رئيس التحرير
خالد مهران

مسلسل "معاوية" يهدد بإشعال فتنة بين السنة والشيعة

النبأ

لم يكن مسلسل "معاوية" مجرد عمل درامي عابر، بل تحوّل إلى ساحة معركة فكرية وثقافية منذ لحظة الإعلان عنه.

مسلسل أشعل فتيل الجدل، بين من يراه إبداعًا فنيًا يسلط الضوء على شخصية مفصلية في التاريخ الإسلامي، وبين من يعتبره قد يتسبب في فتح جرح قضية الفتنة الكبرى.

ومع عرضه في الموسم الجاري رمضان 2025 انفجرت ردود الأفعال، وامتد الجدل ليشمل المؤسسات الدينية، وصولًا إلى قرارات بمنع عرضه فما الذي جعل هذا العمل يثير كل هذه الضجة؟

إنتاج ضخم وتغييرات صادمة في الكواليس

يُعد مسلسل "معاوية" أحد أضخم الإنتاجات الدرامية في العالم العربي، إذ تجاوزت ميزانيته 100 مليون دولار، وجاء من إنتاج MBC Studios، ورغم انطلاق العمل عليه منذ 2022، إلا أنه واجه تحديات كبيرة، أبرزها تغيير المخرج وتأجيل عرضه.

كان المخرج طارق العريان هو الاسم الأول الذي تولى العمل، وبدأ بالفعل تصوير بعض الحلقات التي تجاوزت حسب تقارير صحفية الـ15 حلقة، لكنه اعتذر عن العمل دون توضيح أسباب، واستعانت الشركة المنتجة بالمخرج أحمد مدحت، ثم حدث تعديلات في السيناريو.

منذ طرح الإعلان الترويجي، تصاعدت الاعتراضات، خاصة في العراق، حيث قررت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية منعه رسميًا، مبررة ذلك بأنه قد يعيد تأجيج الخلافات الطائفية بين السنة والشيعة بسبب هذا العمل.

موقف الأزهر ثابت

لم يكن الجدل حول مسلسل "معاوية" الأول من نوعه، فقد سبق للأزهر ودار الإفتاء اتخاذ مواقف حاسمة تجاه الأعمال التي تتناول شخصيات دينية، كان أبرزها أزمة مسرحية "الحسين ثائرًا" في السبعينيات، التي مُنعت من العرض بعد اعتراضات دينية، إلى جانب التحفظ على أعمال فنية أخرى.

ومن جانبه أكد الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى بدار الإفتاء، لـ«النبأ» أن الفتوى الخاصة بمنع تجسيد الأنبياء والصحابة لا تزال ثابتة وتشمل الأعمال التلفزيونية والسينمائية والمسرحية.

أما عن عن موقف الأزهر من مسلسل "معاوية"، قال الدكتور عباس شومان، رئيس لجنة المصالحات بالأزهر والأمين العام لهيئة كبار العلماء، في تصريح خاص لـ«النبأ» قائلًا: «ليس لنا علاقة بهذا المسلسل، وما نعرفش عنه حاجة»، مضيفًا أن الأزهر يبدي رأيه فقط في الأعمال التي تُعرض عليه رسميًا.

الخلط بين الشخصية والممثل

بينما يرى الناقد الفني الدكتور طارق سعد، أن تقديم شخصيات الصحابة في الأعمال الدرامية يمثل إشكالية كبيرة، حيث إن صورة هؤلاء الصحابة في أذهان المسلمين مستمدة من سيرتهم وتاريخهم، وليس من ملامح ممثل معين.

وقال «سعد» في تصريحات خاصة لـ«النبأ»: «عندما نقدم شخصية من الصفوة، مثل الصحابة الذين يُعتبرون نخبة الإسلام الأوائل، لا يمكن أن نراهم بعد ذلك في مشاهد غير لائقة أو بأدوار سلبية. لذلك، إذا كان لا بد من تقديمهم دراميًا، فمن الأفضل الاستعانة بوجوه جديدة لم تُعرف بأدوار أخرى، حتى لا يحدث خلط في ذهن المشاهد. أما إن كان الممثل معروفًا بأدوار مختلفة، فكيف يمكن للجمهور أن يفصل بين الصورة الذهنية له كشخصية دينية وبين أدواره الأخرى؟ هذا قد يؤدي إلى تشويه الصورة الذهنية للصحابة لدى الأجيال الجديدة".

