«الإخوان» كلمة السر فى اشتعال الحرب الباردة بين شيخ الأزهر والأوقاف
تغيّب شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، للمرة الخامسة، عن حضور افتتاح مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وأناب عنه الشيخ صالح عباس، القائم بأعمال وكيل الأزهر الشريف وألقى كلمة أكد خلالها أهمية التعليم في بناء الشخصية الوطنية.
ورغم أن «البروتوكول» يحتم على شيخ الأزهر حضور المؤتمرات الدولية التي تعقدها المؤسسات الدينية فى مصر، فإنّ «الطيب» تجاهل الحضور.
وكان غيابه حديث جميع الوفود وضيوف المؤتمر، وتعمد شيخ الأزهر عن الحضور، جاء بسبب تغيب الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف بالمشاركة في كثير من مؤتمرات الأزهر خلال الفترة الماضية.
«فتنة المؤتمرات»
غياب «الطيب» يؤكد استمرار الصراع بين الطرفين واشتعال الخلاف فيما بينهما خاصة فيما يتعلق بملف تجديد الخطاب الديني، وأنّ العلاقات بينهما مازالت متوترة على غير ما يصدر من وزير الأوقاف والذي صرح من قبل ردا على الأخبار التي تم تداولها عن توتر العلاقة بين الأزهر والأوقاف بأنها «عارية تماما من الصحة».
ونفى وزير الأوقاف، ما قيل حول توتر العلاقة بين الوزارة والإمام الأكبر، قائلًا: شيخ الأزهر إمامنا وشيخنا.. وهو الذي قدمني لهذه الوزارة.
ووفقًا للمعلومات فإن وزارة الأوقاف وجهت دعوة رسمية لشيخ الأزهر لحضور مؤتمر المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، إلا أنه رفض الحضور وحضر بدل منة وكيل الأزهر، ليتواصل غياب «الطيب» عن مؤتمرات الأوقاف منذ وصول مختار جمعة لمنصبه.
وتعقد الدورة التاسعة والعشرون للمؤتمر تحت عنوان «بناء الشخصية الوطنية وأثره في تقدم الدول والحفاظ على هويتها»، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئاسة الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، ورئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
وكانت المرة الأولى لتغيب «الطيب» خلال مؤتمر المجلس في دورته الـ24 تحت عنوان "عظمة الإسلام وأخطاء بعض المنتسبين إليه".
تغيب الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب للمرة الأولى عن المؤتمر الدولي الـ24 للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية "عظمة الإسلام وأخطاء المنتسبين إليه.. طريق التصحيح"، الذي عقد في فبراير 2015، إذ تعلل وقتها بأنه تعرض لنزلة برد، وأوفد بدلا منه وكيله عباس شومان.
مصادر بالأزهر، أرجعت تغيب الإمام الأكبر آنذاك عن المؤتمر لعدم تخصيص مكان له على المنصة الرئيسية من قبل وزير الأوقاف.
ولم يحضر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، المؤتمر الـ«26» للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية "تطوير المؤسسات الدينية..الواقع والمأمول والتحديات" الذي عقد بمدينة أسوان، ولم يوفد أي مندوب للحضور عنه.
وذكرت مصادر وقتها أنّ الإمام الأكبر في حالة سخط شديد ضد الوزير بسبب مطالبة الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، للطيب، باستبعاد من أسماهم بالمنتمين إلى الإخوان داخل الأزهر الشريف، وهو التصريح الذي مازال يثير غضب الطيب حتى الآن ويرفض التسامح مع الوزير، خاصة أن هذه النقطة لعب عليها المقربون من الإمام الأكبر الذين خرجوا مؤخرا من المشيخة، حيث قالوا للطيب إن وزير الأوقاف وراء الحملة الإعلامية التي تشن ضد المشيخة وتطالب الطيب باستبعاد الإخوان من المشيخة، وعلى رأسهم عباس شومان وكيل الأزهر في ذلك الحين، وكذلك المستشار محمد عبد السلام، بل قيل إن مختار جمعة يسعى لتولي منصب شيخ الأزهر، عن طريق اللعب على ورقة الإخوان داخل المشيخة، وهو ما تسبب في إبعاد «جمعة» عن عضوية مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء بالأزهر حتى الآن.
وقرر الطيب عدم حضور مؤتمرات الأوقاف مهما كان إلا الاحتفال بليلة القدر؛ نظرا لحضور الرئيس فقط، في الوقت نفسه رفض توجيه الدعوة للوزير مختار جمعة لحضور مؤتمرات المشيخة والتي كان آخرها مؤتمر حماية القدس في العام الماضي.
وعقد الأزهر الشريف، نهاية فبراير الماضي في نفس العام مؤتمرًا عالميًا حول "التنوع والتكامل والمواطنة"، حضرته وفود من أكثر من 50 دولة على مستوى العالم، تحت رعاية الرئيس السيسي.
وقالت مصادر بالأزهر، إن قيادات المشيخة رفضت توجيه الدعوة للدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، اعتراضا على تجاهلهم في مؤتمراتهم.
