معلم اثري أوتراثي بإطلاق اسم علم حديث عليه فهذا لايجوز مطلقا. 

فبدلا من إحياء الحرف والصناعات التقليدية في هذا الموقع أو ذلك المعلم لقيمته التاريخية وكونه نقطة ارتكاز مهمة في الدراسات التاريخية والحضارية والأثرية والوثائقية وما يرتبط بها من دراسات تتعلق بالتطور العمراني للمدينة التاريخية بخططها وحاراتها وشوارعها ودروبها وأزقتها ورحابها وغير ذلك، نفاجأ بإطلاق اسم علم حديث معاصر بلا داع، فهل يعقل هذا! فأين موقف دولة رئيس الوزراء وقتئذ من ذلك! وأين وزير الثقافة وقتئذ من ذلك! وأين وزير الاثار وقتئذ من ذلك! وأين المجلس الأعلي للثقافة!والمجلس الأعلي للآثار! وأين قطاع الآثار الإسلامية واللجنة الدائمة للآثار الإسلامية! وأين أساتذة التاريخ والآثار في الجامعات المصرية! وأين وسائل الإعلام، وأين النخب الفكرية والثقافية في المجتمع المصري! ولذلك نطالب دولة رئيس الوزراء، وزير الثقافة وزير السياحة والآثار ومحافظ القاهرة بتشكيل لجنة علمية متخصصة من العلماء والخبراء الثقات لمراجعة كل الأسماء التي أطلقت على الشوارع والميادين والأحياء في المواقع والمعالم الأثرية والتراثية بالقاهرة الكبري ولاعلاقة لها بهذه المواقع وتلك المعالم وإعادة الاسماء القديمة الأصلية إلى سابق عهدها.

وكان للعلامة المرحوم محمد رمزي صاحب القاموس الجغرافي وعضو لجنة تسمية الشوارع بمدينة القاهرة المتوفي عام1945م فضل السبق والريادة في هذا السياق فنشر عام 1925م مذكرة ببيان الأخطاء والأغلاط التي وقعت فيها مصلحة التنظيم في تسمية الشوارع والمواقع بالقاهرة وقدمها للسيد وزير الأشغال في ذلك الوقت.

وعلى ذلك وبمناسبة مرور مائة عام على هذه المذكرة وتلك الدراسة المهمة للغاية نطالب بإطلاق اسم الأديب جمال الغيطاني على مكان أخر بالمدن الجديدة وعودة اسم ش الضببية التاريخي والأثري والتراثي إلى سابق عهدة بل وإعادة إحياء هذه الحرفة التقليدية التي اشتهر بها الشارع ونسب اليها.

أيها السادة الكرام الحفاظ علي التراث لايقتصر على أعمال التسجيل والصيانة والترميم وإعادة التأهيل فحسب بل يمتد فيشمل أيضًا الحفاظ على أسماء المواقع والمعالم الأثرية والتراثية وكذلك إحياء الحرف والصناعات التقليدية؟؟؟

ولله در القائل وإذا تأملت البقاع وجدتها تشقي كما تشقي الرجال وتسعد وبالتالي لأبد من نهاية سريعة لشقاء الشارع، بعودة اسمه الأصلي القديم الموروث إليه ثانية، ولا تكرروا ذلك مستقبلا علي اي من المواقع الآثرية والتراثية سواء بالقاهرة أو المحافظات الاخري، وإستعينوا بأهل الخبرة والتخصص وأهل الدراية والفهم وليس… 

بقلم:

الدكتور محمد حمزة أستاذ الحضارة الإسلامية وعميد آثار القاهرة سابقا.