رئيس التحرير
خالد مهران

لغز اختفاء الدراما الدينية والتاريخية المصرية فى رمضان 2025

النبأ

لطالما كانت الدراما التاريخية والدينية جزءًا أصيلًا من مواسم رمضان، حيث ارتبطت الأجيال بأعمال خالدة، مثل عمر بن عبد العزيز، وإمام الدعاة، التي قدمت قصصًا ملهمة بأسلوب درامي يجمع بين المتعة والمعرفة.

لكن مع حلول رمضان 2025، يلاحظ غياب هذا النوع من الأعمال وسط سيطرة المسلسلات الكوميدية والاجتماعية والشعبية، خلال الأعوام السابقة، مما يطرح تساؤلات حول أسباب هذا التراجع.

فبعد أن كان مسلسل رسالة الإمام عن سيرة الإمام الشافعي في رمضان 2023 محاولة لإعادة الدراما التاريخية إلى الواجهة، إلا أن التجربة لم تتكرر، ليبقى السؤال لماذا لم تعد هذه الأعمال ضمن أولويات المنتجين وصناع الدراما؟.

عزوف الإنتاج الخاص

ترى المخرجة إنعام محمد علي، أن سبب غياب الأعمال الدينية والتاريخية عن الساحة يرجع إلى أن الإنتاج الحالي ليس تابعًا للدولة، لا لقطاع الإنتاج ولا لمدينة الإنتاج الإعلامي، بل هو إنتاج خاص، والمنتجون في القطاع الخاص لديهم اعتقاد بأن الأعمال الدينية أو السيرة الذاتية أو التاريخية لا تحقق عائدًا يغطي تكلفتها، وهذا هو المفهوم السائد لديهم.

وأضافت -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن غياب قطاع التلفزيون عن الإنتاج، أحد الأسباب الرئيسية وراء تراجع هذه النوعية من الأعمال.

وعن فكرة أن الجمهور قد لا يهتم بالأعمال التاريخية أو الدينية، أو أنها غير مربحة، وضحت: «أنا كان عندي مقولة دايمًا بكررها، وهي إن مش مفروض أعمل ما يرغب أن يراه الناس، إنما ما يجب أن يراه الناس، لكن أنا شايفة إن حتى اللي بيتعرض، ما أعتقدش إنه ما يرغب أن يراه الناس».

وأوضحت أن هناك العديد من الشخصيات التي تستحق تسليط الضوء عليها في الدراما، مثل طلعت حرب، الذي أسس الاقتصاد المصري في الربع الأول من القرن العشرين، بالإضافة إلى شخصيات تاريخية بارزة، مثل ابن خلدون، والمقريزي، وغيرهم من العلماء.

هوليوود تستعير تاريخنا

وفي السياق ذاته، قال الكاتب والإعلامي محمد الغيطي، إن الدراما المصرية كانت تقدم أعمالًا دينية وتاريخية بشكل سنوي، خاصة خلال شهر رمضان، لكن في العشرين سنة الأخيرة، وتحديدًا منذ 2011، أصبح عدد هذه الأعمال يُعدّ على أصابع اليد الواحدة، رغم أنه من المفترض أن تكون جزءًا ثابتًا من خطط الإنتاج الدرامي كل عام.

وأضاف -في تصريح خاص لـ«النبأ»-: «نحن الذين اخترعنا الدراما التاريخية والدينية والسير الذاتية منذ بداية التلفزيون، والآن نجد دولًا مثل الأردن، تونس، والخليج تنتج أعمالًا تاريخية، حتى سوريا التي قد تكون غابت بسبب ظروفها، لكنها دائمًا ما كانت تقدم هذا النوع من الأعمال، كل الدول العربية تنتج أعمالًا تاريخية ودينية، بينما نحن للأسف في غياب تام، وهذه مصيبة وكارثة، خاصة أننا نمتلك تاريخًا مصريًا قديمًا».