وأضافت المصادر، أنّ وزير الأوقاف حضر المؤتمر نائبًا عن المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء فى ذلك الوقت.
تكرر الأمر، بعدما عقد الأزهر مؤتمره الدولي الثاني خلال أسبوعين فقط، حول تجديد الخطاب الديني بين دقة الفهم وتصحيح المفاهيم، الذي نظمته كلية الدراسات الإسلامية، ولم يدع إليه وزير الأوقاف، بل إنّ «الطيب» قال خلال كلمته التي ألقاها نيابة عنه وكيله فى ذلك الوقت عباس شومان إن «الأزهر ماضٍ في استعادة الخطاب الديني من خاطفيه على الموائد الدعوية»، ما يؤكد كيف تحولت مؤتمرات الأزهر لصراع بين قياداته حول ملف الخطاب الديني وكسب ثقة السيسي.
وتغيب شيخ الأزهر عن المؤتمر الـ27 للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية "دور القادة وصانعي السلام في نشر ثقافة السلام ومواجهة الإرهاب" الذي عقد منتصف مارس، ولم يتواجد أي ممثلين للمشيخة.
المصادر، قالت إن الإمام الأكبر قرر إيفاد الدكتور عباس شومان للمؤتمر بدلا منه، إلا أنه اعتذر بدعوى عدم تخصيص كلمة له.
ولفتت المصادر، إلى أن وزير الأوقاف رفض تخصيص كلمة للدكتور عباس شومان في مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ردا على عدم توجيه الدعوة له في مؤتمر " المواطنة".
صراع حضور المؤتمرات المشتركة بين الأوقاف والأزهر امتد أيضًا لجلسات لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، حيث حدث أكثر من مشادة بين الوزير ومندوب المشيخة كما حدث بين مشادة الوزير والدكتور محيى الدين عفيفى الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أثناء نظر قانون تنظيم الفتوى، وتمسك الأزهر باستبعاد أئمة الأوقاف من الفتوى، في حين تمسك الوزير بضرورة دخول الأئمة في القانون، وأدى الخلاف إلى تأجيل نظر القانون حتى الآن.
«الخطبة المكتوبة»
كانت المحطة الأخيرة التي التقت فيها الأوقاف مع الأزهر في معركة جديدة، بعدما أعلنت الأول عن نيتها في تطبيق فكرة «الخطبة المكتوبة»، بمعنى توحيد خطبة الجمعة بموضوع ديني واحد يوزع مكتوب على كل الأئمة في مساجد محافظات المحروسة، بدعوى محاربة التطرف الفكري والشرود الديني.
الأمر لم يلق استحسانًا من مشيخة الأزهر وعلمائها، الذين أعلنوا رفضهم التام لتنفيذ قرار الأوقاف، تمثل في بيان شديد اللهجة، أصدرته هيئة كبار العلماء بكامل تشكيلها بحضور الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، أعلنت رفضها تطبيق للخطبة المكتوبة، بدعوى أنها تسهم في قتل ملكات الإبداع لدى الأئمة، وتجعل الخطباء مكبلين ومنكبين على الورق.
وسرعان ما أصدر القطاع الديني بوزارة الأوقاف بيانًا، أكد فيه أنه لم يكلف أحدًا غير أئمة الأوقاف المسئولين بدورهم عن المساجد بالخطبة المكتوبة، وأن سبيل الوزارة في تعميمها بجميع مساجد الجمهورية هو الحوار والإقناع.
وأشار البيان إلى أن جميع قيادات الوزارة والغالبية العظمى من الأئمة على قناعة تامة بأداء الخطبة المكتوبة؛ كونها تأتي في إطار مشروع فكري مستنير وفق خطة ومنهجية شاملة تحقق مصلحة شرعية ووطنية.
«فتنة العزل»
بدأت هذه الأزمات تجد لها موطئ قدم بين الأزهر والأوقاف، في فبراير عام 2015، بعد صعود مختار جمعة وزيرًا للأخيرة، وقتها صدر قرار من أحمد الطيب شيخ الأزهر، أخرج فيه وزير الأوقاف من عضوية المكتب الفنى للإمام الأكبر، وإسناد رئاسة المكتب للدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر وقتها، ما دفع الوزير للرد بعزل شومان من رئاسة مجلس إدارة مسجد الحسين.
وعلى وقع هذه الأزمة، انطلقت فعاليات المؤتمر الإسلامي الدولي الرابع والعشرين آنذاك، دون حضور الدكتور أحمد الطيب، فى سابقة تعد الأولى من نوعها، حيث شارك في المؤتمر وفود ووزراء أوقاف وعلماء من جميع دول العالم الإسلامية.
«تجديد الخطاب الديني»
أواخر العام الماضي كان الأزهر والأوقاف على موعد جديد مع معركة أخرى، بعدما أعلنت مؤسسة الرئاسة ضرورة العمل بقوة على تجديد الخطاب الديني، لتسارع كل مؤسسة بإلقاء التهم من على كاهلها إلى الأخرى.