رئيس التحرير
خالد مهران

أسرار الحرب الخفية بين شيخ الأزهر و«لوبى» حقوق المرأة

الدكتور أحمد الطيب
الدكتور أحمد الطيب - أرشيفية


أثار مشروع قانون الأحوال الشخصية المقدم من الأزهر الشريف، جدلًا واسعًا؛ بعد إعلان الأخير عنه الجمعة الماضية، فضلًا عن ظهور خلافات حادة حول المشروع، وهي الخلافات التي قد يترتب عليها تداعيات كبيرة بالمشهد الداخلى. 


من أبرز تلك التداعيات دخول الأزهر في صدام علنى مع البرلمان، والمنظمات الحقوقية المهتمة بالمرأة والطفل، ووفقا للمعلومات المتوفرة، فإن الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، مصمم على ضرورة إقرار قانون الأزهر الذي أعلن عنه، رافضًا نهائيًا أى تعديلات عليه. 


وكشفت مصادر أن «الطيب» يرى أن القانون يمثل هيبة الأزهر، وأن أى تعديلات بشأن هذا المشروع قد يترتب عليها تقديمه استقالته.


حديث هذه المصادر، جاء عقب صدور بيان شديد اللهجة من شيخ الأزهر الذى أكد تمسكه بحقه الدستوري فى إقرار القانون، معتبرًا أنه لن يترك كل من «هب ودب» يتحدث عن الأمور الشرعية. 


جاء ذلك ردًا على الآراء الرافضة للقانون، وأكد «الطيب» أنّ الأزهر الشريف استقبل بالفعل مجموعة من مشروعات قوانين للأحوال الشخصية من بعض أعضاء مجلس النواب والمجلس القومي للمرأة وجهات أخرى، وقد راجعها جميعها ونظر إليها بعين الاعتبار والتقدير، وبناء عليه، عمل الأزهر على صياغة مشروع متكامل لقانون الأحوال الشخصية، عكفت هيئة كبار العلماء على إعداده ومراجعته مراجعة دقيقة لأكثر من عام، واستعانت فيه بذوي الاختصاص والمهتمين بقضايا المرأة والطفل والأسرة.


وقالت مصادر إن الأزهر استفاد من مشاريع القوانين والمقترحات المرسلة إلى الأزهر، وبذلك فإن مشروع قانون الأحوال الشخصية المقدم من الأزهر هو الرد الفعلي على كل المقترحات التي وصلت إليه، حيث استفاد منها ومن غيرها من الآراء والأصوات التي حرص الأزهر على الاستماع إليها، وقد أرسل الأزهر مشروع القانون إلى الجهات المعنية بهذا الشأن.


وأشار إلى أن الإمام الأكبر منذ بداية العمل على مشروع قانون الأحوال الشخصية شدد على ضرورة أن يعالج القانون مشكلات الأسرة، وأن يراعي حصول المرأة على جميع حقوقها، وأن يضمن رعاية جيدة للأطفال، وتحديد الحقوق والواجبات المترتبة على الطلاق بما لا يظلم الطرفين، مع التقيد بالأصول والثوابت الشرعية. 


في السياق ذاته، وجّه عدد من نواب البرلمان والنشطاء ومنظمات المرأة انتقادات واسعة لقانون الأزهر والمتمثل في 168 مادة، تمثلت أهم تلك الانتقادات الموجهة لمشروع قانون الأزهر للأحوال الشخصية حول المادة الثانية التي تنص على: أ- إذا عدَلَ أحد الطرفين عن الخطبة أو مات، فللخاطب أو ورثته أن يسترد المهر الذى أداه، أو قيمته يوم القبض إن تعذر رد عينه، ولا تُعد الشبكة من المهر، إلا إذا اتفق على ذلك، أو جرى العرف باعتبارها منه.


ب – وإذا اشترت المخطوبة بمقدار مهرها أو ببعضه جهازًا، ثم عدل الخاطب، فلها الخيار بين إعادة المهر أو تسليم ما تم شراؤه من الجهاز أو قيمته وقت الشراء.


ويرى المعارضون أن هذا فيه خلط بين مذهبين «الحنفي والمالكي»، وهو أمر لا يجوز تشريعيًا ويسمى تراجعًا، وفقًا لتصريحات النائب محمد فؤاد.


