«وفاءً بالأمانة التى أولاها الله لفضيلته»
قُضِيَ الْأَمْرُ، وسُحب مشروع قانون «استقلال دار الإفتاء» كُرمى للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر.
محبة الإمام تستوجب وقفة أمام جملة عبرت في خطاب (طلب الحضور) الذي أرسله فضيلته إلى الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، مطالبًا بحضور الجلسة العامة المنعقدة لمناقشة مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء (حال الإصرار على إقرار هذا المشروع رغم ما به من عوار دستورى)، وذلك «وفاءً بالأمانة التي أولاها الله تعالى لفضيلته»، ولعرض رؤية الأزهر في ذلك المشروع الذي من شأن إقراره أن يخلق كيانًا موازيًا لهيئات الأزهر، ويجتزئ رسالته، ويُقوِّض من اختصاصات هيئاته. (نصًا من خطاب الإمام الطيب).
ما يعنينى حرفيًا في هذا الخطاب نقاش طيب مع الإمام الطيب حول جملة «وفاءً بالأمانة التي أولاها الله تعالى لفضيلته»، عبارة موحية بـ«العصمة» حررت بين سطور الخطاب وتحتاج إلى مراجعة ضرورية من الإمام وتوضيح.
الإمامة مكانة إسلامية مستمدة من تاريخ أزهرى تليد في خدمة الدعوة الإسلامية، ومرجعية الأزهر التي يحتكم إليها الإمام، وله كل الحق، منصوص عليها في الدستور، وهو نص بشرى من توليف لجنة الخمسين (لجنة عمرو موسى)، وباعتباره نصًا بشريًا جرى تعديله، وسيعدل لاحقًا كلما جدّ جديد يستوجب تعديلا، والمحكمة الدستورية قائمة على تفسير ما استغلق دستوريًا، وعندها كما استقر قضائيًا «فصل الخطاب».
لكن «وفاءً بالأمانة التي أولاها الله تعالى لفضيلته» جديدة تمامًا على الأسماع، وأول مرة نسمع بهذه الأمانة التي نزلت على الإمام الأكبر، وينقصنا العلم بها حتى نؤمن «بالأمانة التي أولاها الله لفضيلته».
لن أنجرف إلى مشروع قانون «استقلال دار الإفتاء» المسحوب كُرمى للإمام الأكبر، وقلت سابقًا متى كانت دار الإفتاء تابعة للأزهر الشريف حتى تكون تحت جناح الإمام الأكبر، ولن أزيد، فالمشروع عاد من حَيْثُ أَتَى (غَيْر مَأْسُوف عَلَيْهِ)، وكفى الله المصريين شر الفتن القانونية.
محاولة محرر الخطاب إضفاء «العصمة» على طروحات الإمام لا تستقيم، والإمام لم يدّع عصمة، ولم يتعال بإمامة، بل صفته أكرمه الله التواضع لله.
والإمامة التي هي «أمانة أولاها الله تعالى لفضيلته» هي مكانة أزهرية لها كل الاحترام، والإمام بنص الدستور «مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء». والترجمة أن الإمام مختار لحمل الأمانة من قبل بشر، ويصدق على اختياره الرئيس. خلاصته، لم يختر الإمام من السماء، ونتحسب من مثل هذا قول يرد في خطاب الإمام، ونخشى تسييده على الرقاب فتصير عصمة من النقد المباح، والحمد لله الذي جعل فينا إمامًا منتخبًا يُلام وينتقد، ويأخذ بالأسباب.
القول بأن الأمانة (الإمامة) أولاها الله تعالى لفضيلته، فهذا تقديس في محل ترفيع، والإمام تنسحب عليه القاعِدة الأصولية المستقرة عند الفقهاء «رأيى صَوابٌ يَحتَمِلُ الخَطأ، ورأيُ غَيرى خَطأ يَحتَمِلُ الصَّوابَ» يعنى ليس معصومًا.
نقلا عن "المصري اليوم"