وأشار إلى أن هوليوود نفسها تستعير قصص الفراعنة المصرية وتقدمها في أفلامها، بينما نحن نعيد إنتاج نفس الأفكار والموضوعات المليئة بالعنف، مما يجعل الأعمال متشابهة، خاصة تلك التي تُفصَّل على نجم معين أو نجمة معينة.

أما عن غياب المنتجين عن إنتاج هذه الأعمال، أوضح «الغيطي»، أن الجهات الرسمية كانت المسؤولة عن إنتاجها عندما كانت هناك وزارة الإعلام، وكانت هناك جهات مثل صوت القاهرة وقطاع الإنتاج تتولى تنفيذها.

وأكد أن جميع الأعمال التاريخية التي قدمتها، كانت الجهات الرسمية هي التي تولت إنتاجها، مشددًا على أن هذه الأعمال لها فائدة مجتمعية كبيرة، لأنها تعزز الانتماء والهوية الوطنية، خاصة للأجيال الجديدة التي لم تعد تقرأ، مما يجعل الدراما مصدرًا للثقافة والوعي.

وأضاف: «هذه الأعمال أهم من العائد المادي، ومع ذلك، بعض الأعمال حققت عائدًا، مثل مسلسل "الأقدار"، عن رواية عبث الأقدار، الذي لم يؤخذ في الدول العربية وقتها، لكنه حقق نجاحًا بعد ترجمته وتوزيعه في فرنسا وإيطاليا، وحقق عائدًا ماديًا جيدًا».

وعبّر محمد الغيطي عن حزنه الشديد من غياب هذه النوعية من الأعمال، قائلًا: «دي مصيبة سودة، حتى أنني عرضت مسلسل حتشبسوت على أكثر من شركة، لكنهم خافوا من إنتاجه، لن يتمكن من إنتاجه سوى الدولة».

ووجّه «الغيطي» رسالة إلى المسؤولين، مؤكدًا ضرورة وضع خطة إنتاج تشمل الدراما التاريخية، الاستعراضية، الكوميدية، والاجتماعية، وليس التركيز فقط على الأعمال الاجتماعية أو أعمال التشويق والإثارة، مضيفًا: «يجب أن يكون السيناريو هو الأساس، وليس تفصيل الأدوار على النجوم، فالاحترام الأول للسيناريو، ثم الدور ينادي صاحبه، ونحن تعلمنا ذلك، وهذا هو النظام المتبع في العالم كله».

واختتم حديثه قائلًا: «يهمني أن تكون هناك أعمالًا تاريخية، فلدينا ملايين الشخصيات التي تستحق التناول، مثل الملكات حتشبسوت، نفرتيتي، نفرتاري، إخناتون، وتوت عنخ آمون. الملك الذهبي فكيف لا يتم إنتاج أعمال عنه؟».

سيطرة الإعلانات السبب

أكد الناقد الفني محمد شوقي -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن المسلسلات التاريخية والدينية كانت جزءًا أساسيًا من المشهد الدرامي منذ بداية البث التلفزيوني المصري في الستينيات، معقبا: «لم تكن تقتصر فقط على شهر رمضان، بل كانت تُعرض على مدار العام، وكان التلفزيون المصري يخصص لها مساحة دائمة، سواء على القناة الأولى أو الثانية».

وأشار «شوقي»، إلى أن تلك الأعمال كانت تُعرض بشكل مستمر خارج الموسم الرمضاني، إلى جانب العمل الديني أو التاريخي المقرر في الشهر الكريم، وهو ما كان يُعد جزءًا من الخطة الأساسية للدراما المصرية والعربية.

وأوضح أن هذه المسلسلات استعانت بنجوم كبار، مثل محمود ياسين، نور الشريف، عزت العلايلي، يوسف شعبان، فردوس عبد الحميد، عفاف شعيب، وعبدالله غيث، إلى جانب قامات فنية مثل سامية أيوب وغيرهم.

وأشار الناقد الفني، إلى أن الاهتمام بهذه النوعية من الأعمال بدأ يتراجع في السنوات الأخيرة، بسبب كثرة القنوات الفضائية، وسيطرة الإعلانات التجارية التي فرضت نفسها على سوق الإنتاج.