وأضاف سعد أن فكرة انفصال التمثيل عن الواقع قد تكون مقبولة في بعض الحالات، لكنها لا تنطبق على الشخصيات الدينية، لأن الجمهور لا يمتلك تصوّرًا بصريًا مسبقًا عن الصحابة، وبالتالي فإن أي تجسيد لهم سيُرسِّخ صورة الممثل في أذهان المشاهدين.

وأشار إلى تجربة مسلسل "عمرو بن العاص"، موضحًا أن تقديمه تم في فترة مختلفة، حيث لم يكن هناك انفتاح إعلامي كبير أو مواقع تواصل اجتماعي تُثير الجدل حول العمل. كما أن اختيار نور الشريف لتجسيد الشخصية منحها مصداقية، نظرًا لوعيه الأكاديمي واختياراته الدقيقة بعد ذلك، حيث أصبح أكثر حذرًا في انتقاء أدواره، مؤكدًا أنه لن يقدم شخصيات لا تتناسب مع الصورة التي بناها لنفسه.

وتابع سعد: "اليوم، الجمهور يستطيع بسهولة البحث عن صور وأدوار سابقة للممثلين عبر الإنترنت، مما يصعب الفصل بين الشخصية الدرامية والشخصية الحقيقية. في الماضي، لم يكن هذا متاحًا، أما الآن، فبمجرد عرض المسلسل، يمكن للمشاهد الاطلاع على أدوار الممثل السابقة، مما يؤثر على الصورة الذهنية للشخصية التاريخية التي يجسدها".

وضرب مثالًا بالممثلة أسماء جلال، متسائلًا عن مدى إمكانية تصديقها في دور تاريخي ديني بينما تظهر خارجه بملابس جريئة، وهو ما قد يُحدث صدمة لدى المشاهد ويفقد الشخصية الدرامية مصداقيتها.

وتساءل سعد عن الهدف الحقيقي من إنتاج مثل هذه الأعمال، وهل تسعى لتقديم رؤية تاريخية موثقة أم أنها مجرد وسيلة لإثارة الجدل وزيادة نسب المشاهدة؟ وأضاف:

"بعض الأعمال تُنتج بغرض تحقيق نسب مشاهدة مرتفعة من خلال إثارة الجدل حول شخصيات دينية حساسة، مما يجعلها أقرب إلى "فرقعة إعلامية" أكثر من كونها معالجة فنية هادفة".

كما طرح تساؤلات حول مدى خبرة وكفاءة الكاتب خالد صلاح في التصدي لكتابة عمل درامي يتناول شخصية دينية بهذه الحساسية، مشيرًا إلى أن هذه النوعية من الأعمال يجب أن تُكتب إما بأيدي متخصصين وباحثين في التاريخ والدين، أو على الأقل أن تتم مراجعتها من قبلهم لضمان الدقة.

وقال: "خالد صلاح ليس باحثًا متخصصًا، وفي نفس الوقت يشارك ضمن ورشة "قلم" في كتابة مسلسل سيد الناس الشعبي، وهو قصة وإخراج محمد سامي، ولم يكتبه بشكل منفرد. فكيف يمكن للمشاهد أن يقتنع بأن نفس الكاتب الذي يكتب عملًا شعبيًا، يكتب في الوقت نفسه عملًا تاريخيًا دينيًا بهذه الحساسية؟"

وأشار إلى أن هناك تجارب سابقة أثبتت خطورة تقديم أعمال تاريخية دون مراجعة دقيقة، مستشهدًا بمسلسل "الملك أحمس"، الذي توقف بسبب الأخطاء التاريخية الجسيمة التي احتواها.

كما لفت إلى انسحاب المخرج طارق العريان وطلبه رفع اسمه من على العمل، بالإضافة إلى مشاكل بالجملة في المونتاج وحذف عدد كبير من المشاهد، مما يعزز فكرة أن العمل أُنتج لأغراض تجارية بحتة، وليس لأهداف تاريخية أو معرفية حقيقية.

واختتم سعد حديثه متسائلًا:

"إذا كان المسلسل يتناول قضية دينية حساسة، فلماذا لم يتم الرجوع إلى الجهات الدينية المختصة قبل إنتاجه، كما يحدث مع الأعمال السياسية التي تُراجع من قبل الجهات المعنية؟ الأزهر لم يُعرض عليه هذا العمل لأنه إنتاج غير مصري، لكن هل هناك أي مؤسسة دينية قامت بمراجعته قبل طرحه؟ هذا هو السؤال الأهم الذي يجب الإجابة عنه".

