«إسقاط الإمام».. كواليس اشتعال حرب «الرؤوس الكبيرة» ضد شيخ الأزهر
«عصفور»: «الطيب» تجاوز فى الرد على «الخشت».. ونعتمد على مؤسسة فاقدة للقدرة على التجديد
«النمنم»: مؤسسة الأزهر تم غزوها بـ«عقليات متشددة» والمناهج الدينية تحث على العنف
«الهلالى»: أوصياء الدين وأتباعهم يرفضون تجديد الخطاب الدينى
«منتصر»: ما زلنا نصف ما فعلناه من غزو واستعمار بـ«الفتح المبارك»
«ناعوت»: مؤسسة الأزهر تسعى لمحاربة المفكرين والمثقفين وتقف ضد الحراك التنويرى
«بباوى»: من الخطأ تصوير القضية على أنها صراع وحلبة ملاكمة
«الدسوقى»: الجدل حول تجديد الخطاب الدينى سوف يستمر
تعرض الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر لـ«هجمة شرسة» من شخصيات محسوبة على التيار التنويري أو الحداثي، لاسيما بعد الحلقة النقاشية الساخنة بين «الإمام» والدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، والمتعلقة بالتراث وتجديد الخطاب الديني.
وقال الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، والمعروف بآرائه المثيرة للجدل ومعاركه الفكرية مع رموز التيار الديني، إن «الخشت» أستاذ فلسفة أديان، وقدم مشروعًا تجديديًا أمام الأزهر، ولكن لم يوافق عليه شيخ الأزهر، وللأسف الأخير تجاوز في الرد عليه، مضيفًا أنه ليس راضيًا عن هذه الطريقة في أداء الأزهر، والمناهج الأزهرية في المعاهد والجامعات لا تصلح.
هذه التصريحات دفعت جريدة «صوت الأزهر» إلى نشر مقتطفات من مقالات قديمة لـ« عصفور» والتي يشيد فيها بـ«الطيب».
ورد «عصفور» على هذا الموضوع، مؤكدًا أن كل ما ورد فى المقال المنشور بالجريدة صحيح تمامًا ولكن «عندما كان أحمد الطيب شيخ الأزهر طيبًا»؛ بحسب وصفه.
«عصفور» أوضح أن الخلاف بينه و«الطيب» بدأ منذ أن تولى الأول وزارة الثقافة للمرة الثانية فى 2014، عندما رفض الأزهر تمثيل الأنبياء فى الأعمال السينمائية، وهو خلاف ليس شخصيًا بحسب قوله، لكن حول منهجية التفكير التى يتبعها «الطيب» والتى تتناقض مع رؤيته فى حوارات ما قبل ثورة 25 من يناير مع المثقفين.
ولـ«عصفور» مواقف وتصريحات كثيرة اصطدم فيها مع الأزهر وأثارت الكثير من الجدل، من هذه الأقوال: «مؤسسة الأزهر لا تمثل الإسلام أو الحضارة الإسلامية الحقيقية، بل تمثل مرحلة تاريخية جامدة من الحضارة الإسلامية ما بعد الغزو الأجنبي بعد التتار والمغول».
وأكد «عصفور» أن الأزهر يحتاج إلى ثورة داخلية ليواكب التطور الحالي، كما اعتبر أن مؤسسة الأزهر الشريف غير قادرة على تجديد الخطاب الديني.
وفي حوار له مع «أخبار اليوم» في شهر أغسطس 2019، فتح «عصفور» النار على الأزهر، عندما أكد أن الازهر لا يؤمن بالدولة المدنية ويتصور أن كلمة الدولة المدنية تعنى الكفر رغم أنها لا تعنى تعارضا أو تضادا معه؛ لأنها تعني فصل الدين عن الدولة فالأزهر مؤسسة علمية ولا شأن له بالسياسة.
أما حلمي النمنم، وزير الثقافة السابق، فقد أكد أن الأزهر لا يستطيع القيام بالتجديد لأنه مؤسسة محافظة.
وقال «النمنم» إن هناك فريقًا كبيرًا داخل الأزهر الشريف، يقف ضد تجديد الخطاب الديني لاسيما وأنهم يرونه منحة إلهية.