وأضاف أن تكلفة إنتاج المسلسلات الدينية والتاريخية أصبحت مرتفعة جدًا، في ظل ندرة النصوص الجيدة، حيث لم يعد هناك كتّاب متخصصون في هذا النوع من الدراما.

وأكد أن العديد من نجوم الصف الأول أو الصف الثاني أو الثالث ليس لديهم الحماسة لتقديم مسلسل باللغة العربية الفصحى، أو الجلوس مع مصحح لغوي ومذاكرة النص، حيث يجدون الأمر صعبًا بعض الشيء أو غير محبب لهم، ويفضلون الأعمال الدرامية السهلة التي تُعرض في رمضان وتحقق نجاحًا وقبولًا، مختتما حديثه بأن بعض الأعمال قد لا تحقق النجاح المرجو بعد كل هذا المجهود، وبالتالي لا تغطي تكلفتها الإنتاجية.

الإنتاج المشترك

من جانبه، قال الفنان القدير رشوان توفيق -في تصريح خاص لـ«النبأ»-، إنه منذ أن توقف التلفزيون عن إنتاج الأعمال لنفسه وأصبح المنتجون هم من يتحكمون في الإنتاج، لم يعد هناك اهتمام بتقديم المسلسلات التاريخية والدينية؛ لأنها تحتاج إلى ميزانيات ضخمة لا يستطيع المنتجون تحملها بمفردهم.

وأضاف: «لا تستطيع إنتاج المسلسل التاريخي أو الديني إلا الدولة، فهذه الأعمال كانت تُنتَج بميزانيات ضخمة جدًا، مثل أعمال (الفرسان) و(الأبطال)، حيث تتطلب ديكورات ملائمة للعصر الذي تدور فيه الأحداث، وهذه الديكورات وحدها تكلف مبالغ طائلة».

وأشار إلى أن المسلسلات الدينية والتاريخية تحتاج إلى تصميم ملابس خاصة متميزة للممثلين والكومبارس، وتأجير خيول، مما يرفع من تكلفة الإنتاج بشكل كبير.

وتابع: «وأتذكر أن مهندس الديكور الراحل صالح مرسي، رحمة الله عليه، حين كان يبني ديكورًا مملوكيًا، وكنت متواجدًا بالصدفة معه، قال لي إن بوابة واحدة فقط في هذا الديكور كلفت 7 آلاف جنيه، وكان هذا منذ 20 عامًا، فما بالك الآن؟».

وأوضح رشوان توفيق، أن المنتج يفضل تقديم المسلسلات الاجتماعية بدلًا من التاريخية التي تحتاج لديكورات ضخمة ومكلفة.

وأضاف أن الدولة إن لم تنتج الأعمال التاريخية، فلن يقوم بها المنتج الخاص، حيث إنه لا يجد دافعًا لاستئجار الخيول أو تصميم ديكورات ضخمة، فهو يكتفي باستئجار الاستوديو وإعداد الديكورات بتكاليف تتناسب مع المسلسلات الاجتماعية؛ لأنها أقل تكلفة مقارنةً بالأعمال التاريخية والدينية.

وأشار «توفيق»، إلى أننا بحاجة إلى أن تتبنى الدولة إنتاج الأعمال التاريخية، فهي تتطلب ميزانيات ضخمة، معقبا: «وإذا اتجهنا إلى الإنتاج المشترك مع الدول العربية، كما فعلنا سابقًا، فيمكننا التعاون مع دبي أو الأردن، خاصة أن هذا النوع من المسلسلات التاريخية يمثل تراثًا مشتركًا بيننا جميعًا».

وأضاف: «أنا ابن التلفزيون وأدرك جيدًا ما أقول، يجب أن نتجه إلى الإنتاج المشترك لتنفيذ الأعمال التاريخية والإسلامية؛ نظرًا لتكلفة المعارك، والملابس، والقصور».