إثارة الفتنة

وفي السياق ذاته، أكد الناقد الفني أمين خيرالله، أن مسلسل "معاوية" ليس مشروعًا جديدًا، بل يتم العمل عليه منذ سنوات، حيث شهد عدة توقفات لأسباب إنتاجية ورقابية قبل استكماله مؤخرًا.

وأوضح  في تصريحات خاصة لـ«النبأ» أن الحديث عن نوايا صناع العمل وتوقيت عرضه أمر يصعب التكهن به، فهناك العديد من الأعمال التي تُنتَج في أوقات مختلفة دون أن يكون لها أهداف خفية أو رسائل معينة.

أما عن الجدل المثار حول إمكانية إثارة المسلسل للفتنة بين السنة والشيعة، فقد استبعد «خيرالله» ذلك تمامًا، مؤكدًا أن القضية التي يتناولها المسلسل عمرها أكثر من 1300 عام، وهي محفوظة ومعروفة تاريخيًا، ولا يمكن لعمل درامي أن يثير نزاعًا جديدًا حولها.

وأضاف: «إذا كنا سنصل إلى مرحلة التصارع بسبب مسلسل عن أحداث تاريخية قديمة، فهذا يعني أننا نستحق ما يحدث لنا».

وبشأن رفض الأزهر الشريف لتجسيد الصحابة، أوضح أن الأزهر لا يستند إلى نص ديني صريح في تحريم ذلك، لأن التمثيل والدراما لم يكونا موجودين في العصور القديمة، مؤكدًا أن موقف المؤسسة الدينية يعتمد على اجتهادات فقهية.

وفيما يتعلق باستخدام تقنية «الهالة البيضاء» التي كانت تُستخدم قديمًا في تجسيد الشخصيات الدينية، قال «خيرالله» إن هذه الأساليب لم تعد مناسبة في الأعمال الحديثة، خاصة بعد تجارب مثل مسلسل «يوسف الصديق»، حيث بدا واضحًا أن الجمهور لم يعد يتقبل هذه الطريقة في التقديم البصري.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن «معاوية» يظل في النهاية مجرد عمل فني، لا يجب تحميله أكثر مما يحتمل.

مفيش حصانة

فيما قال الناقد الفني جمال عبدالقادر، إنه بخصوص المشكلة أو الفتنة الكبرى التي وقعت قبل 1300 سنة أو أكثر أو أقل، أرى أنه، كما هو الحال مع كل أحداث التاريخ، من حقنا تقديم أعمال تاريخية عن المشكلات والحروب والحقب التاريخية من وجهة نظرنا أو كما نريد.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ«النبأ»: «التاريخ، كما نعلم جميعًا، يُكتبه أشخاص، ولدينا يقين كبير بأن جزءًا كبيرًا منه غير دقيق. بناءً على ذلك، من حق أي شخص تناول أي حقبة تاريخية من زاويته الخاصة، ومن يعترض يمكنه الرد بعمل فني آخر أو بمقال نقدي أو مراجعة. لذلك، لا توجد حصانة لأي فترة تاريخية أو أي شخصية تاريخية».

وتابع: «أما بخصوص تجسيد الصحابة وأهل البيت، فرأيي الشخصي أنه لا بد من تجسيد جميع الشخصيات التاريخية باستثناء الأنبياء، لأن الأنبياء لا يجوز تمثيلهم، فهم في مقام الكمال، والإنسان الناقص لا يمكنه تجسيد الكامل، أما الصحابة والشخصيات التاريخية، فمن الواجب تقديمهم دراميًا، لأننا في مجتمع غير قارئ، حتى المتعلمون في أغلبهم غير مثقفين».

واختتم حديثه قائلا: «السبيل الوحيد لتعريف الجمهور، خاصة الجيل الجديد، بتاريخنا وشخصياته المؤثرة هو الدراما، لأنها الأوسع انتشارًا والأكثر وصولًا للناس، مع ذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الدراما تعبر عن وجهة نظر صناعها، وليست توثيقًا حرفيًا للتاريخ».

الناقد الفني الدكتور طارق سعد

received_566542826392492

الناقد الفني أمين خيرالله

IMG_٢٠٢٥٠٣٠٤_٠١٢٩٤٨

الناقظ الفني جمال عبدالقادر

IMG_٢٠٢٥٠٣٠٤_٠١٣٠٢٩