وأضاف «النمنم» أن مؤسسة الأزهر الشريف تم غزوها بعقليات متشددة خلال العقود الأخيرة مثلها مثل باقي المؤسسات التي تعرضت خلال السنوات الأخيرة لأشياء كثيرة من عوامل الترهل، مؤكدا أن المناهج الدينية بمؤسسة الأزهر تحث علي العنف ولابد من إعادة النظر بها.
وعلق الدكتور خالد منتصر، الطبيب والمفكر، على مقولة «الطيب» عندما قال: "التراث كان السبب في نهضة العرب، حتى إن أقدامهم كانت واحدة في الصين، والأخرى في الأندلس بفضل الفتوحات الإسلامية"، قائلًا: "الحقيقة أنني لا أريد للمسلم المصري أن تكون قدمه اليمنى في الصين ولا اليسرى في الأندلس، أريد أن تكون قدمه ويكون عقله وقلبه موجودًا ومتجذرًا في وطنه مصر، وأقول لشيخ الأزهر إن قوة التراث لم تكن سببًا فيما تسميه فضيلتك فتحًا، بل كان السبب هو قوة السيف والحروب العسكرية، ومثلما قلت فضيلتك إن الصليبيين كانوا يرفعون الإنجيل بيد، وفي اليد الأخرى السيف، فإننا أيضًا فعلنا نفس الشىء، لكن الفرق بيننا وبينهم هو أنهم قد اعتذروا عن هذا التاريخ الأسود، ونحن لم نعتذر بعد".
وأضاف منتصر: "ما زلنا نصف ما فعلناه من غزو واستعمار فتحًا مباركًا، اسم دلع وتدليل نخفف به من وطأة الوصف الصحيح، كما فعلنا من قبل مع الهزيمة التي صارت نكسة، والكوليرا التي صارت مرض الصيف، فضيلتك قدمت لنا وصفًا لهذا الفتح التراثي الجميل، حتى اعتقدت أننا كنا نغزو وفي اليد اليمنى زهرة وفي الأخرى الجيتار!!".
وقال «منتصر» إنه يجب على الأزهر عدم تدريس أي علوم خلاف العلوم الشرعية، مشيرا إلى أنه لا يجب على الأزهر تدريس العلوم والطب وغيرها من الكليات، مشيرًا إلى أن تجديد الخطاب الديني مسئولية الجميع، والإسلام لم ينزل على «الأزاهرة» فقط.
وقال الدكتور مراد وهبة، الكاتب والمفكر، إن تجديد الخطاب الديني في مأزق أو في لفظ آخر في زنقة، موضحا أن بعض الكتب نعتمد عليها منذ 800 سنة.
وقال الكاتب والروائى محمد سلماوى، الرئيس السابق لاتحاد الكاتب، إن مناهج الأزهر تُحرض على "أكل لحم غير المسلم".
وأكد الدكتور سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن أوصياء الدين وأتباعهم هم من يرفضون تجديد الخطاب الديني، مشيرا إلى أن الخطاب الدينى فاشل وأفرز إرهابيين والشعب سيجدده إذا لم يفعل الأزهر.. وأوصياء الدين صامتون حتى تمر الموجة.
وقال الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، إن الأزهر ليس مؤسسة إرهابية لكنه لم يقدم شيئا في تجديد الخطاب الديني، مؤكدا أن المشهد الثقافى متراجع.. ولا تجديد حقيقى للخطاب الدينى.
أما الكاتبة والروائية فاطمة ناعوت، والمحسوبة على التيار التنويري، فلها بعض المواقف والتصريحات المثيرة للجدل، حيث طالبت بتغيير المناهج التعليمية بالأزهر وحذف جميع ما به من سمات العنف وكل ما يناقض العلم والتطور البشرى، وأضافت أنه لا يليق بصرح الأزهر الهائل أن تضم مناهجه أي مواد تحض على العنف والشتات بين المسلم وغير المسلم.
وطالبت «ناعوت»، بأن يكون تصويب الخطاب الدينى مشروعا قوميا وطنيا للدولة المصرية، يشارك به جميع أطياف وأفراد الشعب، فى مختلف المحافظات والقرى والمدن، ويصبح حديثا للمواطنين، وموضوعا للنقاش فى المساجد والكنائس والإعلام، والمدارس والجامعات، والمقاهي.
