رئيس التحرير
خالد مهران

فرص كبيرة للتعاون العربي الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي في عصر التعريفة

سيارات كهربائية صينية
سيارات كهربائية صينية

في السنوات الأخيرة، شهد العالم تحولات اقتصادية وتكنولوجية كبيرة، تجسدت بشكل رئيسي في التطور السريع في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح من العوامل الرئيسية التي تحدد مستقبل اقتصادات الدول. 

ووسط تنافس محموم بين الغرب والصين في هذا المجال، تجد الدول العربية نفسها أمام فرصة استراتيجية للاستفادة من التكنولوجيا الصينية. 

وتأتي هذه الفرصة في وقت حساس، حيث تشهد العلاقات بين الصين والولايات المتحدة تحديات اقتصادية متزايدة، أبرزها التعريفات الجمركية الأمريكية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على الصين. 

كيف يمكن للدول العربية والصين أن تستفيد من هذه التحولات الاقتصادية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي؟.

مع زيادة تركيز العالم العربي على الابتكار والتحديث، فإن العديد من  الابتكارات الصينية في الذكاء الاصطناعي قد تكون مناسبة تمامًا للتصدي للتحديات التي تواجهها الدول العربية.

وهناك بعض الابتكارات الصينية في الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن تفيد العالم العربي بشكل كبير، من مدن ذكية والرعاية الصحية إلى الزراعة وإدارة الطاقة.
--المدن الذكية وإدارتها
تتصدر الصين تطوير المدن الذكية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، من خلال دمج التقنيات المتقدمة لتحسين الحياة الحضرية. ومع شركات مثل تينسنت  وبايدو وهواوي وعلي بابا التي تقود هذه الجهود، طورت الصين أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تدير كل شيء من تدفق المرور إلى إدارة النفايات واستهلاك الطاقة. وتهدف هذه الابتكارات إلى خلق مدن أكثر استدامة وكفاءة وصالحة للعيش من خلال الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبيانات الكبيرة.

وبالنسبة للعالم العربي، الذي يستثمر بكثافة في مدن مستقبلية مثل العاصمة الاددراية في مصر ونيوم في السعودية ومدينة مصدر في الإمارات، فإن تقنيات المدن الذكية الصينية تقدم إمكانات هائلة. ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين التخطيط الحضري وتحسين المرور ومراقبة البيئة، وهو أمر أساسي للمدن سريعة النمو في المنطقة. ومن خلال استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البنية التحتية، وتقليل هدر الطاقة، وتعزيز الأمن العام، يمكن لهذه المدن أن تسرع انتقالها إلى بيئات حضرية أكثر استدامة.
--تعزيز الأمن
تعد التقدمات الصينية في أنظمة المراقبة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، وخاصة في التعرف على الوجه وتحليل الفيديو، من أكثر الابتكارات شهرة على مستوى العالم. وتعتبر شركات التكنولوجيا الصينية مثل هيكفيجن وداهوا رائدة في إنشاء شبكات الأمان الذكية التي تراقب وتحلل كميات ضخمة من البيانات العامة في الوقت الفعلي لتعزيز الأمن العام وجهود إنفاذ القانون.
ونظرًا لتركيز العالم العربي على الأمن والسلامة العامة، فإن هذه التقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون مفيدة للغاية. ويمكن أن تستخدم تقنيات المراقبة الذكية مثل التعرف على الوجه والتحليل البياني للبيانات الأمنية في العديد من الدول العربية وخاصة في المدن الحضرية الكبرى لتعزيز الأمن العام والمساعدة في مكافحة الجريمة. ويمكن لهذه الأنظمة أن تساعد السلطات على مراقبة الأماكن العامة، واكتشاف الانتهاكات، والاستجابة بشكل أكثر فعالية للتهديدات المحتملة.
 --ثورة في التشخيص ورعاية المرضى
تستخدم الشركات الصينية الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية لتحسين التشخيص الطبي، وتحسين رعاية المرضى، وتعزيز كفاءة الأنظمة الصحية. على سبيل المثال، طورت شركات مثل بينغ آن هيلث وبايدو منصات ذكاء اصطناعي تساعد في تشخيص الأمراض باستخدام الصور الطبية، وتحليل بيانات المرضى، والتنبؤ بالمخاطر الصحية. كان الذكاء الاصطناعي ناجحًا بشكل خاص في اكتشاف الأمراض مثل السرطان، وتحليل صور الأشعة المقطعية، وإدارة الحالات المزمنة.
وبالنسبة للدول العربية، حيث يتم تطوير وتحديث البنية التحتية للرعاية الصحية بسرعة، تقدم الابتكارات الصينية في الذكاء الاصطناعي فرصة كبيرة. يمكن للأدوات التشخيصية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أن تساعد المهنيين الطبيين في تقديم تشخيصات أسرع وأكثر دقة، خاصة في المناطق النائية أو المحرومة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين أنظمة إدارة المرضى وتعزيز خدمات الرعاية الصحية عن بُعد، وهو أمر بالغ الأهمية حيث تسعى العديد من الدول في المنطقة إلى توسيع الوصول إلى الرعاية الصحية.
 
