تفاصيل المبارزة الفكرية الساخنة بين شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة
حالة من الجدل سيطرت على مواقع التواصل الاجتماعي؛ تعقيبًا على المبارزة الفكرية، والسجال الذي دار داخل أروقة قاعة مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي، بين الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، في الجلسة التي أدارها عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية.
بداية الأمر عندما ألقى «الخشت» كلمته التي أثارت الحضور، ودفعت «شيخ الأزهر» لطلب الكلمة والرد بقوة – رغمًا أنه أعلن في بداية حديثه أنه سيحاول أن يكون طيبًا في رده -.
وقال الدكتور محمد عثمان الخشت، إنّه لابد من تأسيس خطاب ديني جديد، وليس تجديد الخطاب الديني التقليدي، موضحًا أنّ تجديد الخطاب الديني عملية أشبه ما تكون بترميم بناء قديم، والأجدى هو إقامة بناء جديد بمفاهيم جديدة ولغة جديدة ومفردات جديدة، إذا أردنا أن نقرع أبواب عصر ديني جديد.
وأكد رئيس جامعة القاهرة، أنّه لا يمكن تأسيس خطاب ديني جديد دون تكوين عقل ديني جديد، مشيرًا إلى أنّ العقل الديني ليس هو الدين نفسه، بل هو عقل إنساني يتكون في التاريخ وتدخله عناصر إلهية وعناصر اجتماعية واقتصادية وثقافية، ويتأثر بدرجة وعي الإنسان في كل مرحلة. لافتًا إلى أنّ تطوير العقل الديني غير ممكن دون تفكيكه، وبيان الجانب البشري فيه.
وأضاف رئيس جامعة القاهرة، أنّه لا يمكن تكوين عقل ديني جديد دون تغيير طرق التفكير وتجديد علم أصول الدين، موضحًا أنّ من أهم الشروط لتكوين عقل ديني جديد، إصلاح طريقة التفكير، وفتح العقول المغلقة وتغيير طريقة المتعصبين في التفكير، والعمل على تغيير رؤية العالم وتجديد فهم العقائد في الأديان ونقد العقائد الأشعرية والاعتزالية وغيرها من عقائد المذاهب القديمة.
ورفض الخشت، محاولة «إحياء علوم الدين»،
ودعا إلى ضرورة "تطوير علوم الدين»، موضحًا أنّ العلوم التي نشأت حول الدين
علوم إنسانية، تقصد إلى فهم الوحي الإلهي، وأنّ علوم التفسير والفقه وأصول الدين
وعلوم مصطلح الحديث وعلم الرجال أو علم الجرح والتعديل، هي علوم إنسانية أنشأها
بشر، وكل ما جاء بها اجتهادات بشرية، ومن ثم فهي قابلة للتطوير والتطور، بل قابلة
لاستبدالها بعلوم جديدة.
وأكد رئيس جامعة القاهرة، أنّ التجديد
لا يمكن أن يأتي من المؤسسات الدينية الكلاسيكية في أي بقعة من العالم، إلا إذا
كانت لديها القدرة على التخارج والتعلم من دائرة معرفية أخرى. وأنّه لابد أن يأتي
التجديد من دائرة معرفية خارجية أو قادرة على التخارج.
ودعا الخشت إلى ضرورة توظيف النظريات
القانونية الحديثة في تطوير أحكام الشريعة، مثل توثيق الطلاق على غرار توثيق
الزواج طبقًا لنظرية الأشكال القانونية المتوازية، لافتًا إلى أن انعقاد الطلاق عن
طريق توثيقه منطقي في ضوء نظرية الأشكال القانونية المتوازية، فما يتم وفق شكل
وإجراء لابد أن يتم بالشكل والإجراء نفسه.
وبطلب الإمام الأكبر الكلمة، انتقد ما
جاء على لسان «الخشت» بشأن فكر الأشعرية والتراث، وعدم تجهيزه لكلمة مكتوبة
وارتجاله لكلمته في مؤتمر عالمي يحضره علماء من جميع أنحاء العالم - على
حد قوله -.
وقال الإمام الأكبر في مداخلته، إنّ
إهمال التراث بأكمله ليس تجديدًا وإنّما إهمالًا، مشيرًا إلى أنّ الأشاعرة لا
يقيمون منهجهم على أحاديث الأحاد، ويعتمدون على الأحاديث المتواترة.
