عام على وثيقة الأخوة الإنسانية
زرت أبوظبى يومى الإثنين والثلاثاء الماضيين لحضور «التجمع الإعلامى العربى»، والذى احتفل بمرور عام على توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية، بين الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان.
الحضور الإعلامى كان كبيرا، خصوصا من مصر، ودول عربية أخرى. فى الجلسة الافتتاحية استمعنا لكلمات من الشيخ نهيان مبارك آل نهيان وزير التسامح الإماراتى، وباولو روفينى وزير إعلام الفاتيكان، وقيس العزاوى أمين عام مساعد جامعة الدول العربية، ومكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى للإعلام، والمستشار محمد عبدالسلام الأمين العام للجنة الأخوة الإنسانية، وسلطان فيصل الرميثى الأمين العام لمجلس جكماء المسلمين.. كلماتهم ركزت بطبيعة الحال على أهمية الوثيقة ودورها فى توسيع روح ومناخ التسامح بين المسلمين والمسيحيين.
هذه الوثيقة توقيعها يوم ٤ فبراير من العام الماضى، كانت تطورا شديد الأهمية فى العلاقة ليست فقط، بين الأزهر والفاتيكان، ولكن فى العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، شرط أن يتمكن الطرفان من تطبيقها على أرض الواقع، أو على الأقل تصل لجزء كبير من الجمهور المستهدف.
الوثيقة تبدأ بعبارة «باسم الله الذى خلق البشر جميعا متساويين فى الحقوق والواجبات والكرامة، وباسم النفس البشرية الطاهرة التى حرم الله إزهاقها، وباسم الفقراء والبؤساء، وباسم الأيتام والأرامل والمهجَّرين من ديارهم، وباسم الشعوب التى فقدت الأمن والسلام والتعايش، وحل بها الخراب، وباسم الأخوة الإنسانية التى أزهقتها سياسات التعصب والتفرقة، وباسم الحرية التى وهبها الله لكل البشر، وباسم العدل والرحمة، وباسم الله وباسم كل ما سبق، يعلن الأزهـر، والكنيسة الكاثوليكية، تبنى ثقافة الحوار دربا، والتعاون المشترك سبيلا، والتعارف المتبادل نهجا وطريقا».. وعبر هذه الوثيقة طالب الموقعون عليها أنفسهم وقادة العالم وصناع السياسات الدولية والاقتصاد العالمى بالعمل جديا على نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام، والتدخل فورا لإيقاف سيل الدماء البريئة، ووقف ما يشهده العالم حاليا من حروب وتراجع مناخى وانحدار أخلاقى.
الوثيقة تقول إنها تقدر ما حققته الحضارة الحديثة فى مجالات العلم والتقنية والطب والصناعة والرفاهية، لكن المشكلة هى تراجع الأخلاق الضابطة للتصرفات الدولية، مما دفع الكثيرين إلى الانخراط إما فى دوامة التطرف الإلحادى، أو التطرف الدينى، أو تبنى أشكال من الإدمان والتدمير الذاتى والجماعى.
هذا التطرف أطلق بوادر «حرب عالمية ثالثة على أجزاء».. تسجل الوثيقة أن الأزمات السياسية الطاحنة والظلم وافتقاد عدالة توزيع الثروات الطبيعية التى يستأثر بها قلة من الأثرياء ويحرم منها السواد الأعظم من شعوب الأرض، أنتج وينتج أعدادا هائلة من المرضى والمعوزين والموتى، وأزمات قاتلة تشهدها كثير من الدول.
تشدد الوثيقة على أهمية الأسرة كنواة لا غنى عنها للمجتمع وللبشرية. تقول الوثيقة إن الأديان لم تكن أبدا بريدا للحروب أو باعثة لمشاعر الكراهية، أو مثيرة لإراقة الدماء، فهذه المآسى حصيلة الانحراف عن التعاليم الدينية ونتيجة استغلال الأديان فى السياسة، وكذا تأويلات طائفة من رجالات الدين، وبالتالى نطالب الجميع بوقف استغلال الأديان فى تأجيج الكراهية والتعصب الأعمى.
وفى فقرة مهمة تؤكد الوثيقة أن الحرية حق لكل إنسان اعتقادا وفكرا وتعبيرا وممارسة، وأن التعددية والاختلاف فى الدين واللون والجنس والعرق واللغة، حكم لمشيئة إلهية قد خلق الله البشر عليها، وجعلها أصلا ثابتا، تتفرع عنه حقوق حرية الاعتقاد وحرية الاختلاف وتجريم إكراه الناس على دين بعينه أو ثقافة محددة، أو فرض أسلوب حضارى لا يقبله آخر.
أما الفقرة الأهم من وجهة نظرى فهى تقول: «إن الإرهاب البغيض فى أى مكان ليس نتاجا للدين، حتى وإنْ رفع الإرهابيون لافتاته ولبسوا شاراته، بل هو نتيجة لتراكمات الفهم الخاطئ لنصوص الأديان، وسياسات الجوع والفقر والظلم والبطش والتعالى، لذا يجب وقف دعم الحركات الإرهابية بالمال والسلاح والتخطيط والتبرير أو توفير الغطاء الإعلامى لها».
تركز الوثيقة على المواطنة وأنها تقوم على المساواة فى الواجبات والحقوق، وأن العلاقة بين الشرق والغرب ضرورة قصوى لكليهما، كما تؤكد على حقوق المرأة والطفل والمسنين والضعفاء وذوى الاحتياجات الخاصة.
فى ختام الوثيقة يتعهد الأزهـر والكنيسة الكاثوليكية بالعمل على إيصالها لصناع القرار العالمى والقيادات المؤثرة ورجال الدين فى العالم والمنظمات المختلفة، ونشر ما بها من مبادئ، وأن تصبح موضع بحث وتأمل فى جميع المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية، لتساعد على خلق أجيال جديدة تحمل الخير والسلام وتدافع عن حق المقهورين فى كل مكان.
السؤال الأهم هو: هل وصلت الوثيقة إلى المخاطبين بها، وهل اختفى التعصب، والتطرف أو على الأقل تراجع؟!.
.. هذا سؤال سنجيب عنـه لاحقًا إن شاء الله.
نقلا عن "الشروق"