رئيس التحرير
خالد مهران

كرامة وطن.. وكرسى مشيرة

النبأ

كنت مولعا فى سنوات المراهقة بألغاز الساحر ديفيد كوبرفيلد، وأساطير مثلث برمودا المثير، يضاف إليهما ما كتبه الراحل أنيس منصور عن الأرواح والأشباح، والذين هبطوا من السماء أو أولئك الذين عادوا إليها.

 

تمر السنون وأنسى معظمها ثم يستيقظ فضولى لحل الألغاز «على كبر» عندما أقرأ عن سعى مصر للوصول إلى مقعد مدير عام منظمة اليونسكو، وترشحيها السفيرة والوزيرة السابقة مشيرة خطاب للمنصب.

 

هذا لغز ما بعده لغز!

 

من جهة لا أعلم الفائدة التى يمكن أن تعود على مصر بالوصول إلى منصب فى منظمة لا علاقة لها بأى من أولوياتها. لو كانت منظمة للأمن ربما كنت أفهم. لكن الأمر يصبح ملغزا إلى أقصى حد عندما تصدر الرئاسة بيانا يدعم خطاب، ويشيد بـ«الدور المهم الذى تضطلع به منظمة اليونسكو، خاصة فى الوقت الذى يشهد فيه العالم تحديات عديدة تتطلب تضافر الجهود الدولية لتعزيز ثقافة التسامح وقبول الآخر عبر الاهتمام بتطوير التعليم والأنشطة الثقافية»... بجد؟!

 

أعطنى عقلك. دولة تفرغ قواتها الأمنية لإغلاق سلسلة من المكتبات العامة المقامة بالجهود الذاتية والتى لا تهدف إلا إلى نشر الثقافة مجانا بين أطفال الفقراء والمهمشين والمحرومين. تغلقها واحدة بعد أخرى بالشمع الأحمر بعد حملة عرمرم يقودها لواءات ويصاحبها جنود مدججون بالسلاح، ولكنها فى الوقت ذاته تسعى للسيطرة على أهم منظمات العالم الثقافية: اليونسكو «منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة»!

 

مشيرة خطاب نفسها أدركت التناقض المزرى، فبعد إغلاق مكتبتين من سلسلة مكتبات الكرامة، سارعت المرشحة النشيطة لإصدار تصريح تقول فيه: سأبذل قصارى جهدى كى لا يحرم طفل أو طفلة من الحق فى الحصول على المعرفة. وقبل مرور أسبوع على تصريحها كان الأمن الوطنى يغلق مكتبة ثالثة!

 

لا أعلم مدى جدية خطاب فى تصريحها، ولا سبب اهتمامها بالثقافة وقت لا تستطيع فيه أن تمنع إغلاق مكتبات عامة ومجانية للفقراء. هل تقدم للعالم نموذجا عمليا لما يمكن أن تحققه بعد الفوز بالمنصب وهو شن حرب على الفقراء للحيلولة بينهم وبين الثقافة المجانية؟ ربنا يوفقها!

 

أى ارتباط بين الثقافة وبين الدولة التى سجنت الكاتب أحمد ناجى عقابا له على نشر فصل من إحدى رواياته فى مجلة؟ وحتى عندما صدر حكم بوقف تنفيذ حبسه بعد ستة أشهر كاملة خلف القضبان، ظلت السلطات تماطل أربعة أيام كاملة لتنفيذ الحكم وإطلاق سراحه.

 

لماذا تريد هذه الدولة أن ترتبط بالثقافة إن كانت تحتل المركز الثانى عالميا فى قائمة أسوأ الدول فى التعامل مع الصحفيين؟ وبعد أن وصل من سجنوا منهم إلى 38 صحفيا. بل وحصد المصور محمد أبوزيد (شوكان)، جائزة دولية وهو حبيس جدرانها مدة تجاوزت ثلاث سنوات.

 

كيف يمكن لدولة لا يعرف وزير تعليمها الهجاء، وتحتل المرتبة قبل الأخيرة فى التعليم العالى على مستوى العالم، أن تفكر فى مجرد لمس مقعد مدير عام منظمة التربية والعلوم والثقافة؟

 

ما هو الدافع وراء الاهتمام بالمنظمة الدولية الأهم للعلوم، رغم المعاملة المزرية التى توليها مصر للعلماء؟ يكفى هنا أن نضرب مثلا واحدا بعالم عظيم، لم يشفع له تكريمه والحصول على أعلى المناصب الفخرية فى بلده، وتحقيقه لواحد من أعظم إنجازات القرن. ورغم هذا كله ينتهى به الحال مخفيا عن العيون، ولا يعلم مصيره أحد. هل يمكن أن نأخذ على محمل الجد دولة تسدل ستار التعتيم الكامل على العالم الكبير اللواء إبراهيم عبدالعاطى الشهير بعبدالعاطى كفتة، بعد أن أبهر العالم بجهازه الشهير وعلمه الوافر؟

 

هل هذه دولة ثقافة أو تربية أو علوم؟

 

لغز والا مش لغز؟

نقلًا عن جريدة الشروق