إحراق "الكرملين" على يد العثمانيين
رغم أنَّ الدولة العثمانيَّة مرَّت بحالة من الضَّعف بعد وفاة سلطانها الأبرز "سليمان القانوني" وتولِّي السلطان "سليم الثاني" خلفًا لأبيه (974 هـ)، فإنَّ التاريخ يحفظ لهذا السلطان العثماني محاولته الحفاظ على مَجْد الخِلافة العثمانيَّة في قلب أوروبا بالاعتماد على كِبار رجال دولة أبيه، وعلى رأسهم الوزير والمجاهد الفذُّ "محمد باشا الصقلِّي"، ورغم ما خطَّته كتبُ التاريخ من الصِّفات السلبيَّة للسلطان سليم الثاني وتخلُّصه من كافَّة منافسيه في سبيل الوصول لعرش الخلافة، إلاَّ أنَّ يوم دخول جيش القرم التابع للدَّولة العثمانيَّة العاصمةَ "موسكو"، وفتحها وقهر جيشها - لهو يوم يعدُّ من أيام الماضي الجميل للدَّولة العثمانية، "غول" أوروبا في ذلك الوقت.
وقد تمَّ هذا الفتح في الرابع والعشرين من شهر مايو لعام ألف وخمسمائة وواحد وسبعين؛ حيث اشتكى حكَّامُ خوارزم والقرم من مضايقات الرُّوس للحُجَّاج والتجَّار المسلمين بعد استيلائهم على "أستراخان"، ومهاجمة قوافلهم التجاريَّة، إلى جانب أنَّ الروس طمعوا في التوسُّع على حساب المناطق الإسلاميَّة بعد وفاة السلطان "سليمان القانوني" استغلالاً لقلَّة خبرة السلطان سليم الثاني في إدارة أمور الدولة.
كان ذلك في عهد السلطان سليم الثاني وبقيادة خان القرم "دولت كيراي" في ربيع 978هـ/1571م، بجيش مكون من 120 الف جندي معظمهم من القرم و معهم سرية مدفعية عثمانية، هدفت هذه الحملة من أجل وضع الروس عند حدهم بسبب احتلالهم إمارات قازان واستراخان ومنعهم من التوسع على حساب المناطق الإسلامية .
لم يتمكن الجيش الروسي من الدفاع عن مدينة موسكو، بعدما خسر ثمانية آلاف جندي، فضلا عن هروب القيصر "إيفان الرابع الرهيب" تاركا ورائه 30 ألف خيال و6 ألاف مشاة من حملة البنادق، إضافة إلى مقتل أخوي زوجة القيصر الاثنين.
قام العثمانيون بسحق الجيش الروسي ودخلوا موسكو وأحرقوا سراي الكرملن بعد أن استولوا على خزانة القيصر الهارب، ثم عاد القائد العثماني "دولت كيراي" إلى القرم ومعه 150 ألف أسير، وحاملا معه انتصار كبيرا حيت حصل على مباركة السلطان سليم الثاني ولقب بــــ "تخت آلان" أي "كاسب العرش" كما كرمه السلطان بإرساله إليه سيفا مرصعا وخلعة وكتابا سلطانيًا.
وعلى اثر ذلك اخذت روسيا بدفع جزية سنوية عاليةفضلا عن طرد الديوان العثماني للسفراء الروس الذين جاءوا لإيقاف الغزوات الإسلامية القرمية و لم يلتفت ابدا لكل السفارات الروسية التي جاءت ترجوه بوقف القتال.