وفي حوار لها مع صحيفة «الوطن» في نوفمبر 2017، قالت ناعوت، إن مؤسسة الأزهر تسعى لمحاربة المفكرين والمثقفين، وتقف ضد الحراك التنويرى فى مصر، مؤكدة أن خطوات التجديد الدينى تبدأ من تنقية كل الكتب التى تحض على العنف والكراهية، وأيضًا الأحاديث التى تسىء للرسول نفسه والواردة فى «صحيح البخارى»، على حد قولها، مؤكدة أن الأزهر «حجر عثرة» فى طريق التنوير، وطالبة بمراجعة الأحاديث النبوية المدسوسة والمكذوبة.
يقول الدكتور نبيل لوقا بباوي، المفكر والسياسي، إن ما حدث بين «الطيب» و«الخشت»، ظاهرة صحية تدخل في إطار الرأي والرأي الآخر، مشيرا إلى أن القرآن الكريم منزل من عند الله، أما التفسير فهو من عند البشر ويحتمل الصواب والخطأ، وأنه لا يوجد نص في الكتاب أو السنة يقول إن التفسير قاصر على أشخاص معينين، وبالتالي من حق أي شخص الاجتهاد في التفسير، لافتا إلى أنه في عصر الفقهاء الأربعة والبخاري ومسلم لم يكن يتخيل أحد أن الأرض كروية تدور حول الشمس.
وأضاف «بباوي» أن تفسير الخطاب الديني أو تجديد الخطاب الديني لا يكون فقط بمعرفة الأزهريين، ولكن يكون بمعرفة بكل الجهات المهتمة سواء اجتماعيا أو علميا أو رياضيا، بشرط ألا يمس هذا التجديد الثوابت في القرآن والسنة أو يهدمها، فالتجديد لا يعني هدم القديم، لكنه يعني إعطاء تفسير جديد يتفق مع العقل بحيث يكون الإسلام صالحًا لكل زمان ومكان، كما أن تجديد الخطاب الديني ليس رغبة حاكم أو مؤسسة ولكنه تعليمات من الرسول صلى الله عليه وسلم ذاته، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث ثبت صحة سنده في صحيح مسلم والبخاري «يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمور دينها»، وبالتالي تجديد الخطاب الديني هو من تعليمات الرسول صلى الله عليه وسلم وليس من تعليمات الرئيس.
وأوضح أنه من الخطأ تصوير القضية على أنها صراع واشتباك وحلبة مصارعة أو ملاكمة فيها فائز ومهزوم، لكن لابد من النظر لها على أنها ظاهرة صحية في إطار الرأي والرأي الآخر، وفي إطار صراع الأفكار والآراء وكل شخص يتبع ما يريد في إطار قاعدة «استفت قلبك»، مؤكدا أنه ليس هناك منتصر ومهزوم في هذه القضية، وأنها قضية تعارض في الأفكار، وكل شخص له الحق أن يختار ما يريد بإرادته الحرة، كما لا يوجد صواب مطلق أو خطأ مطلق، مشيرا إلى أن الأزهريين أنفسهم مختلفين في الكثير من المسائل مثل الربا، كما أن تصوير الخلاف على أنه صراع يضيع القضية كلها.
بدوره، أكد الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث، أن معركة تجديد الخطاب الديني جدل يتجدد منذ أيام القرن الرابع، عندما ظهر المعتزلة، الذين أرادوا تحكيم العقل في النصوص الدينية، وطالبوا بضرورة الأخذ بالنص في ضوء الظروف الموضوعية الذي نزل فيها، وهذا معناه أن النص متغير، وهذا تصدى له أهل السنة والجماعة وقالوا إن النص صالح لكل زمان ومكان ومطلق، وتم تكفير المعتزلة الذين أرادوا تحكيم العقل، وهذا هو جوهر الأشكال الذي يتجدد تحت أسماء أحرى، لأن تجديد الخطاب الديني يتطلب النظر إلى النص في ضوء الظروف الموضوعية الذي نزل فيها وليس خارج السياق.
وقال إن معركة تجديد الخطاب الديني لن تنتهي إلا لصالح الأزهر، باعتباره مؤسسة دينية روحية قائمة ولا يمكن لأحد أن يجرؤ على مجابهتها، لأنها تملك سلاح قوى وهو تهمة التكفير والإلحاد، وهي تهم جاهزة لكل من يجرؤ على تجديد الخطاب الديني، مشيرا إلى أن رجال الدين يقولون إن العلماني ملحد، وبالتالي سوف نظل ندور في دائرة مفرغة.