كما واجهت المادة رقم 6 فقرة ج، والتي تنص على:« للولى الحق فى المطالبة قضاء بفسخ النكاح قبل الدخول، إذا زوجت المرأة نفسها من غير كفء، أو من دون مهر المثل وقت العقد، أو فور العلم به»، نقدًا كبيرًا لاعتبارها تقييدًا لحرية اختيار المرأة.


ومن ضمن التحفظات على القانون ما يتعلق بـ«الخطبة»، حيث وأوضحت المادة رقم «٢»: أنه إذا عدَلَ أحد الطرفين عن الخطبة أو مات، فللخاطب أو ورثته أن يسترد المهر الذى أداه، أو قيمته يوم القبض إن تعذر رد عينه، ولا تُعد الشبكة من المهر، إلا إذا اتفق على ذلك، أو جرى العرف باعتبارها منه.


وأشارت المادة رقم 2 إلى أنه إذا اشترت المخطوبة بمقدار مهرها أو ببعضه جهازًا، ثم عدل الخاطب، فلها الخيار بين إعادة المهر أو تسليم ما تم شراؤه من الجهاز أو قيمته وقت الشراء.


وأكدت المادة رقم «٣»: أنه إذا عدل أحد الطرفين عن الخطبة بغير سبب، فلا حق له فى استرداد شىء مما أهداه للآخر، وإن كان العدول بسبب من الطرف الآخر فله أن يسترد ما أهداه إن كان قائمًا أو قيمته يوم قبضه، ويستثنى من ذلك ما جرت العادة باستهلاكه.


ونبهت المادة رقم «٤»: أنه إذا انتهت الخطبة باتفاق الطرفين بدون سبب من أحدهما، استرد كل منهما ما أهداه للآخر إن كان قائمًا، أو قيمته يوم قبضه، وإذا انتهت الخطبة بالوفاة فلا يسترد شيئًا من الهدايا.


وأفادت المادة رقم «٥»: بأن مجرد العدول عن الخطبة لا يوجب تعويضًا إلا إذا ترتب على العدول ضرر، فللمتضرر حق طلب التعويض.


الاختلاف حول مواد مشروع قانون الأحوال الشخصية المقدم من الأزهر، كان بارزًا ومتنوع الاتجاهات من جانب أعضاء مجلس النواب، ويرى البعض أنه ما كان للأزهر أن يُعد مشروع قانون، باعتباره جهة غير ذي صفة، حسبما أكدت النائبة آمنة نصير، عضو البرلمان، مشيرة إلى أنها سترفض قانون الأزهر، لكونه ليس جهة تشريع.


وأكدت أنّ ما جاء بقانون الأزهر مخالف لاستقرار الأسرة المصرية وسيتم رفضه، مشيرة إلى أنها سترفض تماما مواد مثل "ينعقد الزواج بإيجاب وقبول وشاهدين"، وأوضحت أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، أن الأصل في الزواج هو وجود قبول ورضاء من الطرفين، إلا أن الأمر ليس مجرد موافقة الطرفين فقط، وإغفال دور الولي، ومباركات الأهل والأقارب.


وأكد النائب عبد المنعم العليمي أن للأزهر حق التدخل للموافقة على جميع القوانين التي تخص شئون الدين الإسلامي، موضحا أن ذلك جاء في المادة 7 من الدستور الذي تنص على أن الأزهر المرجع الأساسي في علوم الدين والشئون الإسلامية.


وانتقد النائب محمد فؤاد، عضو اللجنة التشريعية، بالبرلمان، ترتيب ولاية الأب في مشروع قانون الأحوال الشخصية المقدم من الأزهر، وإن كان قد تحفظ على الوصف باعتبار غير ذي صفة، حيث يرغب النائب في أن تكون ولاية الأب تقع في المرتبة الثانية مباشرة بعد الأم، لكن الأزهر حدد في مشروع القانون المقدم 13 حالة يحق لها حضانة الطفل. 