 --مواجهة التحديات البيئية
يعد الشرق الأوسط واحدًا من أكثر المناطق اعتمادًا على الطاقة في العالم، ومع تزايد الدفع نحو الطاقة المتجددة والاستدامة، فإن الابتكارات الصينية في إدارة الطاقة تتسم بأهمية خاصة. كانت الصين رائدة في تطبيق الذكاء الاصطناعي لتحسين استخدام الطاقة، خاصة من خلال الشبكات الذكية ودمج مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح في الشبكة الكهربائية.
ويمكن أن تساعد حلول الذكاء الاصطناعي الصينية بشكل كبير في تعزيز إدارة الطاقة في العالم العربي في التنبؤ بالطلب على الطاقة، وإدارة توزيع الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الشبكات الذكية، مما يضمن استخدام موارد الطاقة بشكل أكثر فعالية وتحفيز التحول إلى مصادر طاقة أكثر نظافة.
 
--تعزيز الأمن الغذائي
يواجه العالم العربي تحديات كبيرة تتعلق بـ الأمن الغذائي وسط ندرة الأراضي الزراعية والموارد المائية في بعض البلدان. وتمكنت الشركات الصينية في مجال الزراعة الدقيقة من استخدام الذكاء الاصطناعي لمعالجة هذه التحديات. من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل أنماط الطقس، وظروف التربة، وصحة المحاصيل، يمكن للابتكارات الصينية تحسين الإنتاج الزراعي، وتحسين استخدام المياه، وتقليل الفاقد الغذائي.
وبالنسبة للدول في الشرق الأوسط، التي تعتمد بشكل كبير على واردات الغذاء، يمكن أن تساعد هذه التقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاج الزراعي المحلي وتعزيز كفاءة الموارد. يمكن أن تحوّل أنظمة الري الذكية، واكتشاف أمراض المحاصيل، وأدوات التنبؤ بالإنتاج طرق الزراعة في المنطقة، مما يضمن أن الإنتاج الغذائي يصبح أكثر استدامة وأقل اعتمادًا على المصادر الخارجية.
 
--تعزيز الكفاءة في التجارة
كانت شركات التجارة الإلكترونية الصينية، مثل علي بيندودو وعلى بابا وجي دي دوت كوم، رائدة في استخدام الذكاء الاصطناعي لتحويل إدارة سلاسل الإمداد والتنبؤ بالمخزون وتوصيل الطلبات. من خلال دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات اللوجستية، استطاعت هذه الشركات تبسيط عملياتها، وتقليل التكاليف التشغيلية، وتحسين سرعة التوصيل.
مع نمو سوق التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط بسرعة، يمكن أن تكون ابتكارات الذكاء الاصطناعي الصينية مفيدة للغاية. يمكن أن تعزز حلول الذكاء الاصطناعي المستودعات الذكية، وإدارة المخزون، وتعقب الشحنات في الوقت الفعلي، مما يحسن كفاءة سلاسل الإمداد ويُحسن تجربة العملاء. بالنظر إلى الموقع الاستراتيجي للمنطقة كمركز رئيسي للتجارة، يمكن أن تساعد هذه الابتكارات الشركات في المنطقة على توسيع عملياتها والتنافس بشكل أكثر فاعلية في السوق العالمي.
 
--تحسين النقل
حققت الصين تقدمًا كبيرًا في تقنيات القيادة الذاتية، مع شركات مثل بايدو التي تقود تطوير السيارات الذاتية القيادة وأنظمة النقل العام الذكية. تعتمد هذه التقنيات على الخوارزميات المعقدة للذكاء الاصطناعي للتنقل بأمان وفعالية في البيئات الحضرية.
 
ويمكن أن تكون التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الصين والدول الأخرى عاملًا محفزًا لتعزيز التعاون بين الصين والدول العربية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. وقد يدفع ذلك الصين إلى البحث عن أسواق بديلة لتعويض تأثير هذه الإجراءات. وبالتالي، قد تنظر الصين إلى الدول العربية كفرص استراتيجية لتوسيع التعاون الاقتصادي في مجالات مثل التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية. وبما أن العديد من الدول العربية تتمتع بعلاقات اقتصادية وثيقة مع الصين، فإن هذه الدول قد تصبح شريكًا أساسيًا في تعزيز التعاون في هذه المجالات.