وأضاف شيخ الأزهر أنّ توصيف التراث
بأنّه يورث الضعف والتراجع، مزايدة على التراث، وأنّ مقولة التجديد مقولة تراثية
وليست حداثية.
وأوضح أنّ الفتنة نعيشها الآن وهي فتنة
سياسية وليست تراثية، مشيرًا إلى أنّ السياسة تخطف الدين اختطافًا حينما يريد
أهلها أن يحققوا هدفًا مخالفًا للدين كما حدث في الحروب الصليبية وغيرها.
من جانبه، رد الخشت قائلًا إنّ حديثه عن
الأشاعرة جرى فهمه بشكل خاطئ، وأنّه يعي تمامًا كل ما يقوله. مشيًرا إلى أنّ لديه
مؤلفات وكتبًا تدرس في الجامعات منذ قديم الزمن.
وأشار إلى أنّه أراد من كلمته، تصحيح
معنى المفاهيم المهمة التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية، موضحًا أنّه ليس من دعاة
هدم التراث أو حذفه، وإنّما تجب مراعاة عدد من المقومات المهمة عند الأخذ بالتراث، مؤكدًا أنّ من يعتقد بعصمة التراث فعليه أن يراجع نفسه جيدًا.
وأوضح رئيس جامعة القاهرة، أنّ الجميع
يصيب ويخطئ، قائلًا: «أنا مسلم ولست أشعري أو أتبع أي تيار آخر»، موضحا أنّه يحترم
الأزهر بشدة ويتفق معه في بعض الأمور ويختلف في أخرى، ووجّه رسالة لشيخ الأزهر.
قائلًا: «أحترم رأيك بشدة ولست معك في كل شيء ولست ضدك في كل شيء».
وقال رئيس جامعة القاهرة، في تصريحات
صحفية عقب الجلسة، إن ما حدث اختلاف وليس خلافًا، مؤكدًا أن هناك احتراما متبادلا
بينه وبين شيخ الأزهر منذ زمن طويل.
وأكد «الخشت» أنه يدعو للرجوع للقرآن
والحديث دون اجتهادات بشرية. مشددًا على ضرورة صنع تراث جديد.
وقال الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس
الأعلى للشؤون الإسلامية، إن الحوار بين رئيس جامعة القاهرة، وشيخ الأزهر كان يتسم
بالسخونة والجدية.
وأشار إلى أن هذا الحوار كان ظاهرة صحية
100%، معقبًا: «لأول مرة نضع أرجلنا على الطريق الصحيح في قضية التجديد، لأول مرة
مفيش قطع للحوار، أو إخفاء بعض الكلام منه».
وتابع أن ملف تجديد الخطاب الديني محفوف
بالمخاطر وعليه العديد من المحاذير وحصار شديد جدًا من تيار يريد إقصاء الدين،
وأعمال التراث دون تجديد أو تمحيص.
وأضاف أن مؤتمر الأزهر لتجديد الفكر
الإسلامي ناجح بكل المقاييس، لأنه شهد تعدد الرؤى. معقبًا: «مؤتمر مش سابق التجهيز
زي علب العصير أو البلوبيف».
وقال الدكتور محمد الباز، أستاذ كلية الإعلام بجامعة القاهرة، إن البعض يستنكر أي محاولات لإجراء حوار مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب حول تجديد الخطاب الديني، وعلتهم في ذلك: «من أنتم وماذا تعرفون لتحاوروا شيخ الأزهر؟».
وأضاف الباز، أن هذا هو أول الطريق لفشل أي حوار أو أي محاولات لتجديد الخطاب الديني. مشيرًا إلى أن محاولات تجديد الخطاب الديني هدفها نزع أي قداسة عن أي مجهود بشري سابق.
وأكد، أن كل التفاسير القرآنية ليست مقدسة، لأنها مجرد فهم بشري لكلام الله، ويمكن نقاشها، مضيفًا: «اليوم بدا لي أن شيخ الأزهر يحيط نفسه بقداسة، ويحيط فهمه بقداسة، ولا يقبل أن يكون هناك أي رأي آخر أمامه».
وتابع: «للأسف الشديد يا مولانا شيخ الأزهر أنت لم تكرم ضيفك الدكتور عثمان الخشت في دارك».