وتابع: نص مشروع القانون على أنه يثبت حق حضانة الطفل للأم ثم للمحارم من النساء مقدمًا فيه من يُدلى بالأم على من يُدلى بالأب، ومعتبرًا فيه الأقرب من الجهتين، على الترتيب الآتى: الأم، أم الأم، الأخوات بتقديم الشقيقة، ثم الأخت لأم، ثم الأخت لأب، الخالات بالترتيب المتقدم فى الأخوات، أم الأب، الأب، بنات الأخت بالترتيب المتقدم فى الأخوات، بنات الأخ بالترتيب المتقدم فى الأخوات، العمات بالترتيب المذكور، خالات الأم بالترتيب المذكور، خالات الأب بالترتيب المذكور، عمات الأم بالترتيب المذكور، عمات الأب بالترتيب المذكور.


من ناحيته، أكد النائب البرلماني أحمد حلمي الشريف، وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، أن من حق الأزهر الشريف تقديم مشاريع القوانين للبرلمان، وله أيضًا حق النظر في النصوص والمواد التي تتصل بالشريعة الإسلامية وذلك في إطار اختصاصاته.


وبين «الشريف» أن رأي الأزهر الشريف مهم في تلك التعديلات خاصة أن الدستور يلزم بالأخذ برأي الأزهر الشريف فيما يتعلق بالقوانين الخاصة بالأحوال الشخصية.


وأكد الدكتور فؤاد عبد النبي، الفقيه الدستوري وأستاذ القانون الدستوري بـ«جامعة المنوفية»، أن المادة السابعة من الدستور المصري نصت صراحة على أن الأزهر «هو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية»، وبالتالي يكون دوره البت في قضايا الأحوال الشخصية لأنها تتصل بالشريعة الإسلامية التي جاءت لتنظم حياة المجتمع والأفراد، وعلى هذا يكون رأي الأزهر وإبدائه له وبته في قوانين الأحوال الشخصية من صميم عمله ورأيه ملزم للبرلمان، ولا يصح سن القوانين دون الاحتكام للأزهر لإبداء الرأي فيها إبداء صريحًا.


وأكد «عبد النبى» أن إقرار قانون دون مراجعة سوف يترتب عليه بطلانه دستوريا وفقا لنص المادة 7 من الدستور، والمادة الثانية من الدستور التي تقول: «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع»، فالشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، وعليه فإن الأزهر جهة اختصاص في مراجعة القوانين المتعلقة بالشريعة الإسلامية والأحوال الشخصية جزء لا يتجزأ من عمل الأزهر، ولا يحق للدولة أو النواب تقديم قانون للأحوال الشخصية دون موافقة الأزهر كاملا.


فى السياق عينه، دعت هالة بخيت، مديرة مركز حماية حقوق المرأة، مجلس النواب بفتح حوار مجتمعي حول قانون الأحوال الشخصية، قبل إصداره بشكل نهائي للوصول إلى أفضل الحلول للأزمات التي تواجه الأسرة المصرية.


وأكدت أن قانون الأزهر للأحوال الشخصية ليس ملزمًا الأخذ به، إلا في ما يتعلق بالأمور الشرعية فقط، خاصة وأن المجلس القومي للمرأة متقدم بمشروع قانون أكثر إيجابية من قانون الأزهر.


وقالت إن أهم سلبيات قانون الأزهر ما يتعلق بالمادة المادة رقم «١٥»: والتى نصت على: «أهلية الرجل والمرأة للزواج بتمام ثمانى عشرة سنة ميلادية، والزواج قبل بلوغ هذه السن لا يكون إلا بإذن القاضى للولى أو الوصى في حالات الضرورة، تحقيقًا لمصلحة الصغير والصغيرة»، منوهة بأن الأزهر بهذه المادة أتاح الحق في زواج القاصرات أقل من 18 عاما، حيث سمحت المادة في نهايتها للقاضي والوصي والوالي زواج البنت أقل من 18 عاما حتى الشاب، ولم يضع القانون حلولا عملية وحازمة بشأن رعاية وحضانة الطفل.


وعلمت «النبأ» أنّ الحكومة متمثلة في وزارة العدل سوف تقدم مشروع قانون منفصلا للبرلمان خلال شهرين، يضمن علاجا للانتقادات الموجهة لقانون الأزهر، وينتظر طرح قانون الحكومة للرأي العام قبل إقراره بالبرلمان، وهو الأمر الذي سيترتب عليه صدام مع الأزهر.